انت شامخة، فارعة الطول، عريضة الهيئة، جميلة تتمايل مع كل نسمة ريح راقصة وحالمة تقبل أشعة الشمس كل صباح. تعطي الحنان وتحضن كل محروم كأم تحضن طفلها فظلها يسع كل شيء إنسان ونبات و حيوان، لونها البهي لون الفردوس يكسوها في فصل الربيع ولون الشمس يكسوها في فصل الخريف، كريمة سخية، تطعم الكل بحنان وحنو مختلف.
تتوسط الحديقة كعروس في ليلة زفافها تتحدى الزمان والمكان، و تقول أبدا لن أموت ولن أذبل، أنا دوما أبدية عشت وعايشت و تألمت وفرحت، لن يهزني البرد ولا الحر أنا صامدة صمود الجبال و شموخها باقية أبدية سرمدية.
كانت تستقبل الضيوف ببهاء ورونق كشجرة نابتة جذعها في الأرض وغصنها في السماء تبهج الطفل والشاب والشيخ فالطفل يلهو والشاب يحلم والشيخ يرتاح. آه ما أجملك يا شجرة الجوز ما أحنك و ما أكرمك ، ما أعظمك و ما أطولك ، علقت فيك آمالي و تخيلت فيك أحلامي كم تسلقت أغصانك و علوت ثم علوت حتى قمتكن و تأملت الوجود من فوقك فسبحت في دنياك . تشابك و تعانق التفاف و اختراق التحام وافتراق، آه منك ومن دنياك.
كنت شاهدة على زارعك، شاهدة على ميلادك وعن فنائك، حملت أسراره و أسراري من بعده، لم تشتكي أبدا من شيء تحضنين الألم و الحب، الحزن والسرور، كنت أجد فيك ملاذي و أنيسي و ملهمتي بل أني يوما سمعت صوتا يناديني و أنا بين أغصانك لعلك أنت التي ناديتني فرحة بي باحتضاني فقد كان الوقت غروبا و خطرت لي فكرة تسلقك ربما لأهرب من بقايا يوم عنيف و أتنفس بين أغصانك نسمة خفيفة توارت هي الأخرى من لهيب يوم صيف حار.
كنت شامخة هادئة قوية و حنونة كريمة ومعطاء، بثمارك تغذين و بأوراقك تزينين وتلثمين ثغور الصبايا الضاحكة للحياة. لم تعلمي يوما أنك ستقتلعين و تصبح أغصانك المتشابكة دوما متناثرة مكسرة و ثمارك متلفة و أبدا لن تحضني ولن تطمحي ولن تظللي.
كان يوما ليس كباقي الأيام، يوم بكت فيه الأطيار التي طالما سكنت بأعشاشها فوق أغصانك والتي طالما غردت فرحة بقدوم الربيع. كان يوما أسودا كيوم سقوط غرناطة والقدس والعراق لم يرحمك فيه " سي الحياني" الذي أجهز عليك بمنشاره و فأسه، وقسمك إلى أجزاء متساوية و حملك على عربة لتصبحين حطبا للفرن و سواكا لنساء الدوار، لم يرحم أناتك و صراخي المكبوت بين أضلعي ، لم يرحم آهات زارعك الذي باعك مقابل رغيف . لا زلت أتذكر مائتين وخمسون درهما كان هو ثمن حياتك وذكرياتي، لم تتركي إلا فراغا في الأرض و في السماء .
أتعلمين لقد أقسم الربيع أن لا ينبت في مكانك ليبقى شاهدا على شجرة الجوز الشامخة المعطاء التي اغتالها الفقر . فقد صدق من قال كاد الفقر أن يكون كفرا و أنا أقول أن الفقر سجنا قضبانه سميكة و أسواره عالية لن يخرج منه إلا القادر القوي.
كان يوما ليس كباقي الأيام، يوم بكت فيه الأطيار التي طالما سكنت بأعشاشها فوق أغصانك والتي طالما غردت فرحة بقدوم الربيع. كان يوما أسودا كيوم سقوط غرناطة والقدس والعراق لم يرحمك فيه " سي الحياني" الذي أجهز عليك بمنشاره و فأسه، وقسمك إلى أجزاء متساوية و حملك على عربة لتصبحين حطبا للفرن و سواكا لنساء الدوار، لم يرحم أناتك و صراخي المكبوت بين أضلعي ، لم يرحم آهات زارعك الذي باعك مقابل رغيف . لا زلت أتذكر مائتين وخمسون درهما كان هو ثمن حياتك وذكرياتي، لم تتركي إلا فراغا في الأرض و في السماء .
أتعلمين لقد أقسم الربيع أن لا ينبت في مكانك ليبقى شاهدا على شجرة الجوز الشامخة المعطاء التي اغتالها الفقر . فقد صدق من قال كاد الفقر أن يكون كفرا و أنا أقول أن الفقر سجنا قضبانه سميكة و أسواره عالية لن يخرج منه إلا القادر القوي.
قصة صغيرة من مجموعتها القصصية" يوميات طفلة"