فسحتها الوحيدة، نافذة بشباك حديدي.. تعودت أن تقف أمامها لساعات طوال رغم اعتراض أبيها.. يأتي صوت الجدة، حادا:
هل نادى المؤذن على الصلاة؟
باقي.. تجيب بصوت غائب
وتواصل وقوفها هناك.. تخشبت رجلاها.. تغير زاوية الرؤية.. تلتفت إلى يمين الشارع.. تتابع حركة المارة، وتستنتج آخر أخبار الجيران..
منذ منعها والدها من متابعة الدراسة قبل سنوات، قلّت فرص احتكاكها مع الناس.. بالكاد تخرج مرة أسبوعيا للذهاب للحمام..
تلك الجارة كانت حاملا قبل أسبوع.. وهاهي تنزل من سيارة الأجرة برضيع بين يديها.. وصديقتها نورة التي تلتقي بها في الحمام، قد غادرت للتو لملاقاة حبيبها.. وعدها أن يتزوجها الصيف القادم..
هي، كانت تتوقع زيارة من أهل ابن البقال، لكنه أتى بعروس من قريته قبل شهرين.. أخبرتها نورة أن العروس صغيرة جدا ولا تعرف شيئا من أشغال البيت ولا ال....
تحطم فؤادها حين دقت الطبول وارتفعت الزغاريد من بيت المجاور.. كان يشير لها بيده كلما وقفت أمام النافذة وكان أبوه غائبا.. بالكاد يرفع نظره حاليا، يساعد أباه بنشاط أكبر.. نورة نقلت إليها خبر حمل العروس..
أريد أن أشرب..
سحبها صوت أخيها الأصغر من تأملها، جلبت كأسا وملأتها.
ارفعيني لأنظر..
اذهب وشاهد التلفاز...
لكن الطفل يتشبث بثيابها.. يهددها بإخبار والدهما بوقوفها هناك.. تأتي بكرسي وترفعه فوقه.. ثم تتابع فرجتها.. تلك الجارة اشترت جلبابا جديدا، منذ "حرق" ابنها لأوروبا تحسنت أحوالها. يمل الصغير ويغادر منصة المشاهدة.. وتبقى هناك، تلتفت إلى الجهة الأخرى.. وتراه قادما.. هو ليس من الجيران. لم تره سابقا. أمعنت النظر إليه.. هو ليس متزوجا.. لا حاجة للبحث في يده عن خاتم، الفقراء لا يضعون خواتم الزواج.. شيء ما فيه أوحى لها بأنه عازب.. ربما تنسيقه لثيابه أو شعره المرتب.. لم تسعفها المسافة الفاصلة لترى وجهه بوضوح، لكنه بدا أكبر منها بسنتين أو ثلاث.. لقد اقتربت من الثلاثين، تزوجت شقيقتها الأصغر الصيف الماضي..
تزعجها نظرات الشفقة من الجارات في الحمام والكلام الجارح لزوجة أبيها..
لابد انه يعيل أمه وشقيقين.. لا مانع لها، ستقبل أن تخدمهم كما تفعل مع إخوتها وجدتها وزوجة أبيها.. معه سترزق بطفل أو اثنين لا أكثر.. تريد أن تربيهما جيدا وتعلمهما..
لم يرفع نظره إليها.. انشغل بكيس أسود يحمله... أشفقت عليه من ثقل الكيس.. ربما هو بائع متجول.. لا بأس، ستصبر معه إلى أن يرزقه الله بعمل أفضل... زوج خالتها كان مجرد مساعد بائع ثم اكترى الآن متجرا صغيرا في السوق وتحسنت أحوالهم مذ ذاك.
تقدم قليلا.. ثم توقف أمام حاوية القمامة، وضع الكيس الأسود، ورفع غطاء الحاوية.. رفع جسده وانحنى قليلا داخلها يبحث في مكنوناتها..
ترقرقت دمعة في عينيها، بينما أخرج علب كولا ووضعها في الكيس وعاد يبحث في الحاوية.. راقبته ينقل غنيمته إلى الكيس ثم وهو ينطلق مبتعدا..
رأته يختفي تماما من أفق نافذتها، تراجعت تمسح دموعها.. أفزعها الصوت الجهوري لوالدها:
ألم أمنعك من الوقوف هناك؟ سأغلق تلك النافذة.. ويارب تموتوا خنقا..
أكمل صراخه ووعيده بينما هربت لاجئة إلى الغرفة التي تتشاركها مع جدتها.. ارتمت في الحضن الكبير واستسلمت للبكاء..
أريد أن أشرب..
سحبها صوت أخيها الأصغر من تأملها، جلبت كأسا وملأتها.
ارفعيني لأنظر..
اذهب وشاهد التلفاز...
لكن الطفل يتشبث بثيابها.. يهددها بإخبار والدهما بوقوفها هناك.. تأتي بكرسي وترفعه فوقه.. ثم تتابع فرجتها.. تلك الجارة اشترت جلبابا جديدا، منذ "حرق" ابنها لأوروبا تحسنت أحوالها. يمل الصغير ويغادر منصة المشاهدة.. وتبقى هناك، تلتفت إلى الجهة الأخرى.. وتراه قادما.. هو ليس من الجيران. لم تره سابقا. أمعنت النظر إليه.. هو ليس متزوجا.. لا حاجة للبحث في يده عن خاتم، الفقراء لا يضعون خواتم الزواج.. شيء ما فيه أوحى لها بأنه عازب.. ربما تنسيقه لثيابه أو شعره المرتب.. لم تسعفها المسافة الفاصلة لترى وجهه بوضوح، لكنه بدا أكبر منها بسنتين أو ثلاث.. لقد اقتربت من الثلاثين، تزوجت شقيقتها الأصغر الصيف الماضي..
تزعجها نظرات الشفقة من الجارات في الحمام والكلام الجارح لزوجة أبيها..
لابد انه يعيل أمه وشقيقين.. لا مانع لها، ستقبل أن تخدمهم كما تفعل مع إخوتها وجدتها وزوجة أبيها.. معه سترزق بطفل أو اثنين لا أكثر.. تريد أن تربيهما جيدا وتعلمهما..
لم يرفع نظره إليها.. انشغل بكيس أسود يحمله... أشفقت عليه من ثقل الكيس.. ربما هو بائع متجول.. لا بأس، ستصبر معه إلى أن يرزقه الله بعمل أفضل... زوج خالتها كان مجرد مساعد بائع ثم اكترى الآن متجرا صغيرا في السوق وتحسنت أحوالهم مذ ذاك.
تقدم قليلا.. ثم توقف أمام حاوية القمامة، وضع الكيس الأسود، ورفع غطاء الحاوية.. رفع جسده وانحنى قليلا داخلها يبحث في مكنوناتها..
ترقرقت دمعة في عينيها، بينما أخرج علب كولا ووضعها في الكيس وعاد يبحث في الحاوية.. راقبته ينقل غنيمته إلى الكيس ثم وهو ينطلق مبتعدا..
رأته يختفي تماما من أفق نافذتها، تراجعت تمسح دموعها.. أفزعها الصوت الجهوري لوالدها:
ألم أمنعك من الوقوف هناك؟ سأغلق تلك النافذة.. ويارب تموتوا خنقا..
أكمل صراخه ووعيده بينما هربت لاجئة إلى الغرفة التي تتشاركها مع جدتها.. ارتمت في الحضن الكبير واستسلمت للبكاء..