بدأت قطرات المطر ,بعد ليلة عاصفة ,تنساب بهدوئها الناعم الأخرس على زجاج النافذة المطلة على فناء المنزل.فناء ملأته أقفاص طيور الحسون التي كانت أيضا تملأ صباحاتى باحساس تواصل الربيع حين تشدو.
عمر شاب في عقده الثالث,يسكن الطابق الأرضي.وحيدا مع طيور الحسون.
يشتغل سائقا لحافلة نقل المستخدمين,يدخن الحشيش ويشرب الخمر مع كل موعد صرف الرواتب.يقضي وقته وسط طيوره,يحدثها " بس بسس بسسس..." يزاوج بينها ,يعتنى بفراخها,يعلمها الشدو بواسطة اشرطة واقراص تكرر النغم آليا دون كلل.
كلما جالسته ,كان يكشف لي عن نوادر كبار المبدعين .بادرنى بالسؤال مرة
" أتعرف ذلك الكاتب الذى كانت ترافقه سلحفاة؟"
" نعم ,أعرفه انه كاتب عظيم رجم عوض أن يكرم .."
لم يفهم كلامي على مايبدو,لكنه أضاف " لا أحب ما يكتبه العرب ـ ونطق "العرب "برطانة فيها عداء ـ
عمر لا يقرأ كالكثيرين,لكنه يطلق احكاما كالكثيرين أيضا.يداوم على اقتناء جريدته الاسبوعية,يلوك ما جاء فيها مع قليل من الحذف وكثير من الاضافات التى توافق هواه,فيتفتق خياله عن تخريجات ماشاء الله...
الأشياء القليلة التى أجادها عمر ,تربيته لطائر الحسون وفوزه بمسابقات تقام هنا وهناك لشدو هذا الطائر.سألته مرة حين أخذنا الحديث " الا تفكر في الزواج؟" استمر ينقل بحنان ورفق بالغين عشا به بيضتان صغيرتان " بعد يومين على الاكثر سترى مولودا لم تر مثله قط.." واسترسل بنوع من الزهو يشرح لي كيف استطاع ان يزاوج بين نوعين من طيور الحسون,ومدى فرحه بنجاح تجربته...
استمرت طيور الحسون تبهج صباحاتي بشدوها وبتناغمها وحواراتها عبر نافذتى التى كنت افتحها رغم المطر...ورغم رائحة الحشيش الذى لم يستطع عمر الاقلاع عن التهامه...
"بس بسسس بسسسس " حديثه المتواصل الى كئيب أو مريض أو صغير.
هذا الصباح,وكان اليوم يوم عطلة اسبوعية,سمعته يستفيض في التعريف بطيوره لامراة وصلنى صوتها المندهش.
بدأت لقاءاتى بعمر تتباعد,وارتفعت وتيرة تواجد ذاك الصوت النسائي وخبت كوكبة الشدو التى كانت تتصاعد كابتهالات تطهر الروح ,ربما لقلة عددها أو لقلة الاعتناء بها أو لكثرة الشجار الذى مزق هدوءها الذى الفته فقبعت مذعورة في زوايا اقفاصها...
لم أعد افتح نافذتى كالسابق,لأن صمت العصافير امتد فسيحا وحزينا كشئ لا نهاية له.ونادرا ما يكسر رتابة الصمت شدو بت اعرف مصدره... طائر اهداه عمر لابنى الذى اقنعته بضرورة بقائه مع " اخوته" وسط قفصه الاخضر ...
الفت سماع مشاداتهما,خصوصا عندما يكثر عمر شرب الخمر,لكن هذه الليلة كان الصراخ حادا يمزق سكون الليل,تشبتا ولداي بأمهما مذعورين و رجتنى ان اتدخل لكي لايورط عمر نفسه في مصيبة ما.نزلت الادراج بسرعة... كدت اقع,طرقت الباب...لم يفتح الا بعدما سمع صوتي. عيناه جمرتان,وجهه محتقن علته زرقة جراء افراطه في شرب الخمر,لسانه يتحرك بارتخاء شديد وسط فكيه,ساعده الايسر خطته شفرة حادة.أما المرأة التى لم يسبق لي رؤيتها ,ففي العقد الثانى من عمرها,تقف مرتعدة بلباسها الشفاف,شعرها عليه اثر جدب همجي التصق بعضه بوجهها المبلل.وقفت بالقرب من مرآة زينها اطار نحاسي لامع لطختها عبارات بدم عمر...
أسفل المرآة رأيت قفصي الأخضر فارغا...
اعتذر لي عمر كثيرا ,ووعدنى بشرفه الا يمس زوجته بسوء.
" بس بسس بسسس" في صباح ربيعي جميل,سمعت عمر يردد كلامه الذي لايفهمه الا طائر الحسون.كانت الأقفاص خاوية الا من بقايا اعشاش بدت موحشة وخشنة وارجوحات هامدة...
" بس بسسس بسسسسسس "
عاد عمر ينفض الغبار عن أقفاصه,ويملأ الفناء شدو الحياة...
وعدت أفتح نافذتي كل صباح ليجتاحني الشدو نقيا دون أن تخالطه رائحة الحشيش,ولا حتى نبرات تلك التى رأيتها ليلتها ترتجف كطائر مبلل...
هذا الصباح كنت في حضرة الشدو,أنزع عن روحي بقع ألم ليلي,وصلتني رسالة تحمل خاتما وطابعا غريبين.
" الأستاذ طارق
لاشك انك تعلم أن طائر الحسون يعشق الأزهار البرية ذات الشوك,كنا نصطاده بسهولة,بقليل من اللصاق المنثور على الأشواك,كان يعلق بمجرد ما يلامس الأزهار.انه يحب العيش في أسراب كالحمام...صدقني شدوه وهو على شوكة ما أعذب وأرق بكثير مما يتناهى الينا من أقفاص الفناء.بل حتى لونه
يفقد الكثير من نضارته...
" ألا تفكر في الزواج ؟"لعلك تذكر.
تزوجت ,لكن العصفورة التي رافقتني لم تغرد,اكتشفت زيفها تلك الليلة ,وزيف
شدوها الأقرب الى النعيب.
افتح نافذتك يا شبيهي,فلن تزعجك بعد اليوم رائحة الحشيش ولا صراخ منتصف الليل.تركت بالفناء أعذب مما كان...
أما انا ـ وكما ستلاحظ من خلال الطابع البريدى ـ فقد تهت أعانق أزهار الشوك البرية..."
ناديت على ابنى,سلمته المفتاح الذي كان عمر قد تركه لي كي ارعى طيوره
بمناسبة اجازة جوازه...
" افتح الأقفاص."
غزت ولدي دهشة لم يقو على اخفائها ,لكنه عاد مسرورا...
استمرت طيور الحسون تبهج صباحاتي بشدوها وبتناغمها وحواراتها عبر نافذتى التى كنت افتحها رغم المطر...ورغم رائحة الحشيش الذى لم يستطع عمر الاقلاع عن التهامه...
"بس بسسس بسسسس " حديثه المتواصل الى كئيب أو مريض أو صغير.
هذا الصباح,وكان اليوم يوم عطلة اسبوعية,سمعته يستفيض في التعريف بطيوره لامراة وصلنى صوتها المندهش.
بدأت لقاءاتى بعمر تتباعد,وارتفعت وتيرة تواجد ذاك الصوت النسائي وخبت كوكبة الشدو التى كانت تتصاعد كابتهالات تطهر الروح ,ربما لقلة عددها أو لقلة الاعتناء بها أو لكثرة الشجار الذى مزق هدوءها الذى الفته فقبعت مذعورة في زوايا اقفاصها...
لم أعد افتح نافذتى كالسابق,لأن صمت العصافير امتد فسيحا وحزينا كشئ لا نهاية له.ونادرا ما يكسر رتابة الصمت شدو بت اعرف مصدره... طائر اهداه عمر لابنى الذى اقنعته بضرورة بقائه مع " اخوته" وسط قفصه الاخضر ...
الفت سماع مشاداتهما,خصوصا عندما يكثر عمر شرب الخمر,لكن هذه الليلة كان الصراخ حادا يمزق سكون الليل,تشبتا ولداي بأمهما مذعورين و رجتنى ان اتدخل لكي لايورط عمر نفسه في مصيبة ما.نزلت الادراج بسرعة... كدت اقع,طرقت الباب...لم يفتح الا بعدما سمع صوتي. عيناه جمرتان,وجهه محتقن علته زرقة جراء افراطه في شرب الخمر,لسانه يتحرك بارتخاء شديد وسط فكيه,ساعده الايسر خطته شفرة حادة.أما المرأة التى لم يسبق لي رؤيتها ,ففي العقد الثانى من عمرها,تقف مرتعدة بلباسها الشفاف,شعرها عليه اثر جدب همجي التصق بعضه بوجهها المبلل.وقفت بالقرب من مرآة زينها اطار نحاسي لامع لطختها عبارات بدم عمر...
أسفل المرآة رأيت قفصي الأخضر فارغا...
اعتذر لي عمر كثيرا ,ووعدنى بشرفه الا يمس زوجته بسوء.
" بس بسس بسسس" في صباح ربيعي جميل,سمعت عمر يردد كلامه الذي لايفهمه الا طائر الحسون.كانت الأقفاص خاوية الا من بقايا اعشاش بدت موحشة وخشنة وارجوحات هامدة...
" بس بسسس بسسسسسس "
عاد عمر ينفض الغبار عن أقفاصه,ويملأ الفناء شدو الحياة...
وعدت أفتح نافذتي كل صباح ليجتاحني الشدو نقيا دون أن تخالطه رائحة الحشيش,ولا حتى نبرات تلك التى رأيتها ليلتها ترتجف كطائر مبلل...
هذا الصباح كنت في حضرة الشدو,أنزع عن روحي بقع ألم ليلي,وصلتني رسالة تحمل خاتما وطابعا غريبين.
" الأستاذ طارق
لاشك انك تعلم أن طائر الحسون يعشق الأزهار البرية ذات الشوك,كنا نصطاده بسهولة,بقليل من اللصاق المنثور على الأشواك,كان يعلق بمجرد ما يلامس الأزهار.انه يحب العيش في أسراب كالحمام...صدقني شدوه وهو على شوكة ما أعذب وأرق بكثير مما يتناهى الينا من أقفاص الفناء.بل حتى لونه
يفقد الكثير من نضارته...
" ألا تفكر في الزواج ؟"لعلك تذكر.
تزوجت ,لكن العصفورة التي رافقتني لم تغرد,اكتشفت زيفها تلك الليلة ,وزيف
شدوها الأقرب الى النعيب.
افتح نافذتك يا شبيهي,فلن تزعجك بعد اليوم رائحة الحشيش ولا صراخ منتصف الليل.تركت بالفناء أعذب مما كان...
أما انا ـ وكما ستلاحظ من خلال الطابع البريدى ـ فقد تهت أعانق أزهار الشوك البرية..."
ناديت على ابنى,سلمته المفتاح الذي كان عمر قد تركه لي كي ارعى طيوره
بمناسبة اجازة جوازه...
" افتح الأقفاص."
غزت ولدي دهشة لم يقو على اخفائها ,لكنه عاد مسرورا...