فتحت الباب بشعري الأشعت و أنا أتذمر..من جاء يقتحم علي خلوتي في هذه الساعة؟.. فوجدتها، و تلك الابتسامة المنحوتة دوما على محياها، ابتسامة لازالت مركونة في رفوف ذاكرتي..
صاحت بوجهي:"أأنتظر ساعة لتفتحي، أواقفة أنا على عتبة قصرملكي؟"
كان أسلوبها الهجومي المضحك مستفزا للمشاعر، فلا تحس إلا و أنت تدخل معها في لعبتها التي تنتهي دوما بنوبات من الضحك المجنون..
فتحت الباب و لم أعتقد للحظة أنها ستكون آخر ضحكة تتشربها مسامعي و أنه لقاؤنا الأخير..فقد كانت في هذه الحياة مجرد عابر سبيل...
اشتاقت إلي و جاءت لتروي ظمأ شوقها..أمضينا الليلة كلها نتسامر و نتضاحك و نتبادل الأسرار و آخر الأخبار كما هي عادتنا كلما التقينا..لم تشإ النوم..و كأنها أرادت أن تنحت ذكراها في أعماقي..
صرخت في وجهها أن تتركني أنام..فتصمت مدعية أنها نائمة..و عندما أطفئ النور و أعود لفراشي أجدها قد احتلته و هي تكاد تختنق من شدة الضحك..كانت حكاياتها الممزوجة بالخيال لا تنتهي..فاستسلمت لقدري وهجرت مضجعي...فالأكيد أن النوم لن يزور هذه الليلة مقلتي..
و في الصباح،حضرت لي قهوتي و قالت أنها ستنزل إلى الشاطئ لتتمشى قليلا، ودعتها ثم ذهبت...
ذهبت هي لتتأمل البحر لكنها لم تعد..لأنها كانت على موعد مع قدرها.. كان ينتظرها هناك عند الشاطئ .. لينزل الستار على مشهدها الأخير في هذه الحياة..أمواج البحر كانت في انتظارها لتكتب آخر كلمة في دفتر أقدارها..
يا لهذه الأقدار...أليست هذه نفس الموجة التي ابتلعتني ذات يوم ثم لفظتني، كأنه كان مجرد إنذار، لتحذرني من أن أستهزئ بقدري أو ربما لتجعلني أتشبت أكثر بالحياة بعد أن رأيت شبح الموت يحوم حولي، يعانقني..يحاول أن يغتصب روحي، لماذا اخذتها و لم تأخذني...لتزرع الحسرة في قلبي..؟
رحلت و تركتني مع خوفي الدفين أن تحرمني الأقدار ممن أحب...خوفي من ان يقطف الموت زهرة أخرى من بساتين فرحتي...فلكم أشتاق إليك يا زهرتي...!!ء