انعطف (حسن الكيراني) بكل ثقله إلى اليمين .. دلف الحانة غير متهيب ولا متردد ...أزاح الستار المتشابك بكلتي يديه .. مسح فضاء الحانة بنظرة سريعة ... المكان يعج دخانا ولغطا .. الدخان يتكاثف .. .بتصاعد... يشكل دائرة حلزونية .. دون أن يجد منفذا للتلاشي والتبخر.. بعض السكارى يتحشرجون ويختنقون ... دون مبالاة .....
لولا الرغبة الدفينة لولى مدبرا غير معقب ..
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.. نقر نصف البيت الشعري في باطنه ...
رمق في أقصى ركن الحانة ، طاعنا في السن... يكاد يكون من الغابرين...
أثارت انتباهه ارتعاشة يديه ، وتعرقهما البارز.. كما شدت ناظريه تجاعيده الأخدودية ، الأشبه بالحفريات المسطرة في الصخر الجلمود ..
رشف الطاعن في السن رشفة أحدثت قرقعة في الحلقوم .. ثم مز شفتيه ، كأنما يتلذذ طعم الموت...
أدار ( حسن الكيراني) رأسه ، باحثا عن مكان مناسب للتأمل والذوبان...ما أجدر به أن ينصهر في هذا العالم الماجن... اتخذ مكانا قصيا .. بعيدا شيئا ما عن الجلبة والصخب.. باطنه يروم استحضار فوارس الشعر الخمري في هدوء وسكينة ، خلال هذه اللحيظات الفيضية...
سرت السوائل الحارقة في جوفه .. فالتهب الباطن.. ثم استحضر بيتا فيضيا :
خفيت من اللطف حتى كأنها *** بقايا يقين كاد يذهبه الشك
أيمكن للشاعر أن يمتلك كل هذا الحس المرهف لنبضات الوجود ؟ أيمكن أن يمتلك ناصية الحقيقة وهو في قمة التهتك؟
التهتك نفسه تصوف تراجيدي من نوع آخر... فليشرب نخب التمرد الوجودي ..مادام الوجود نفسه قابلا للانفجار في أي لحظة ....
ازداد اللغط والصخب .. واحترق الباطن وارتعش ..انزاح الواقع بثقله وتلاشى .. كما تلاشى الدخان المتصاعد في الأفق..انصهر الواقع كله دفعة واحدة ..وانسل منفلتا من خلال ثقب صغير .. ثم ... ثم انصهرت الأشواق والعذابات كلها .. كلها ..في جرعة واحدة..
الثمالة حلت محل النذالة..سحقا للواقع السياسي .. والاجتماعي .. والفكري.. والإيديوبوجي...والحزبي .. والنقابي.. ووو .... الماضي ، والحاضر ، والمستقبل ، أضحى كله ، في خضم هذه الحبيبات المتلألئة في قعر هذا الكأس ...
حينما سينخض كيانه .. ويمتلئ الكأس بالخواء ..سينبلج واقع مغاير، من خلال الكأس الفارغ...آنئذ سيقرأ الفنجان في هذه اللحظات بأبلغ بيان .. أليست الكلمات , والبيانات , والخطابات السياسية تخرج من أفواه أصحابها.. مترنحة.. متعتعة .. ثملة ؟؟ ألا تفوح منها الروائح التي تزكم الأنوف .. ولا يتلقاها إلا المخدوعون ؟؟؟؟
أما الحقيقة الغابرة .. المضمرة.. الثاوية بين زوايا اللغط ..فهي تزهو في قمة الصحو........
سرت السوائل الحارقة في جوفه .. فالتهب الباطن.. ثم استحضر بيتا فيضيا :
خفيت من اللطف حتى كأنها *** بقايا يقين كاد يذهبه الشك
أيمكن للشاعر أن يمتلك كل هذا الحس المرهف لنبضات الوجود ؟ أيمكن أن يمتلك ناصية الحقيقة وهو في قمة التهتك؟
التهتك نفسه تصوف تراجيدي من نوع آخر... فليشرب نخب التمرد الوجودي ..مادام الوجود نفسه قابلا للانفجار في أي لحظة ....
ازداد اللغط والصخب .. واحترق الباطن وارتعش ..انزاح الواقع بثقله وتلاشى .. كما تلاشى الدخان المتصاعد في الأفق..انصهر الواقع كله دفعة واحدة ..وانسل منفلتا من خلال ثقب صغير .. ثم ... ثم انصهرت الأشواق والعذابات كلها .. كلها ..في جرعة واحدة..
الثمالة حلت محل النذالة..سحقا للواقع السياسي .. والاجتماعي .. والفكري.. والإيديوبوجي...والحزبي .. والنقابي.. ووو .... الماضي ، والحاضر ، والمستقبل ، أضحى كله ، في خضم هذه الحبيبات المتلألئة في قعر هذا الكأس ...
حينما سينخض كيانه .. ويمتلئ الكأس بالخواء ..سينبلج واقع مغاير، من خلال الكأس الفارغ...آنئذ سيقرأ الفنجان في هذه اللحظات بأبلغ بيان .. أليست الكلمات , والبيانات , والخطابات السياسية تخرج من أفواه أصحابها.. مترنحة.. متعتعة .. ثملة ؟؟ ألا تفوح منها الروائح التي تزكم الأنوف .. ولا يتلقاها إلا المخدوعون ؟؟؟؟
أما الحقيقة الغابرة .. المضمرة.. الثاوية بين زوايا اللغط ..فهي تزهو في قمة الصحو........