تعودت كلما سنحت الفرصة لزيارة تاونات احتساء قهوتي الصباحية بإحدى المقاهي المعروفة وسط المدينة الصغيرة , والسفر بمخيلتي نحو الكائنات البشرية والأشياء الأخرى التي تؤثث المكان المحيط لعلي أجد ما يلفت الانتباه , ويكسر بالتالي الخط المستقيم لنمط عيش معتاد . ظننت أن هذا الصباح لن يكون سوى كغيره مما ألفت وتعودت, لكن ظني وتوقعي لم يصب , فما استرعى انتباهي وجعل هذا المقطع من اليوم استثنائيا بعض الشيء هي تلك الموسيقى المنبعثة من مكبرات صوت منظمة في الساحة العمومية أمام مقر البلدية . رحت أتساءل مع نفسي عن سبب القذف بكل هذه الأناشيد الوطنية على مسامع المارة والجالسين , وبما أنني أنتمي إلى تلك الفئة التي تحسن القراءة, فلم أجهد نفسي بالتفكير كثيرا, جل ما فعلته أني رفعت عيني وقرأت على اللافتة المعلقة هناك أن الحزب المغربي الليبرالي سينظم مهرجانا خطابيا تحت شعار *عيوننا على التغيير * .
الأمر إذا يتعلق بمهرجان خطابي , وكل ما هو معروف عن هذه الجملة أنها تقصد تجمعا غفيرا تلقى فيه الخطب , ولكنني وبعد مضي ساعة على الموعد المحدد لا أرى غير كراس فارغة تتوق إلى من يتفضل ويلقي بمؤخرته عليها, ومنصة على ما يبدو ستحرج الخطيب الذي سيقف عليها , إن كان في داخله بالطبع شيء من عزة النفس . وفي انتظاري لانطلاق المسمى مهرجانا خطابيا , حاولت أن أسيح بنظري في وجوه الجالسين المتواجدين بنفس المقهى , وإذا بوجه مألوف يجلس صاحبه بمعية أشخاص آخرين في الطاولة المجاورة يستوقفني . عندما أمعنت النظر تيقنت أن الملامح للأستاذ محمد زيان المنسق الوطني للحزب المغربي الليبرالي ووزير حقوق الإنسان بالمغرب سابقا . إذا المنسق جاء بنفسه ليلقي خطابه على سكان تاونات, ويستعطفهم ليلقوا ببعض أوراق السبع في صناديق الانتخاب, له الحق كمثله في ذلك مادامت الأمور فوق طاقتنا , لكن يبدو من ملامحه كمن يطل على الموت القريب , واستغربت حقا أن تكون عيونه على التغيير.
عندما أنهى إشباع حاجته من شايه المنعنع توجه إلى المنصة المطلة على بعض الكراسي القليلة الشاغر نصفها رفقة أتباعه . وأنا أراقب خطواته المتثاقلة تحرك في داخلي شيء من الإنسانية ووددت حينئذ لو استطيع أن افعل شيئا لهذا الإنسان الليبرالي , لكن جزئي الغيور استيقظ فجأة وتمنيت لو أن شيئا ما يحدث ويمنعه من أن يتلو الأكاذيب والوعود الزائفة على هاته الوجوه البئيسة التي يظهر أنها تواجه خطابه باللامبالاة, هذا الخطاب الذي لم يتضمن شيئا ملفتا غير كلام المصانع و المشاريع ومحاربة المخدرات والاستهتار بخصومه كأنه قذف من رحم غير رحم الجشع الذي قذفوا منه . كلامه الكثير هذا لم يتمكن من إيقافه غير صوت الأذان الذي بدا مسموعا , وأرغمه على أن يبدي اهتمامه بالشعور الديني ويعد باستئناف كلامه الشعبي بعد صلاة الظهر , يينما ارتأيت أنا أن أذهب إلى مكان ما لا تصلني أبواقه أجر معي أعضائي المرهقة لأصلي صلاة الجنازة على المسماة الأحزاب المغربية .