كلما أردت الاستيقاظ غلبني التثاؤب .. تثاقل وإحساس بالعدمية ..
هل صباح ذا اليوم كسالف الصباحات؟؟
يحاصرني البيت بأثاثاته وحيطانه المتآكلة .. أما تقطيبة الوالد المتهالك فتزيدني حسرات .. وما يتعسني أكثر تبرم الأم المستسلمة لمرارة الزمن الثقيل .. كيف لي أن أتابع دروسي في ظل هذا الغم الجاثم على القلب!!
بيت يضيق الخناق على جسدي النحيل .. ومدرسة فيها من كل أصناف التعذيب السادي ما يعجز اللسان عن وصفه.. أساتذة يستلذون التعسف المجاني .. ويستسهلون إخراج التلميذ بدون أدنى سبب .. أما الإداريون فحدث ولاحرج ..زعيق وصراخ يصم الأذان .. تهديد بالضرب والرفس والطرد .. لا رحمة ولا شفقة لجسمي الغض.. فأين المفر ؟؟
تتكاثف الأشياء وتنصهر، وتتلون بألوان سوريالية حينما أفكر في المصير .. وما يزيد من سخرية القدر، اشمئزازي من التحصيل الدراسي في أي مادة من المواد .. فكلما فكرت في مادتي الرياضيات ، لعنت طاليس واينشتاين والخوارزمي في سري .. وكلما أردت النطق بكلمة فرنسية شتمت المستعمر الغاشم ، الذي فرض لغته بالقوة والفعل في الذاكرة العربية الموشومة بالخزي والذل والعار .. ما أعظم عربيتنا، لولا غدر التاريخ !!
سني لم يتجاوز الخامسة عشر ، غير أن وجهي وجه كهل، من أثر الكآبة الزاحفة على جسدي المرهف..
مستواي الدراسي: ثالثة إعدادي..لكن فكري خاوي الوفاض ، كأني من هواة محو الأمية .. هل كل ذا راجع إلى تركيبتي الذهنية ، كما يدعي أساتذتي المتضلعون في التحليل النفسي!! والذين
يرجعون أزمة التعليم كله إلى تأخري الفكري واللغوي ووو...
ما يربطني بالمدرسة هو التوجس والنفور.. فأهلي يدفعونني إليها دفعا .. فأجرجر رجلاي، في طريقي إليها
متعمدا التأخر .. لأن البواب يغلق الباب الرئيسي للمؤسسة ــ بعد خمس دقائق ــ كأنه آلة صماء .. فأضطر إلى تسلق السور الخلفي في حذر شديد .. ويا ويل أمي إن لاحظني الحارس العام أو المدير !!
وكلما أسعفني الحظ ، ودخلت القسم ــ بعد الإدلاء بورقة التأخر أو الغياب ــ إلا واستقبلني الأساتذة بوجه مكفهر .. إذ لديهم انطباع مسبق بأني دودة زائدة في الفصل .. فملفي ثقيل بالمخالفات ، التي قد تحيلني إلى مجلس تأديبي .. تكون فيه النهاية محتومة : الطرد أوالنفي من عالم المدرسة .. وأخيرا الضياع ..
فموهبتي في الرسم لم تٌجِد فتيلا في تحصيلي الدراسي .. إذ لم يعرها أي أحد اهتماما .. الرسم بالنسبة إلي عالم مثالي .. أنصهر فيه بكل روحي بعيدا عن ضغوطات الأيام ، والبشر.. أنأى به عن سجن البيت ، والمدرسة ، والمجتمع الذي لا يرحم ....أسافر عبره ، نحو عوالم لا يطالها اليأس والقنوط ..
استقبلتني خلية الاستماع بالمؤسسة بصدر رحب.. غير أني كنت أراوغ في أجوبتي .. وكنت أستمع إلى نصائحهم بعقل شارد .. فحالتي يعجز سيجموند فرويد عن تحليل جانبها المعتم .. إذ أن كل مآسي الدنيا كلكلت على قلبي ..
فأخشى ما كنت أخشاه وقعت فيه ، فأحسست النهاية وشيكة .. أحسست شبح الضياع فاغرا فاه كي يلتقمني ..
لقد عرضوني أخيرا على المجلس التأديبي ..وقفت بينهم كمجرم خطير .. كالوا لي التهم تباعا .. كنت استمع إليهم كأنهم يتحدثون عن شخص آخر غيري .. يارب السموات متى الفرج !!
أبي المسكين كان يحك رأسه بين الفينة والفينة .. فقد أحس هو الأخر سوء المصير.. استعطف أعضاء المجلس بقلب كسير .. كان يبرر شيطنتي وهستيريتي بيفاعة سني .. لقد حار هو الآخر في تربيتي وإرجاعي للطريق السوي كما باح لهم ..
لكن الفرج لاح بين الغمام والغم .. قبلوا أعذار أبي .. وموهبتي في الرسم كانت البلسم الشافي لجروحي المندملة .. أعطوني فرصة .. قشة نجاة إلى بر الأمان .. وعدوني بالدعم في الرياضيات واللغة الفرنسية
فهل سأستجيب رغباتهم .. سأجرب على أية حال..
ما يربطني بالمدرسة هو التوجس والنفور.. فأهلي يدفعونني إليها دفعا .. فأجرجر رجلاي، في طريقي إليها
متعمدا التأخر .. لأن البواب يغلق الباب الرئيسي للمؤسسة ــ بعد خمس دقائق ــ كأنه آلة صماء .. فأضطر إلى تسلق السور الخلفي في حذر شديد .. ويا ويل أمي إن لاحظني الحارس العام أو المدير !!
وكلما أسعفني الحظ ، ودخلت القسم ــ بعد الإدلاء بورقة التأخر أو الغياب ــ إلا واستقبلني الأساتذة بوجه مكفهر .. إذ لديهم انطباع مسبق بأني دودة زائدة في الفصل .. فملفي ثقيل بالمخالفات ، التي قد تحيلني إلى مجلس تأديبي .. تكون فيه النهاية محتومة : الطرد أوالنفي من عالم المدرسة .. وأخيرا الضياع ..
فموهبتي في الرسم لم تٌجِد فتيلا في تحصيلي الدراسي .. إذ لم يعرها أي أحد اهتماما .. الرسم بالنسبة إلي عالم مثالي .. أنصهر فيه بكل روحي بعيدا عن ضغوطات الأيام ، والبشر.. أنأى به عن سجن البيت ، والمدرسة ، والمجتمع الذي لا يرحم ....أسافر عبره ، نحو عوالم لا يطالها اليأس والقنوط ..
استقبلتني خلية الاستماع بالمؤسسة بصدر رحب.. غير أني كنت أراوغ في أجوبتي .. وكنت أستمع إلى نصائحهم بعقل شارد .. فحالتي يعجز سيجموند فرويد عن تحليل جانبها المعتم .. إذ أن كل مآسي الدنيا كلكلت على قلبي ..
فأخشى ما كنت أخشاه وقعت فيه ، فأحسست النهاية وشيكة .. أحسست شبح الضياع فاغرا فاه كي يلتقمني ..
لقد عرضوني أخيرا على المجلس التأديبي ..وقفت بينهم كمجرم خطير .. كالوا لي التهم تباعا .. كنت استمع إليهم كأنهم يتحدثون عن شخص آخر غيري .. يارب السموات متى الفرج !!
أبي المسكين كان يحك رأسه بين الفينة والفينة .. فقد أحس هو الأخر سوء المصير.. استعطف أعضاء المجلس بقلب كسير .. كان يبرر شيطنتي وهستيريتي بيفاعة سني .. لقد حار هو الآخر في تربيتي وإرجاعي للطريق السوي كما باح لهم ..
لكن الفرج لاح بين الغمام والغم .. قبلوا أعذار أبي .. وموهبتي في الرسم كانت البلسم الشافي لجروحي المندملة .. أعطوني فرصة .. قشة نجاة إلى بر الأمان .. وعدوني بالدعم في الرياضيات واللغة الفرنسية
فهل سأستجيب رغباتهم .. سأجرب على أية حال..