" ارحل، ارحل ما دمت قد رضيت بهجري
وهذي جبال الريف من حولي؛ فلمن تتركني ".
( أغنية ريفية ) .
جاء الليل سريعا، وجاء معه هدير البحر من بعيد .هدأ الخلق وأوت الكائنات إلى أوكارها. أنا مضطجع في الحجرة المستطيلة ، في بيتنا الطيني ، متكوم في غطاء صوفي خشن . أراقب ظلالا واهنة على الجدران ؛ تمتد وتقصر . أحذر أن أغفو فأحرم فاكهة هذا الليل. أذناي على الحائط أتلهف أن أسمع وقع خطواتها من خلف البيت . فقط يأتيني صوت أمي تستنشق وتستنثر . تدفع الباب وتدخل وهي ترتجف . تهرول نحو المجمرة في أقصى الحجرة . تفتح فخذيها للاستدفاء ولسانها لا يكف عن التهليل والاستغفار . الريح ما زالت تموء، وأنين يمرق ، من حين لآخر، من شقوق الباب والنافذتين الضيقتين .
- لماذا لم تأت ؟ ما الذي أخرها ؟
ولأنني خفت أن تركن أمي إلى فراشها بمجرد أن تتم الصلاة؛ فإنني توسلت إليها أن تغني لي أغنية. كنت أسمعها، عندما تكون رائقة البال، تصدح بموال "على بلدي المحبوب" ، فكنت أنشرح ، ويشيع الدف ء في أوصالي . من أين لها بهذه الأغنية ؟ لم أسمعها، يوما،تغني بالريفية . أدركت ، فيما بعد، أن أمي مأخوذة بالحنين . كانت قد عاشت فترة من مراهقتها في تطوان مع أسرتها التي رحلت إليها في عام الجوع . وعندما تزوجت أبي جاء بها إلى هنا؛ إلى الخلاء والقفار. هل هذا هو سبب تلك الغلالة من الحزن المقيم التي تكسو عينيها ؟.
انشغلت عني بجدل ضفيرتيها، وأيقنت من سهوم وجهها أن توسلي ضاع .
- ويا أمي، إني، اليوم، لا أريد منك غناء ولا رقصا. أريدك، فقط، أن تظلي مستيقظة. وهي ماذا تنتظر؟ حتما ستأتي . هي وحيدة، وليس لها أولاد، ثم إن الليل طويل.
تستقبلها أمي بترحاب وأتظاهر أنا بالنوم . أواري رأسي تحت اللحاف، وأنكمش وأزداد تكوما.أكمن . أخرج رأسي من مكمني محاذرا فأجدها، وقد كشفت شعرها، امرأة أخرى؛ كأنني لا أعرفها. أتأملها فإذا هي صبية قد لا تكون تكبرني إلا بأعوام قليلة. أستعجل أن تستأنفا كلام الأمس؛ كلام الفتنة والشهوة.
( كانتا قد اطمأنتا إلى أن الصغير من حولهما نائم ؛ ولم تعلما أنه قد صحا على بقية من كلمات واقفة على شفا بئر الرغبة والحرمان:
- كل ليلة .. لا يفلتني ..مريضة كنت أو صحيحة..يقول انه يريد أن يعوض شهور السنة..
صمتت أمي قليلا ثم قالت :
- يقولون ذلك ، ولكن من يدري ماذا يفعلون هناك ؟ ليس بعيدا أن كل واحد منهم متزوج بنصرانية شقراء، ونحن هنا في الخلاء والقفار تغني حولنا البومة القرعاء .
- ترى هل يصبرون كما نصبر نحن ؟
غمرني مزيج مركب من الأحاسيس. رغبة ورهبة. توزعت بين المرأة والأم . صار صدري يعلو وينخفض . .).
أرنو إلى وجهيهما يلمعان تحت نور فانوس باهت . ظلالهما يصعدان ويهبطان. أنتظر أن تتركا الثرثرة وتمرا إلى الكلام المفيد. لا فائدة. يبدو أن لا رغبة لهما في استئناف حديث الأمس.
* قاص من المغرب ( تطوان ).
انشغلت عني بجدل ضفيرتيها، وأيقنت من سهوم وجهها أن توسلي ضاع .
- ويا أمي، إني، اليوم، لا أريد منك غناء ولا رقصا. أريدك، فقط، أن تظلي مستيقظة. وهي ماذا تنتظر؟ حتما ستأتي . هي وحيدة، وليس لها أولاد، ثم إن الليل طويل.
تستقبلها أمي بترحاب وأتظاهر أنا بالنوم . أواري رأسي تحت اللحاف، وأنكمش وأزداد تكوما.أكمن . أخرج رأسي من مكمني محاذرا فأجدها، وقد كشفت شعرها، امرأة أخرى؛ كأنني لا أعرفها. أتأملها فإذا هي صبية قد لا تكون تكبرني إلا بأعوام قليلة. أستعجل أن تستأنفا كلام الأمس؛ كلام الفتنة والشهوة.
( كانتا قد اطمأنتا إلى أن الصغير من حولهما نائم ؛ ولم تعلما أنه قد صحا على بقية من كلمات واقفة على شفا بئر الرغبة والحرمان:
- كل ليلة .. لا يفلتني ..مريضة كنت أو صحيحة..يقول انه يريد أن يعوض شهور السنة..
صمتت أمي قليلا ثم قالت :
- يقولون ذلك ، ولكن من يدري ماذا يفعلون هناك ؟ ليس بعيدا أن كل واحد منهم متزوج بنصرانية شقراء، ونحن هنا في الخلاء والقفار تغني حولنا البومة القرعاء .
- ترى هل يصبرون كما نصبر نحن ؟
غمرني مزيج مركب من الأحاسيس. رغبة ورهبة. توزعت بين المرأة والأم . صار صدري يعلو وينخفض . .).
أرنو إلى وجهيهما يلمعان تحت نور فانوس باهت . ظلالهما يصعدان ويهبطان. أنتظر أن تتركا الثرثرة وتمرا إلى الكلام المفيد. لا فائدة. يبدو أن لا رغبة لهما في استئناف حديث الأمس.
* قاص من المغرب ( تطوان ).