تتساقط الثلوج فوق القمم
فتأتي الشمس وتذيبها
تبعث في النفس الشعور بالحرية
فيأتي الخريف لتذبل أوراق الأشجار ...
ويأتي الربيع ...تتفتح الأزهار، لكن لون الحرية طعمه باهت في دنيا التعساء، وجوه شاحبة، وأخرى باسمة، عيون ناعسة، وأخرى متألقة تألق البدر في ليلة قمرية..في تجويفات هذه الحياة تتسابق الكلمات والأحرف لتأخذ مكانها بين حروف أخرى في هذا العالم تنضح بالحياة ، تنسلخ أحيانا وتلبس أحيانا أخرى أثوابا..تود من خلالها النفاذ إلى العالم لتصنع مكانا لها يأويها من العبث والمتاهات ، تقذفها أمواج الحياة مسافات لتبعدها إلى مكان قصي لتطمس معالمها ..وتتبخر حينما يقترب المساء..بيد أن الحروف تتشبت بالجذور، تستعصي على الاقتلاع، تنبت تنمو تصير بذرة ترتوي بالطل الندي، تصرخ في وجه العاصفة،تكسر الحواجز وتختزل تواجدها، كينونتها في زمن تطرد فيه الحروف الضعيفة..في زمن الأقوياء: زمن لا مكان فيه للحروف الصغيرة سوى لحروف صنعت لها وزنا بحد السيف، طمست معالما، أتلفت أرواح الأجساد قبرت في الثرى لتصير كالرماد.
وفي اليم الشاسع تحتضن كلمات جديدة، تغوص في أعماقها..تحللها لتختار ما يليق بها، تختزل الطريق نحو الهوية..
تتعثر في وسط المحيط، تتجرد مجددا من ملابسها، تتأنق تأنق العذراء، تنسج رداءا أبيضا ُتلبسه عذريتها، تخيط الثوب المهترئ، تهديه إلى اليم الزاخر بالمفردات، تتلاشى في خضم الأمواج مجددا..
تبحث عن رواية، لتصنع الحكاية، وترمم البداية، وتضع حدا للنهاية..
نهاية المفردات التائهة في متاهة النسيان..
ينبلج صبح جديد، تتسلل الرموز لاستئصال الوشم القديم لتخلد من جديد قصة العاشق للمفردات، للكلمات، للغة الأم، للضاد، لأصل الحكاية لمعبر الرواية، ولختم الآية في متاهات الهوية والجذور النقية ..
تقبر الكلمات وتتبخر بين السطور، تسود العتمة، تعود اللغة للإشكال، ويستعصي عليها الحل، فتتيه من جديد.