سئم أحد الأنهار مجراه في الحقول والقرى، ورغب في مغادرته والوصول إلى مدينة ليست بالبعيدة والتسكع في شوارع سمع الكثير عن مبانيها الشاهقة المتفوقة على الجبال، ولكنه كان كسولاً، فبقيت رغبته مجرد حلم في الليل وأمنية في النهار، وتنبّه يوماً لأطفال يلعبون على ضفته ضاحكين مطلقين الصيحات المرحة، وراقبهم بفضول، وتاق إلى مشاركتهم في اللعب، ووجد نفسه يتخلى عن كسله ويهجر مجراه مندفعاً نحو الأطفال محاولاً اللعب معهم، فبوغت بالأطفال يصرخون فزعين، ولاذ بعضهم بالهرب مبتعداً عنه بأقصى سرعة، وطفا بعضهم الآخر على سطحه جثثاً هامدة خنقها ماؤه ولم تعد قادرة على اللعب بمرح، فاستغرب النهر ما حدث، وفقد رغبته في اللعب، وانسحب من الضفة عائداً إلى مجراه مقسماً ألا يغادره.
وهرع رجال إلى النهر، وانتشلوا من مياهه الأطفال الغرقى مدّعين أنه قاتل، فاكتأب النهر، وأقسم أنه بريء، ولكن الرجال لم يسمعوا سوى خرير يقوى ويضعف ويعلو وينخفض.
أما الأطفال الناجون، فقد عادوا إلى قريتهم القريبة من شاطئ البحر فرحين بهربهم من هلاك محتوم، وكانوا أطفالاً صفر الوجوه ذوي أجسام هزيلة مغطاة بثياب مهترئة، لا يعرفون الإحساس بالشبع، ولا يذهبون إلى المدرسة كل صباح، وقد سمعوا صوتاً مجهول المصدر يناديهم ويحضهم على الانتحار، ولم يسمع الكبار غير صوت مذيع يصف بحماسة وقائع مباراة في كرة القدم.
وأنصت الأطفال بخشوع للصوت الغامض، ووجدوا أنفسهم يهرولون نحو البحر، ويلقون أجسادهم في مياهه مستسلمين لها، ولا يحاولون السباحة أو الاستغاثة.
وبعد أيام قليلة، قذفت أمواج البحر إلى الشاطئ جثث الأطفال، وكانت وجوههم زرقاً ضاحكة يغمرها الاطمئنان والغبطة، فعمّ العويل القرية التي باتت بغير أطفال، ولكنه لم يمنع رجالها من حراثة الأرض وزرع البذور وانتظار مقدم أمطار الشتاء وشموس الربيع والصيف، ولكن الأرض فاجأتهم في الربيع بأنها لم تنبت أية نبتة، وقصف رعد في غير أوانه، فتشققت الأرض، وانبثق من جوفها أطفال غاضبون، متجهمو الوجوه، مدججون بالأسلحة المتنوعة، نفضوا ما علق بأجسادهم من تراب، واستولوا على ما يغطي عريهم، وساروا في دروب ترابية تتلاصق على جانبيها بيوت طينية واطئة أثارت استنكارهم واشمئزازهم، فطردوا سكانها منها، وأحرقوها، وتوقفوا قبالة مسجد ذي مئذنة عالية، وطردوا منه المصلّين المتظاهرين بالتقوى والصلاح، وطلبوا إلى شيخ المسجد أن يصعد المئذنة ويؤذن، فاعترض قائلاً إن صلاة الظهر لم يحن وقتها، فأمروه بأن يؤذن الأذان تلو الأذان بغير توقف، فأذعن الشيخ لأمرهم بينما تابعوا مسيرهم يرافقهم الأذان المنطلق من مكبرات الصوت، وفتشوا كل من صادفهم من المارة، وأحرقوا كل ما عثروا عليه في جيوب المارة من نقود قليلة غير مبالين بتوسلاتهم، فحاول رجال الشرطة اعتقالهم، فأخفقوا واحترقوا أحياء، واحترق مخفرهم، وتابع الأطفال مسيرهم حتى وصلوا إلى أحد القصور، فصاح بهم حرَّاسه الأشداء بأصوات غليظة زاجرة: "اللعب هنا ممنوع، العبوا في مكان آخر".
فانقض الأطفال على الحراس تواً كأنهم سقف انهار بغتة، وتناثرت جثث الحراس على إسفلت الطرقات المحيطة بالقصر، مبتلة بدمائها، ممزقة، ولم يبق أمام الأطفال ما يمنع دخولهم القصر، فاقتحموه صامتين، ووجدوا مالكه جالساً إلى مائدة الطعام يحكي ويضحك ويتناول طعام الغداء مع زوجته وطفلته الرضيعة، ولم يسمحوا للزوجة بأن تغسل أسنانها بعد الطعام، وماتت الزوجة والطفلة خنقاً ودهساً تحت الأقدام الصغيرة، ودفن مالك القصر حياً تحت أغصان شجرة فاكهة، وأحرق الأطفال قصره، وانطلقوا نحو قصور أخرى.
وبعد أيام قليلة، قذفت أمواج البحر إلى الشاطئ جثث الأطفال، وكانت وجوههم زرقاً ضاحكة يغمرها الاطمئنان والغبطة، فعمّ العويل القرية التي باتت بغير أطفال، ولكنه لم يمنع رجالها من حراثة الأرض وزرع البذور وانتظار مقدم أمطار الشتاء وشموس الربيع والصيف، ولكن الأرض فاجأتهم في الربيع بأنها لم تنبت أية نبتة، وقصف رعد في غير أوانه، فتشققت الأرض، وانبثق من جوفها أطفال غاضبون، متجهمو الوجوه، مدججون بالأسلحة المتنوعة، نفضوا ما علق بأجسادهم من تراب، واستولوا على ما يغطي عريهم، وساروا في دروب ترابية تتلاصق على جانبيها بيوت طينية واطئة أثارت استنكارهم واشمئزازهم، فطردوا سكانها منها، وأحرقوها، وتوقفوا قبالة مسجد ذي مئذنة عالية، وطردوا منه المصلّين المتظاهرين بالتقوى والصلاح، وطلبوا إلى شيخ المسجد أن يصعد المئذنة ويؤذن، فاعترض قائلاً إن صلاة الظهر لم يحن وقتها، فأمروه بأن يؤذن الأذان تلو الأذان بغير توقف، فأذعن الشيخ لأمرهم بينما تابعوا مسيرهم يرافقهم الأذان المنطلق من مكبرات الصوت، وفتشوا كل من صادفهم من المارة، وأحرقوا كل ما عثروا عليه في جيوب المارة من نقود قليلة غير مبالين بتوسلاتهم، فحاول رجال الشرطة اعتقالهم، فأخفقوا واحترقوا أحياء، واحترق مخفرهم، وتابع الأطفال مسيرهم حتى وصلوا إلى أحد القصور، فصاح بهم حرَّاسه الأشداء بأصوات غليظة زاجرة: "اللعب هنا ممنوع، العبوا في مكان آخر".
فانقض الأطفال على الحراس تواً كأنهم سقف انهار بغتة، وتناثرت جثث الحراس على إسفلت الطرقات المحيطة بالقصر، مبتلة بدمائها، ممزقة، ولم يبق أمام الأطفال ما يمنع دخولهم القصر، فاقتحموه صامتين، ووجدوا مالكه جالساً إلى مائدة الطعام يحكي ويضحك ويتناول طعام الغداء مع زوجته وطفلته الرضيعة، ولم يسمحوا للزوجة بأن تغسل أسنانها بعد الطعام، وماتت الزوجة والطفلة خنقاً ودهساً تحت الأقدام الصغيرة، ودفن مالك القصر حياً تحت أغصان شجرة فاكهة، وأحرق الأطفال قصره، وانطلقوا نحو قصور أخرى.