غارقا في الأزرق رأيته يمشي الهوينا. خلت البحر ضاعف في مدّه فلملمت ثيابي خوف البلل , لكنّ الرّمل تحت قدميّ كان جافا وأصابعي أصابتها الدّهشة فبدت غير ثابتة تتحسّس مرّة وجهي وأخرى صدري وذراعيّ كأنّما أخشى أن ينفلت بعضي منّي ولا أعي. لم أستطع رصد الجهة التي انبثق منها ولا مكان يبدو في الفضاء غير المنارة والمنارة تلك بعيدة وماخلته يمشي فوق الماء, والكبائن الخشبيّة التي يتخذها المصطافون منتجعا كانت في الناحية الأخرى ولا شيء فوق مزقة الأرض التي أقف عليها غيري وغير الماء عند الشطّ فمن أين يكون خرج ؟ لم أكن مهيّأة لقبول أيّ مفاجأة ولا كان عقلي يرى أبعد من الصّفحة الزرقاء الداكنة والتي تضجّ حتما بملايين الأسماك والقواقع والطحالب وبقايا الهياكل البشريّة التي حنطها الملح,لكني في حياتي لم ألمح تنّينا أو عنقاء أو عريس بحر , حتى العرائس تلك ذات الأجسام الفضّية والوجوه المقمرة والتي تسكن قلاع المرجان كانت تنام داخل الكتب التي كنت اقرؤها وأنا طفلة ولم أرها يوما عند النّهر حيث تسكن خالتي جلّوزة ولا عند البحر مكان اصطيافنا ولا حتى في قصعة الماء الكبيرة التي كانت في السقيفة والتي كم كان يطيب فيها استحمامنا أيّام الحرّ, فمن أين يأتي الرجل إذن وإلى أين يمضي؟
فكرت لبرهة أنني أحشر نفسي في أشياء لا تعنيني وما شأني أنا بكل هذه الأسئلة وما دخلي أن يكون الرجل غارقا في الأزرق أو الأسود وأنا أتيت شاطئ الشبوط هذا مصطافة ورأسي أروم أن أغسلها بالملح عساها تكفّ عن إيلامي وبي حاجة أن أذوّ ب كلّ الهموم التي علقت بتجاويف دماغي فأحالت أيّامي زيرا بلا قاع وأقرفتني من رائحة الطّعام والدّعوى التي رفعها عليّ جاري من أجل النّافذة التي فتحتها بصفة غير قانونيّة ما أظنّها ستثار في هذا الموسم والمحاكم معطّلة والقضاة يشخرون في قيلولات لا عدالة فيها ولا ظلم والكراسي في المحاكم لا أراها الاّ شاغرة وأصوات المحكومين يتردّد صداها في الأروقة النّاعسة فكيف يطلع عليّ الرّجل هكذا في الصّباح الباكر ولا يتسنّى لي أن أحدّد من أيّ الأماكن انبثق حتى الماء كان ساكنا والمو ج يسري بطيئا تحت هبوب الهواء الفجريّ وانا أكون لمحته لوأنّه كان يستحمّ وخرج وكان يكون مبلّلا أويقطر الماء من شعره وأنفه ولكنّه كان جافّا كخشبة وغارقا في الأزرق والبحر على جانبه الأيمن وكل ّدهشتي على جانبه الأيسر والرّمل تحت قدميه مرتجف وأنا أكره أن تنزل عليّ الأوضاع هكذا دفعة واحدة وما بي من استعداد لأخمنّ أو أظنّ أو أحدس أو أحتار .
قلت أتبعه فأرى الى أين يمضي ثمّ عدلت واتهمت نفسي بالخرق فماذا يعني أن يمرّ رجل أزرق أو أحمر أو قزحيّ ذات صباح على شاطئ ؟ يكون ذلك شبيها ببيضة تفقس أوخوخة تنضج أو امرأة تلد أوشيخ يموت . فهل تقوم الدّّنيا لأن بيضة فقست أو خوخة نضجت أو ولدت امرأة أو مات شيخ ؟ وهل من المفروض أن اكون أنا رأيته كيف طلع ومن أين جاء ؟ وآلاف الأشياء تجري كلّ يوم فوق رأسي وتحت قدميّ وخلفي وامامي وأنا لا أعي منها شيئا ولا أبصر شيئا فلم لا
أدع الرّجل وزرقته فلعلّه هو الآخر كان مثلي هاربا من أكياس ينوء تحت وقرها أو من ذكرى زوجة أبيه, وامرأته هرّة ساذجة تقضّي كامل يومها وهي تصبغ أظافرها باللّون البرتقالي ولعلّه هو الآخر قد فتح نافذة على حديقة جاره المتقاعد فثارت ثائرته وشكاه الى الشرطة ثمّ الى المحكمة وها هو الآن يروّح عن نفسه ويغرق في هذه الزرقة التي ربّما يكون استعارها من البحر أو من السّماء وهو يسعى الى ان يستمدّ قوّته من الرّمل قبل أن يعود في آخر الصّيف ليجد زوجة أبيه قد استولت على كلّ شيء وهرّته ازدادت سذاجة ولكنّ مخالبها طالت ويجد أنّ الحاكم قد استدعاه ليطالبه بسدّ النافذة التي تشرف على حديقة جاره أو أن يلبس على الأقلّ نظّارة خاصّة ليمنع عينيه من التحديق الى زهوره الإستوائية ومن النّظر الى زوجته إن هي طلعت الى الحديقة لترتاح من سخرة العمل المنزلي ومن صراخ زوجها المتزايد ومن طلباته الغريبة كأن تطبخ على الفحم عوضا عن الغاز وأن لا تبالغ في وضع الملح في الطّعام لأن ذلك مضرّ بالصحّة وأن تنقطع كليّا عن تنظيف كتبه وتنظيف قطع الشطرنج لأنّها تحدث فيها اضطرابا وهو يلعب الشطرنج باستمرار مع نفسه ورقعته دائما في انتظار حلّ سحريّ تظل معهّ الملكة والملك على العرش مادامت التضحية بالوزير ممكنة والخيل والفيلة تلك مصيرها الى السرك خاصّة بعد حرب الخليج الثالثة والبيادق تلك تظلّ بيادق ولو نصّبوها ملوكا و ألبسوها التيجان .
فلماذا أنا أزيده ثقلا على ثقله ولماذا أكلّف نفسي متابعته والرّجل غارق في أزرقه ولم يصدر منه ما يزعجني فلا نظر اليّ ولاشاكسني ولا أحسّ بوجودي أصلا فلأعد الى الماء وأسبح ولأستعد صفتي الأخطبوطيّة وأراقص الفقاقيع وأطرد عن دماغي حشراته السّوداء القذرة قبل أن أعود الى بيتي ليطالعني جاري بأسنانه المعدنية وقميصه القصير الذي يكشف نصف بطنه وقبل أن يسمّمني بصراخه غير المؤدّب ودروسه في حقوق الإنسان وحقّ الجوار و الحرّيات الشخصيّة وأنا أحاول أن أقنعه بأنّ المسألة لا تستدعي استعمال كلّ هذه المصطلحات وأنّ النافذة التي فتحتها على ناحيته عالية جدّا ولا أحد عندي له كلّ هذه القامة ليطلّ عليه من خلالها ولا أنا نخلة حتى أسامق الجدار ولا هو يوسف حتى أراوده عن قلبه.لكنّ الرجل الأزرق يتوقّف فجأة ويمسح العرق من فوق جبينه ويتمدّد على بساط السعف الصغير المعدّ للغرض وأنا لم أكن لاحظت أيّ بساط على الشاطئ ولا أيّ شمسية ولا سلّة فيها ماء وشاي وحبات مانجا, خلت الأشياء مع هذا الرجل تتجلّى بمجرّد أن يفكّر فيها فشعرت بالغيرة وعزمت على الاقتراب منه بشكل يجعله يشعر بوجودي وحتى أسأله ان أتيحت لي الفرصة من اين تراه خرج؟ مددت منشفتي غير بعيد عن مكانه وتمدّدت والشمس طلعت بحرارة لاذعة وبعض المصطافين انتشروا هنا وهناك بعضهم يسبح وبعضهم يطلي جلده بالرّمل الحارق والصبية بسطولهم الملوّنة ومشيهم المتعثر يسرعون الى حافة الماء لتشييد القصور فوق الرمال . مدّ الرجل ساقيه وهو ينظر الى البحر ثم وضع قبعته فوق وجهه ونام , انا لم ألحظ أوّل الأمر على رأسه أيّ قبّعة ولا في يده , بدا لي وقتها يفكّر في جشع زوجة أبيه تلك التي استحوذت على المنزل الكبير وتركت له البيت القديم الرّطب غير عابئة بالرّبو الذي بدأ يقلقه أو هو يفكّر في هرّته الني تملأ البيت مواء وتمنعه من الهدوء لذلك ارتأى أن يفتح نافذة على حديقة جاره حتى يرى الأزهار وحتى يستأنس بالماء الجاري في السّاقية , لكنّ الرّجل سرعان ما نهض وترك البساط والقبّعة ومضى , خلته سيدخل الماء ليسبح لكنه حاذى الشاطئ ومشى بخطى سريعة كانما خاف من أفكاري التي تلاحقه , ترك القبّعة والبساط فليتركهما وما شأني أنا ؟ أاكون حريصة على متاعه أكثر منه ؟ وهل يحلم ان يكون له أتباع يحملون عنه المظلّة والحقيبة والقبّعة ويخلعون معطفه اذا دخل ويجذبون له الكرسي اذا جلس ويفتحون له باب السيارة اذا ركب ومن أدراني أن له سيارة ولا علامة تدلّ على ثرائه وهو غارق في أزرقه كالمحيط الأطلسيّ . جريت ألتقط القبّعة وأنفض البساط من الرّمل وأبرمه وركضت وراءه
يا ... أيّها الرّجل .... يا أيّها الأزرق ...
لكنّ صوتي تبدّد ولا يبدو أنه أثار اهتمامه, صوت الموج كان أقوى , واصل تقدّمه وأنا أحمل البساط تحت إبطي وأضع القبّعة على رأسي وألهث لكنه لم يلتفت, قرّرت أن أسبقه ثمّ أعترضه فتلك الوسيلة الوحيدة التي أضمن بها أن يشعر بوجودي جريت خطوات جعلتني أسبقه ببضعة أمتار ثمّ وقفت قبالته وشهرت القبّعة في وجهه وركزت البساط في الرّمل بحيث يكون بمثابة الحاجز الذي لا يملك معه الاّ أن يتوّقف لكنّ الرجل واصل تقدّمه.. كان كالنّائم أوالمسحور وعيناه غائمتان ووجهه راض تصوّرت أنه سيدويني كالرّجل الآلي دون أن يعي لكنّه مد ّيده ليأخذ القبّعة من يدي ثمّ رماها في اتجاه البحر ثمّ انحنى على البساط المبروم وسدّده في هيئة الرّمح وألحقه بالقبّعة شعرت بخوف شديد وخلت الرّجل يحتجّ على تدخّلي في شؤونه وليس مستبعدا أن يدفعني أويصفعني فقد ضاق ذرعا ولا شكّ بكلّ هذا الفضول الذي بدر منّي ولا شكّ أنّه حدس أفكاري حدسا وهاهو يؤدّبني بطريقة غير مباشرة لكنّ الرّجل لم يفعل شيئا ممّا تصوّرته ولم يكن معي فظّا بل أمسك بيدي وضغط عليها بقوّة ارتبكت وفي جسمي سرى تيّار ممغنط وتصوّرت نفسي وقد مسخت تمثالا جامدا تحطّ النوارس عليه إذا حلّ المساء, ظلّ الرجل يمسك يدي وما ملكت أن أسحبها خفت لو فعلت يحرقني أو يغرقني أو يشير الى كائنات خفيّة تسحبني الى قاع البحر وتسجنني في قمقم من الشعاب المرجانيّة فاستسلمت لذلك صاغرة منتظرة ماتراه فاعل بي لم تطل وقفتنا فقد رأيت الرّجل يتقدّم بي الى البحر . كنت صاغرة ولكن أبدا لم أكن أشعر بانزعاج كأنما هذا الذي كنت أريد ه , غمرنا الماء الى القدمين ثم الى الرّكبتين ثم الى النّصف ثم الى الرّقبة ورأيت الرجل فجأة يأخذ بيدي ثم يضع يده الأخرى تحت ظهري ويدعو جسمي الى الإسترخاء فوق الماء ورغم أنني لم أكن أحسن ذلك في الماضي الاّ أنّني استجبت بأريحية ورغم أنّ الماء غمرني أوّل الأمر وأترع فمي ومنخريّ الاّ أنني لم أنزعج ولم أضطرب ولم أصرخ كما كنت أفعل عادة مع أصدقائي إذا زرت البحر وأبصرت فجاة أقدام الرّجل تحت الماء فبدت لي كبيرة جدّا وتصوّرته للحظة عملاقا وقلت لماذا لا يتكلّم الرّجل ولماذا لا يسألني عن شيئ وقدّرت أنه اخرس ثم عدلت عن الأفكار المسبقة كفكرة أن زوجة أبيه قاسية وأن زوجته هرّة ساذجة وأنه فتح نافذة بصفة غير قانونية على حديقة جاره اما انا فقد فتحت حقيقة نافذة على حديقة جاري وتقدّم فعلا بشكوى ضدّي الى المحكمة لذلك أتيت الى شاطئ الشبوط هذا لأرتاح ولنني فوجئت بهذا الرجل الأزرق الذي يخرج من الفراغ وهاهو يسحبني الى أين؟ ولا أملك مع ذلك لأمره ردّا وأخذني الماء فوق أزرقه فارتحت وظلّلتني السماء هي الأخرى بأزرقها فخالطني جذل غريب وشربت البحر اوشربني والرجل يحاذيني ويسبح ولا يتكلّم والكلام بدا بلا فائدة فهل سنقول عن البحر انه بحر او عن السماء انّها سماء وما فائدة ذلك وماذا سنضيف ؟ وأنا شغلني البحر عن الرّجل تماما ولعلّ هذا ما أراده ولعلّه أراد أن يعلّمني أن البحر مجعول لكي نتعلم معه كيف يشربنا أو كيف نشربه لا أن نتساءل من أين خرج هذا الرّجل أو تلك المرأة فتلك أسئلة سخيفة للأن الوجود كلّه في نهاية المطاف دخول وخروج وكيف أعادني المدّ الى الشاطئ ولم أشعر وكيف اختفى الرجل كما ظهر دون أن أدرك ذلك ولعلّه مافعل ذلك الا ليختفي ولا أحسّ أنا باختفائه ولكنني الساعة لا أراني مهتمّة باختفائه فقد كنت مشغولة بهذا الأزرق الذي غمرني من رأسي حتى قدميّ.
قلت أتبعه فأرى الى أين يمضي ثمّ عدلت واتهمت نفسي بالخرق فماذا يعني أن يمرّ رجل أزرق أو أحمر أو قزحيّ ذات صباح على شاطئ ؟ يكون ذلك شبيها ببيضة تفقس أوخوخة تنضج أو امرأة تلد أوشيخ يموت . فهل تقوم الدّّنيا لأن بيضة فقست أو خوخة نضجت أو ولدت امرأة أو مات شيخ ؟ وهل من المفروض أن اكون أنا رأيته كيف طلع ومن أين جاء ؟ وآلاف الأشياء تجري كلّ يوم فوق رأسي وتحت قدميّ وخلفي وامامي وأنا لا أعي منها شيئا ولا أبصر شيئا فلم لا
أدع الرّجل وزرقته فلعلّه هو الآخر كان مثلي هاربا من أكياس ينوء تحت وقرها أو من ذكرى زوجة أبيه, وامرأته هرّة ساذجة تقضّي كامل يومها وهي تصبغ أظافرها باللّون البرتقالي ولعلّه هو الآخر قد فتح نافذة على حديقة جاره المتقاعد فثارت ثائرته وشكاه الى الشرطة ثمّ الى المحكمة وها هو الآن يروّح عن نفسه ويغرق في هذه الزرقة التي ربّما يكون استعارها من البحر أو من السّماء وهو يسعى الى ان يستمدّ قوّته من الرّمل قبل أن يعود في آخر الصّيف ليجد زوجة أبيه قد استولت على كلّ شيء وهرّته ازدادت سذاجة ولكنّ مخالبها طالت ويجد أنّ الحاكم قد استدعاه ليطالبه بسدّ النافذة التي تشرف على حديقة جاره أو أن يلبس على الأقلّ نظّارة خاصّة ليمنع عينيه من التحديق الى زهوره الإستوائية ومن النّظر الى زوجته إن هي طلعت الى الحديقة لترتاح من سخرة العمل المنزلي ومن صراخ زوجها المتزايد ومن طلباته الغريبة كأن تطبخ على الفحم عوضا عن الغاز وأن لا تبالغ في وضع الملح في الطّعام لأن ذلك مضرّ بالصحّة وأن تنقطع كليّا عن تنظيف كتبه وتنظيف قطع الشطرنج لأنّها تحدث فيها اضطرابا وهو يلعب الشطرنج باستمرار مع نفسه ورقعته دائما في انتظار حلّ سحريّ تظل معهّ الملكة والملك على العرش مادامت التضحية بالوزير ممكنة والخيل والفيلة تلك مصيرها الى السرك خاصّة بعد حرب الخليج الثالثة والبيادق تلك تظلّ بيادق ولو نصّبوها ملوكا و ألبسوها التيجان .
فلماذا أنا أزيده ثقلا على ثقله ولماذا أكلّف نفسي متابعته والرّجل غارق في أزرقه ولم يصدر منه ما يزعجني فلا نظر اليّ ولاشاكسني ولا أحسّ بوجودي أصلا فلأعد الى الماء وأسبح ولأستعد صفتي الأخطبوطيّة وأراقص الفقاقيع وأطرد عن دماغي حشراته السّوداء القذرة قبل أن أعود الى بيتي ليطالعني جاري بأسنانه المعدنية وقميصه القصير الذي يكشف نصف بطنه وقبل أن يسمّمني بصراخه غير المؤدّب ودروسه في حقوق الإنسان وحقّ الجوار و الحرّيات الشخصيّة وأنا أحاول أن أقنعه بأنّ المسألة لا تستدعي استعمال كلّ هذه المصطلحات وأنّ النافذة التي فتحتها على ناحيته عالية جدّا ولا أحد عندي له كلّ هذه القامة ليطلّ عليه من خلالها ولا أنا نخلة حتى أسامق الجدار ولا هو يوسف حتى أراوده عن قلبه.لكنّ الرجل الأزرق يتوقّف فجأة ويمسح العرق من فوق جبينه ويتمدّد على بساط السعف الصغير المعدّ للغرض وأنا لم أكن لاحظت أيّ بساط على الشاطئ ولا أيّ شمسية ولا سلّة فيها ماء وشاي وحبات مانجا, خلت الأشياء مع هذا الرجل تتجلّى بمجرّد أن يفكّر فيها فشعرت بالغيرة وعزمت على الاقتراب منه بشكل يجعله يشعر بوجودي وحتى أسأله ان أتيحت لي الفرصة من اين تراه خرج؟ مددت منشفتي غير بعيد عن مكانه وتمدّدت والشمس طلعت بحرارة لاذعة وبعض المصطافين انتشروا هنا وهناك بعضهم يسبح وبعضهم يطلي جلده بالرّمل الحارق والصبية بسطولهم الملوّنة ومشيهم المتعثر يسرعون الى حافة الماء لتشييد القصور فوق الرمال . مدّ الرجل ساقيه وهو ينظر الى البحر ثم وضع قبعته فوق وجهه ونام , انا لم ألحظ أوّل الأمر على رأسه أيّ قبّعة ولا في يده , بدا لي وقتها يفكّر في جشع زوجة أبيه تلك التي استحوذت على المنزل الكبير وتركت له البيت القديم الرّطب غير عابئة بالرّبو الذي بدأ يقلقه أو هو يفكّر في هرّته الني تملأ البيت مواء وتمنعه من الهدوء لذلك ارتأى أن يفتح نافذة على حديقة جاره حتى يرى الأزهار وحتى يستأنس بالماء الجاري في السّاقية , لكنّ الرّجل سرعان ما نهض وترك البساط والقبّعة ومضى , خلته سيدخل الماء ليسبح لكنه حاذى الشاطئ ومشى بخطى سريعة كانما خاف من أفكاري التي تلاحقه , ترك القبّعة والبساط فليتركهما وما شأني أنا ؟ أاكون حريصة على متاعه أكثر منه ؟ وهل يحلم ان يكون له أتباع يحملون عنه المظلّة والحقيبة والقبّعة ويخلعون معطفه اذا دخل ويجذبون له الكرسي اذا جلس ويفتحون له باب السيارة اذا ركب ومن أدراني أن له سيارة ولا علامة تدلّ على ثرائه وهو غارق في أزرقه كالمحيط الأطلسيّ . جريت ألتقط القبّعة وأنفض البساط من الرّمل وأبرمه وركضت وراءه
يا ... أيّها الرّجل .... يا أيّها الأزرق ...
لكنّ صوتي تبدّد ولا يبدو أنه أثار اهتمامه, صوت الموج كان أقوى , واصل تقدّمه وأنا أحمل البساط تحت إبطي وأضع القبّعة على رأسي وألهث لكنه لم يلتفت, قرّرت أن أسبقه ثمّ أعترضه فتلك الوسيلة الوحيدة التي أضمن بها أن يشعر بوجودي جريت خطوات جعلتني أسبقه ببضعة أمتار ثمّ وقفت قبالته وشهرت القبّعة في وجهه وركزت البساط في الرّمل بحيث يكون بمثابة الحاجز الذي لا يملك معه الاّ أن يتوّقف لكنّ الرجل واصل تقدّمه.. كان كالنّائم أوالمسحور وعيناه غائمتان ووجهه راض تصوّرت أنه سيدويني كالرّجل الآلي دون أن يعي لكنّه مد ّيده ليأخذ القبّعة من يدي ثمّ رماها في اتجاه البحر ثمّ انحنى على البساط المبروم وسدّده في هيئة الرّمح وألحقه بالقبّعة شعرت بخوف شديد وخلت الرّجل يحتجّ على تدخّلي في شؤونه وليس مستبعدا أن يدفعني أويصفعني فقد ضاق ذرعا ولا شكّ بكلّ هذا الفضول الذي بدر منّي ولا شكّ أنّه حدس أفكاري حدسا وهاهو يؤدّبني بطريقة غير مباشرة لكنّ الرّجل لم يفعل شيئا ممّا تصوّرته ولم يكن معي فظّا بل أمسك بيدي وضغط عليها بقوّة ارتبكت وفي جسمي سرى تيّار ممغنط وتصوّرت نفسي وقد مسخت تمثالا جامدا تحطّ النوارس عليه إذا حلّ المساء, ظلّ الرجل يمسك يدي وما ملكت أن أسحبها خفت لو فعلت يحرقني أو يغرقني أو يشير الى كائنات خفيّة تسحبني الى قاع البحر وتسجنني في قمقم من الشعاب المرجانيّة فاستسلمت لذلك صاغرة منتظرة ماتراه فاعل بي لم تطل وقفتنا فقد رأيت الرّجل يتقدّم بي الى البحر . كنت صاغرة ولكن أبدا لم أكن أشعر بانزعاج كأنما هذا الذي كنت أريد ه , غمرنا الماء الى القدمين ثم الى الرّكبتين ثم الى النّصف ثم الى الرّقبة ورأيت الرجل فجأة يأخذ بيدي ثم يضع يده الأخرى تحت ظهري ويدعو جسمي الى الإسترخاء فوق الماء ورغم أنني لم أكن أحسن ذلك في الماضي الاّ أنّني استجبت بأريحية ورغم أنّ الماء غمرني أوّل الأمر وأترع فمي ومنخريّ الاّ أنني لم أنزعج ولم أضطرب ولم أصرخ كما كنت أفعل عادة مع أصدقائي إذا زرت البحر وأبصرت فجاة أقدام الرّجل تحت الماء فبدت لي كبيرة جدّا وتصوّرته للحظة عملاقا وقلت لماذا لا يتكلّم الرّجل ولماذا لا يسألني عن شيئ وقدّرت أنه اخرس ثم عدلت عن الأفكار المسبقة كفكرة أن زوجة أبيه قاسية وأن زوجته هرّة ساذجة وأنه فتح نافذة بصفة غير قانونية على حديقة جاره اما انا فقد فتحت حقيقة نافذة على حديقة جاري وتقدّم فعلا بشكوى ضدّي الى المحكمة لذلك أتيت الى شاطئ الشبوط هذا لأرتاح ولنني فوجئت بهذا الرجل الأزرق الذي يخرج من الفراغ وهاهو يسحبني الى أين؟ ولا أملك مع ذلك لأمره ردّا وأخذني الماء فوق أزرقه فارتحت وظلّلتني السماء هي الأخرى بأزرقها فخالطني جذل غريب وشربت البحر اوشربني والرجل يحاذيني ويسبح ولا يتكلّم والكلام بدا بلا فائدة فهل سنقول عن البحر انه بحر او عن السماء انّها سماء وما فائدة ذلك وماذا سنضيف ؟ وأنا شغلني البحر عن الرّجل تماما ولعلّ هذا ما أراده ولعلّه أراد أن يعلّمني أن البحر مجعول لكي نتعلم معه كيف يشربنا أو كيف نشربه لا أن نتساءل من أين خرج هذا الرّجل أو تلك المرأة فتلك أسئلة سخيفة للأن الوجود كلّه في نهاية المطاف دخول وخروج وكيف أعادني المدّ الى الشاطئ ولم أشعر وكيف اختفى الرجل كما ظهر دون أن أدرك ذلك ولعلّه مافعل ذلك الا ليختفي ولا أحسّ أنا باختفائه ولكنني الساعة لا أراني مهتمّة باختفائه فقد كنت مشغولة بهذا الأزرق الذي غمرني من رأسي حتى قدميّ.