اندفع إلى قلب الطريق مادا يده إمامه كالحاجز يحتويه معطف أسود ، ينسدل حتى أسفل ركبتيه ، كان ضخمة الجثة فرزدق في هيئة دب يريد أن يقتحم المدينة.
اضطررت أن أدوس على المكبح كي لا أصدمه ، اقترب برأسه من نافذة السيارة بينما كانت يده قد أمسكت بمقبض الباب وفتحته ، حي بأدب فيه غلظة طبيعية صباح الخير يا "الشيخ" خذنا معك إلى المدينة نحن مستعجلان، كان صاحبه دونه في ضخامة الجثة ، وفي الاندفاع ؛و دونه في الثقة بنفسه وعليه كان يتبعه ويأتمر بأوامره.
قلت له : اصعد.
صعد ، ومكن لنفسه بجانبي بحركة محورية فوق المقعد. وكان صاحبه قد اقتدى به في المقعد الخلفي ، وراح يسألني عن الصحة ، والأهل والأولاد ، وكأن بيننا معرفة قديمة مترسخة الجذور وتمتد في نشأتها إلى أجدادنا.
قلت : الحمد لله ، وأحوالكما أنتما كيف هي؟.
قال نحن متخاصمان ، ولهذا الغرض أردت الصعود معك ،سمعت أنك تصلح بين الناس ، وأنك ذو حكمة ولهذا السبب مر عشرات من أصحاب السيارات ، ولكنني اخترتك لأني أتوسم فيك الخير ، واطمع في أن تساعدني في إفهام هذا الجحش- ودار في جلسته إلى الخلف وهو يشير إلى صاحبه- حقيقة ومعنى ما أقوله له.
هممت أن أوقف السيارة وانزلهما، ولكن سكوت الرجل في المقعد الخلفي ورضاه بالوصف، وعدم إبدائه لأي رفض أو احتجاج جعلني أتريث.
واصل ذو المعطف الأسود كلامه: أرجوك يا "الشيخ" افهمه معي بأنني لا استطيع أن ارفع أجرته الشهرية لأن ذلك غير ممكن اللهم إلا إذا زاد وزنه.
ثم واصل ولكي تفهم :هذا سائق شاحنتي التي أوزع بها اللحم على المؤسسات المختلفة التي تربطني بها عقود ، كالمستشفيات ، والثكنات، والإقامات الجامعية وكل مكان يؤكل فيه اللحم...
وقد اتفقت معه منذ البداية- كما يفعل معظم زملائي مع سواق شاحناتهم - أن يتقاضى قيمة الدخل الذي يساوي وزنه دون زيادة أو نقصان.
اندفع صاحبه سائقه، بجثته إلى الأمام : ما زلت عند وعدي ، ولكن شرط أن تحسب عدد الوزنات ، ففي هذا الشهر تضاعف الطلب على اللحم وتضاعفت عدد الوزنات ، ورغم ذلك دفعت لي نفس الأجر.
قال تاجر اللحم : ولكن من يضمن لي أن يبقى الطلب على اللحم في نفس المستوى ، ماذا افعل معك إذا قل الطلب في الشهر المقبل وقل عدد الوزنات.
كنت لم أفهم بعد ما اسمع فلزمت الصمت.
قال التاجر : يا "الشيخ" أراك لا تريد مساعدتي على إفهام هذا ال... ما أقول.
قلت له : لأنني لم افهم بعد ما تقولان.
قال : أنا أبيع اللحم ، ونحن نزن الشاحنة كاملة ثم ننقص وزنها فارغة من إجمالي وزنها مشحونة باللحم فيبقى .وزن اللحم الصافي الذي يتوجب على المؤسسة المستلمة للبضاعة دفع قيمته ، وأثناء الوزن على السائق أن يعتلق بالشاحنة ويزن جثته مع ما وزن ويتقاضى ثمن وزنه.
قلت وهل تقبل المؤسسة ذلك؟
قال: وهل هناك من يستطيع منع شخص من بيع نفسه؟ وهل يحق له ذلك. ثم هل المشرف على الموت ، أو المسكون بالألم ، آو المهموم بالعلم يهمه ما يأكل؟ و واصل:هذه أمور يعرفها أهل المهنة، والجميع له نصيبه.
ولم أعرف إن كان هذا الرد خبثا أم غباء؟!!
وعلى كل حال ، فالضعيف، والغائب، لا يحتج وإن أراد فلن يستطيع. ..وعموما دعك من هذا ؛ وأظن انك أدركت الآن أنني إذا أنا رفعت في قيمة أجرته فهذا يعني أنني سأدفع له من جيبي، وفي هذه الحال فالأفيد لي إذا كان لابد أن افعل ذلك أن استبدله بسائق يزن تسعين أو مائة كيلوجرام .
قلت له وكم مرة تبيع سائقك هذا كل يوم ؟!
قال حسب الفصول، وحسب الميزانيات، والمدن الصغيرة تختلف عن الكبيرة...
قال السائق : إما أن ترفع الأجرة أو ابحث عن غيري ، أو افعل ما شئت ، فأنا لن اشتغل بثمن سبعين كيلوجراما ، حتى وإن اضطررت إلى التوقف عن العمل ، وزيادة على ذلك تخصم منها ثمن الوجبتين : الغداء ، والعشاء ، وتحرمني من ثمن حمام العفن.رغم أنني أدس في جيبي أحجارا يتعدى وزنها كيلوجرامين كلما سنحت الفرصة.
قال التاجر وقد استشاط غيضا وغضبا : أي عفن؟ ، وهل أنا أبيع العفن؟!، وهل تتصور أنهم يقبلون شراءك لو كنت عفنا ؟!، وكيف تغتسل ؟ ألا تخاف أن ينقص وزنك يا غبي؟! ،
وواصل: اسمع والشيخ شاهد على ما أقول يمكن أن ارفع أجرتك بشرط من ثلاثة : تزيد في وزنك أو تصبر إلى أن أكمل بناء الفيلا ، أو أن تتوقف إحدى زوجاتي الأربعة عن الإنجاب أما وانه لم يتحقق أي من هذه الشروط فبالحرام قسمي لن تري مني سنتيما واحدا زيادة .
وكنا قد وصلنا إلى المدينة، فنزلا وغابا في شوارعها؛ معطفين أسودين متتابعين تلعب الريح بجناحيهما يشقان الصفوف.
واصل ذو المعطف الأسود كلامه: أرجوك يا "الشيخ" افهمه معي بأنني لا استطيع أن ارفع أجرته الشهرية لأن ذلك غير ممكن اللهم إلا إذا زاد وزنه.
ثم واصل ولكي تفهم :هذا سائق شاحنتي التي أوزع بها اللحم على المؤسسات المختلفة التي تربطني بها عقود ، كالمستشفيات ، والثكنات، والإقامات الجامعية وكل مكان يؤكل فيه اللحم...
وقد اتفقت معه منذ البداية- كما يفعل معظم زملائي مع سواق شاحناتهم - أن يتقاضى قيمة الدخل الذي يساوي وزنه دون زيادة أو نقصان.
اندفع صاحبه سائقه، بجثته إلى الأمام : ما زلت عند وعدي ، ولكن شرط أن تحسب عدد الوزنات ، ففي هذا الشهر تضاعف الطلب على اللحم وتضاعفت عدد الوزنات ، ورغم ذلك دفعت لي نفس الأجر.
قال تاجر اللحم : ولكن من يضمن لي أن يبقى الطلب على اللحم في نفس المستوى ، ماذا افعل معك إذا قل الطلب في الشهر المقبل وقل عدد الوزنات.
كنت لم أفهم بعد ما اسمع فلزمت الصمت.
قال التاجر : يا "الشيخ" أراك لا تريد مساعدتي على إفهام هذا ال... ما أقول.
قلت له : لأنني لم افهم بعد ما تقولان.
قال : أنا أبيع اللحم ، ونحن نزن الشاحنة كاملة ثم ننقص وزنها فارغة من إجمالي وزنها مشحونة باللحم فيبقى .وزن اللحم الصافي الذي يتوجب على المؤسسة المستلمة للبضاعة دفع قيمته ، وأثناء الوزن على السائق أن يعتلق بالشاحنة ويزن جثته مع ما وزن ويتقاضى ثمن وزنه.
قلت وهل تقبل المؤسسة ذلك؟
قال: وهل هناك من يستطيع منع شخص من بيع نفسه؟ وهل يحق له ذلك. ثم هل المشرف على الموت ، أو المسكون بالألم ، آو المهموم بالعلم يهمه ما يأكل؟ و واصل:هذه أمور يعرفها أهل المهنة، والجميع له نصيبه.
ولم أعرف إن كان هذا الرد خبثا أم غباء؟!!
وعلى كل حال ، فالضعيف، والغائب، لا يحتج وإن أراد فلن يستطيع. ..وعموما دعك من هذا ؛ وأظن انك أدركت الآن أنني إذا أنا رفعت في قيمة أجرته فهذا يعني أنني سأدفع له من جيبي، وفي هذه الحال فالأفيد لي إذا كان لابد أن افعل ذلك أن استبدله بسائق يزن تسعين أو مائة كيلوجرام .
قلت له وكم مرة تبيع سائقك هذا كل يوم ؟!
قال حسب الفصول، وحسب الميزانيات، والمدن الصغيرة تختلف عن الكبيرة...
قال السائق : إما أن ترفع الأجرة أو ابحث عن غيري ، أو افعل ما شئت ، فأنا لن اشتغل بثمن سبعين كيلوجراما ، حتى وإن اضطررت إلى التوقف عن العمل ، وزيادة على ذلك تخصم منها ثمن الوجبتين : الغداء ، والعشاء ، وتحرمني من ثمن حمام العفن.رغم أنني أدس في جيبي أحجارا يتعدى وزنها كيلوجرامين كلما سنحت الفرصة.
قال التاجر وقد استشاط غيضا وغضبا : أي عفن؟ ، وهل أنا أبيع العفن؟!، وهل تتصور أنهم يقبلون شراءك لو كنت عفنا ؟!، وكيف تغتسل ؟ ألا تخاف أن ينقص وزنك يا غبي؟! ،
وواصل: اسمع والشيخ شاهد على ما أقول يمكن أن ارفع أجرتك بشرط من ثلاثة : تزيد في وزنك أو تصبر إلى أن أكمل بناء الفيلا ، أو أن تتوقف إحدى زوجاتي الأربعة عن الإنجاب أما وانه لم يتحقق أي من هذه الشروط فبالحرام قسمي لن تري مني سنتيما واحدا زيادة .
وكنا قد وصلنا إلى المدينة، فنزلا وغابا في شوارعها؛ معطفين أسودين متتابعين تلعب الريح بجناحيهما يشقان الصفوف.