حين يشرعون في التوافد على مقهاهم ، يكون الشرقاوي / النادل أكمل بالكاد تصفيف الطاولات و الكراسي بالداخل و بعضا منها على شكل سطر مستقيم على الرصيف الضيق ، هم مجموعة من المستخدمين البسطاء للغاية و الموظفين من أدنى المراتب أو الاسميين على الأصح ، وبعض المتوسطين الزائفين إلى جانب مجموعة من المتقاعدين من مهام بسيطة ، و كذلك بعض العاطلين و الحرفيين شبه المشتغلين . كلهم باتوا مشهورين بالمقهى منذ زمان و اشتهرت هي بهم . يسابق كل منهم الزمن كل صباح و كل مساء كيلا يسبقه أحد لزاويته المنذورة له ، بل لكرسيه نفسه ، و لا يستطيع من اصطدم عند قدومه بغريب منشور بزاويته إخفاء تقاطيع وجوم و حزن عميقين من على وجهه ، تحسبه خسر خسرانا فادحا ، وتجده فرحا و نشيطا كطفل و قد غادر الغريب المكان و استعاد هو زاويته دون أن يخفي طقوس الجلوس لأول مرة . كل منهم يتخلص من البيت أو الأولاد أو الزوجة العاملة أو منهم كلهم بسرعة جنونية و ينقذف إلى مقهاه . و من يكون مجبرا على العمل صباحا تجده كالذي يساق إلى الجحيم ، فهو لا يخلف الوعد مع زاويته و كرسيه و لا يغادره إلا في آخر لحظة و في عينيه علامات غبن فادح لعدم إتمام الجلسة إلى آخر رمق و هو ساعة الغذاء أو العشاء الملزمة .و عموما فعلاقاتهم كلهم بعملهم هي علاقات كراهية و حقد لامحدودين ، يعبرون عنها في كل مناسبة و بدون مناسبة ، هي علاقة غريبة فعلا و لكنهم كلهم يتآمرون على استساغتها و تبريرها رغم شذوذها.
هم لا يجلسون فرادى أو بالمثنى أبدا ، ومن فعل ، تحوم حوله الشكوك و الشبهات ، إما بكونه في ورطة مالية أو معضلة أسرية أو أصابه مرض خطير أو مسه الجن ! ، بل يتوزعون في شكل مجموعات ، بكل منها أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة أو...، و ما دامت طاولات مقهاهم صغيرة، تجدهم شبه ملتصقين بعضهم ببعض، و يصبح الالتصاق فاحشا كلما ولت ساعات الصباح الأولى و التحق المتأخرون بمجموعاتهم. أما الشرقاوي ، فما أن يستوي الواحد منهم على كرسيه حتى يهرع إلى مده بكأس قهوة و كوب ماء دون أن يستفسره عن طلبه في الغالب ، فهو يعرف منذ زمان طقوس كل واحد منهم ، و عموما فهم لا يطلبون سوى القهوة ، و ناذرا جدا الشاي.
الجالس الأول من كل مجموعة في الزاوية المرهونة له تحسبه من فرط تشوقه إلى رفقاء الجلسة و كأنه ينتظر أمرا عظيما أو بشرى هائلة أو حبيبا مفقودا عائدا ، و ما أن يصل أحدهم حتى يسارع الاثنان إلى إزاحة رأسيهما من على جسديهما و يضعانهما جانبا أينما اتفق ، ثم يبدأ الكلام . ليس فعلهما هذا من الغرابة في شيء ، فمقهاهم اشتهرت منذ أمد طويل بكون زبنائها غالبا ما يتخلصون من رؤوسهم عند ولوجها ، وتعود الشرقاوي على جمعها في زاوية ما بانتظار ساعة مغادرتهم ليعيدوا الرؤوس فوق الأجساد ، بل تعود أيضا على أن ينسى البعض منهم رأسه ، و يحتفظ بها إلى حين تبين جسد بدون رأس .أما الكلام الذي يبدأ بين الجالسين الأولين ، فهو أي كلام ممكن ، حول طقس اليوم الجاري أو الحرب في مجرة أخرى ، أو الطب و أسراره ، و الفلك و إعجازه ، و البطاطس و طرق إعداد وجبات مفيدة منها ! ، و العدس و فوائده الجمة ، و صحافي جديد غير كل الجديدين السابقين و فتوحاته ! ، و الوزراء و أملاكهم الفلكية ، و التوابل و البلدان المنتجة لها ، و لعبة الكرة و أبطالها و الأسماء الدقيقة لفرقها و مدربيها على المستوى الكوني ، و كل لاعب و أصله و طوله و وزنه و لون عينيه و شعره و طريقة تسديده و تاريخ انتقاله الأول و الثاني و المنتظر ! ...، ثم عيوب و مشاكل و أسرار أفراد المجموعة الذين لم يصلوا بعد، و هو كله مجرد كلام لا صلة له بوقائع، أو على الأقل لا يتم الاهتمام أبدا بمدى صلته بوقائع لأنه هو المقصود في ذاته، إنتاجا و استهلاكا. و كلما توافد المتأخرون و تكاملت دائرة كل مجموعة، يزداد اشتعال الكلام و يتسابق الكل من أجله، يفصل الأول في فوائد البطاطس ! كخبير من معهد تغذية عند قوم أهلكتهم المجاعة ، و يجاريه الثاني بحجج دامغة ! ينسبها لعراف أو ساحر، و يقسم الثالث بالغليظ على تجربته للفوائد، و يصرخ الرابع، و يقاطعه الخامس بالتنبيه إلى معجزة لاعب ما في مباراة ما ، و يتغير الموضوع بسلاسة منقطعة النظير وينخرط الكل في فك رموز الموضوع الجديد . و في العديد من المرات ، و غالبا خلال أوقات حرجة يكون اليأس استبد بالكل ، وتضخم الإحساس بالإحباط ، يدور الكلام عن الخمرة و فوائدها و نعمها و نعيمها ، فيسترسل الأول في تمجيد لحظات معاقرتها ، و يسرد الثاني أنواعها القديمة منها و الجديدة و خصائص كل منها كمهندس ذواق مشهور ، و يلح الثالث على المكانة الرفيعة و الفوائد البليغة للنبيذ بالقياس إلى الجعة ، و يحتج الرابع بكون الجعة سلطانة المسكرات ، و يعلو صوت الخامس بكون الشراب الأمثل هو المقترن بالنساء و الأمر سواء إن كان نبيذا أو جعة أو هما معا . و تحس اللعاب يجري في أفواههم و علامات انتشاء من الماضي عائدة لتعلو وجه كل منهم أو عنقه ، فكلهم أو غالبيتهم العظمى على الأقل امتنعت عن الاقتراب من الخمر في الآونة الأخيرة تحت وطأة اشتعال الأسعار على الأرض حولهم و تمكن الزوجات من زمام الأمور بدعم من الأولاد ، و رغم هذا الادعاء ، فليس ناذرا أن يختلس الواحد منهم ليلة أو لحظة شبه عمرية رديئة من الزوجة و الأولاد ...،يبرر أحدهم بؤس الحال بكون ثمن قنينة جعة اليوم كان يؤهله ذات زمان لشرب عشرة ، لا بل عشرين ، يحتج الثاني ، "و ما بالكم بصندوق بأكمله ! " يقول الثالث في ادعاء واثق من نفسه ! ، و ينطلق الرابع بتصنع مفرط في الرزانة في حكي بدء تناول الخمرة في بطن أمه ! و يفصل في جودة النبيذ القديم و الجعة القديمة و زمرة رفاق الأقداح القدماء و...و...و كل شيء قديم ! ، و يوافقه الخامس بتعصب فظيع ، و يقاطعه السادس ...، و يستفحل جريان اللعاب في الأفواه ، و يعمد الكثيرون إلى إزاحة رؤوسهم من على أجسادهم إلا أنهم يبقون على قيد الكلام بأعناقهم و هي تتلوى من فرط الثمالة ، و تمتد الأيدي إلى ما تبقى في الكؤوس من قطرات قهوة ، تفرغها في الأعناق بحركات من يمسك بأكواب خمر الجنة ...، و تتعالى الأصوات من الحناجر مباشرة ، و يتدخل الشرقاوي خوفا على الكؤوس .
تهدأ العاصفة ، ثم يبدأ أحدهم في الحديث بهمس كالذي يبوح بسر رهيب ، عن قضية ما كبرى وقعت بالبلد ، نشرها " علامة " كبير ما ، تخص وزيرا كان فقيرا و تحول إلى ثري ! أو معوز مشهور ربح " الربحة " الكبرى في اليانصيب أو الثري المشهور بالمدينة الذي يخرج ليلا يبحث عن عاطل مفتول العضلات يغدق عليه مالا و نساء ليشبع شذوذه !! ، أو زوجة الثري الآخر الذي حلت به لعنة العجز الجنسي نتيجة ما اقترفه من آثام ! و تبحث عن فحل تغطيه بالمال لتنام في حضنه !! ...، وان هي إلا هلوسات غالبا ما يتأكد بطلانها ، و لكن لا أحد يهتم بذلك ، المهم هو الكلام ، و استهلاك الكلام . لا غرابة في الأمر ! فكل أقوام الدنيا اليوم يشتهرون باستهلاك شيء ما ، هناك من اكتسحوا الريادة في استهلاك الكتب ، و آخرون بالجعة ، و نزقون بالسمك حتى و إن اقتضى الحال جمعه من كل أصقاع الأرض و حرمان أصحابه و من يتراقص على شواطئهم و أعالي بحارهم منه ، بينما اشتهر جشعون بالتهام نصيب السباع من لحوم الأرض ، و هؤلاء من قوم حطموا كل الأرقام في استهلاك الكلام ، بل جمعوا بين الريادة في إنتاجه و استهلاكه، هم أصحاب سبق تاريخي إذن ... !
و مع بداية كل شهر، و بالضبط لحظة تقطير حوالاتهم الهزيلة ، بحساباتهم البنكية طبعا ، فكلهم من أصحاب الحسابات !، تتغير ملامح مقهاهم ، إذ يحرص معظمهم إن لم يكن كلهم على حلق و وجوههم و تبديل لباسهم ، لا بل يهرع القليل منهم بالتناوب إلى اقتناء ثوب جديد أو على الأقل آخر مستعمل /جديد مع الحرص على إخفاء اللعبة ، كما تقل بشكل ملحوظ الرؤوس المنسية ، مما يثلج صدر الشرقاوي و يريحه . و تشهد مقهاهم منذ الساعات الأولى للتقطير جلبة زائدة ، انه الكلام ، ترتفع الأصوات من كل ركن وخصوصا من على سطر الكراسي المستقيم بالخارج ، و يتسابق كل فرد من مجموعة إلى الإنتاج / الاستهلاك ، و يتحقق فائض مريع ، لولا أن الأصوات تتطاير بعيدا في سماء المدينة ، لكانت مقهاهم انفجرت ألف مرة . و سطر الكراسي على الرصيف تتبدل أحواله بشكل ملحوظ عند التقطير ، ينتعش و تبدو وجوه الجالسين كتماثيل أزيح عنها غبار عمر طويلا ، إنها رعشة الكلام و نشوته ، و قهقهات فرح طفولي تغمر المكان ، لا يتغيب أحد تقريبا يوم التقطير . و في غمرة الانجماع يقبل أحد الغائبين وفي يديه مؤونة ما غير كمالية أبدا ، يحركها يمينا و يسارا و هو ينتج / يستهلك الكلام ليرى الجالسون مجده و يستشعرون ترفه ! ، يتصنع أمرا يخصه بالداخل ، و إن أخفق يسلم المؤونة للشرقاوي إلى أن يحين موعد الانصراف ، ثم يجلس و علامات نشوة بادية عليه ، هو في لحظة ترف ! . يدرك الشرقاوي اللئيم و المحنك بالفقر و الالتصاق بالأرض المغزى التافه للحركة و يتماهى مع صاحبها بمكر و استصغار واضحين . لا غرابة في الموقف ، فهم كلهم يحيون محنة حقيقية ، و قد خلدت أفكار من كشف أن هذه الفئة في صورتها النموذجية لا في شرطهم الممسوخ ، هي مرادف للتمزق و التشرذم و الزيف و التناقضات و العذابات ، لأنها تتطلع إلى الأعلى فيصدها المستحيل ، و تلتفت إلى الأسفل القريب فتفزعها أهواله ، و تستسلم للمحنة و الكلام ...
وما أن ينتصف الشهر أو يكاد ، حتى تسترجع مقهاهم كل تقاطيع حالها ، تخفت الجلبة و يبقى الكلام ، لا شئ يزحزح الكلام . و كلما نال الزمن من النصف الثاني من الشهر ، يعود الكلام للتضخم عن الوزير الفقير الذي دخل الوزارة معوزا ، عاريا ! و أصبح مليونيرا ، لا بل ميليارديرا يصرخ البعض بأعناقهم ،و عن المعوز الذي ربح أو عثر على مليار أو مليارين ! و لاعب الكرة البئيس ابن البئيس و حفيد العوز الذي أصبح ملاكا كبيرا و بقصر فوق الماء ! ، و زوجة الملياردير التي تبحث بكل جوارحها عمن يروي عطشها و تغطيه بالمال ! فزوجها المسكين اليوم عاجز !،و " ليس الأمر إشاعة " يؤكد أحدهم لأنه رأى و لم يسمع ! ، و يجاريه الثاني باندفاع فظيع بكونه هو الآخر رأى !و لولا أمر ما لكان ارتكب الفاحشة منذ زمان ! كم من مرة تحرشت به و تحرش به مالها !!.المهم أن الكلام يعود للاشتعال ، و يعود الكل للافتتان بالكلام في انتظار التقطير ا للاحق ، كما تكثر الرؤوس المنسية التي يتكفل الشرقاوي بها إلى حين استفسار أحد عنها . و كلما ابتعدت لحظة التنقيط تكثر الأجساد الملقاة على الكراسي بدون رؤوس ، و مع ذلك يستمر الكلام ، فهو لا يحتاج أصلا لرؤوس ، الكل هنا ينتج الكلام بالأعناق ، أينما وليت وجهك تجد أعناقا تترنح و تفيض بالكلام ، و من حين لآخر يفرغ فيها أصحابها قطرة قهوة كي لا تجف و ينضب الكلام ، الكل هنا تعود الشرب بالعنق ، و حتى الجريدة التي يمسكها أحدهم كالممسك بصنم أو حجر ضريح ولي ، يصوب نحوها عنقه لا ليقرأ و لكن ليستمد منها ملحمة للكلام ، و عموما فالعلاقة بالجريدة ، هذا المكتوب الذي قاوم لمدة ، تآكل اليوم بشكل رهيب أمام طغيان الكلام. أما من سولت له نفسه أن يدخل المقهى بكتاب أو يدخله في الكلام ، فالويل له بإجماع لأنه يهدد سلامة الإنتاج و شبق الاستهلاك ، تتشنج كل الأعناق بعد إزاحة كل الرؤوس و تهذي بكونه إما مجنون أو مدع أو مسه الضياع ! أو هو من السذج الذين لم يستيقظوا بعد ! ، و الغريب أن نفرا كبيرا من أصحاب الإجماع يعلّمون، إلا أنهم لا يفعلون سوى بأعناقهم ، و الأعناق تخشى الكتاب و تعشق الكلام . و عموما فعلاقتهم بعملهم هي علاقة عداء، و لولا التنقيط المنتظر أبدا لهربوا منه كالهارب من الجحيم، و كم يتألمون علنا على إفلات فرصة منهم للهروب منه في ظرف جد ملغوم كان يضمن استمرارا لتنقيط رغم الهرب.
و في يوم من الأيام الأخيرة العصيبة من شهر ما ، كان موعد طقس جماعي محفور و يتطلب النقد اقترب ، يتمثله كل رواد المقهى وحشا أسطوريا لا مناص من تنكيله بهم ، و موعد التنقيط بعيد ، توافد الرواد كالعادة و لكن واجمين ، و كان الشرقاوي المستعد دوما للطقوس يراقب الأمر عن كتب و يستشعر عميقا الموقف الجلل و مأساوية المشهد ، فهو الجاثم على الأرض بقوة ، و الذي لا يمكن أن يغيب عنه أنين الأجساد . اتخذ كل منهم مكانه الأبدي ، إلا أنهم كلهم و على غير عادتهم كانوا يزيحون رؤوسهم من فوق أجسادهم و يلقون بها أرضا قبل الانبطاح على الكراسي ، لم ينتجوا كلاما كثيرا هذه المرة و لم يستهلكوا منه الكثير ، ربما حصلت لهم التخمة ، و بدل ذلك ، كانت أعناقهم تتلوى و تترنح في اتجاه بعضها البعض كأفاعي مضروبة على رؤوسها ، وعند المغيب استقام كل جسد و تاه وسط المارة المكتظة شوارع المدينة بهم استعدادا للطقس . وما أن بدأ الشرقاوي يجمع الكراسي و الطاولات لتنظيف المكان ، حتى صعق برؤوس كل الرواد و بدون استثناء مرمية على الأرض ، تحت الكراسي في الداخل و على طول السطر على الرصيف. خاف خوفا عظيما على زبنائه و مصدر عيشه ، أكمل مهمته و انصرف إلى بيته ، إلا أنه لم ينم ، كانت علامات حيرة و خوف شديدين بادية عليه ، استفسرته زوجته و كذلك أولاده إلا أنه لم يبح بالكارثة المنتظرة في اعتقاده، صحيح أنه ألف أن ينسى أحد الزبناء رأسه ، و لكن غالبا ما يتداركه قبل أن تغلق المقهى بابها ، أما أن ينسى كل الزبناء رؤوسهم و مرمية على الأرض ، فهذا ما لم يسبق وقوعه . و في االلحظات الأخيرة من الليل ، هرع الشرقاوي مفزوعا إلى المقهى ، تفقد الرؤوس و رتب الكراسي و الطاولات كالعادة ، و وقف بالباب متسمرا يرقب من يأتي ليسأل عن رأسه و يرتاح هو من هذا الكابوس ، إلا أن أحدا لم يقدم طيلة اليوم ، ازدادت حيرته و استفحلت دهشته ، و لاحظ صاحب المقهى غير العابئ بالأمر أن الشرقاوي يكلم ذاته ، ربما هو الآخر في ورطة مع الطقس على غير عادته . و في المساء ، عند موعد الانصراف ، بدأت روائح نتنة تنبعث من كومة الرؤوس ، و ما كان من رب المقهى إلا أن أمر الشرقاوي بالتخلص منها صيانة لمقهاه. لم يكن أمام الشرقاوي المغلوب على أمره سوى أن ينفذ ، جمع الرؤوس في كيسين كبيرين و ألقى بهما في حاوية القمامة على الرصيف ، إلا أن خوفه تعاظم و بانت على وجهه علامات مرض طال أمده ، لم ينم الليلة أيضا و سمعته زوجته يحدث نفسه عن رؤوس و مخاطر ، و خافت عليه ، فالأيام أيام طقس و الجن ينشط في مثل هذه المناسبات ! ، و في اللحظات الأولى من الصباح ، سارع إلى المقهى و قد نال منه الخوف حد الهذيان ، رتب الأمور كالعادة و وقف بالباب مترقبا و هو يرتجف ، وما هي لا بضع دقائق حتى بدأ الرواد يتوافدون تباعا ، و لم يكونوا بدون رؤوس ، كان كل منهم يضع رأسا على جسده ، لم يصدق الشرقاوي عينيه في البداية و بدت عليه علامات ارتباك فظيع ، فهو من جهة في غاية الفرح بعودة الأمور إلى حالها ، إلا أنه لم يتمكن من استيعاب ما يجري أمامه ، لم يكن يتوقف عن فرك عينيه بقوة و هو يحيي كل واحد منهم دون أن تزيغ عيناه عن الرؤوس . اكتملت كل المجموعات ، وتبين الشرقاوي أن الرؤوس ليست ناذرة، فهي في المقاهي المجاورة مرمية على الدوام ، و من ضاع رأسه بمقهاه يجد رأسا بسهولة بمقهى أخرى ، و لم يعد هناك من فرق بين الرؤوس ، المهم أن تجد رأسا تضعه فوق جسدك ، و هذا أمر مضمون ، ثم لا حرج في أن يقضي البعض يوما أو يومين و حتى أياما بدون رأس ، فالكلام لا يحتاج إلى " رأس ".
الجالس الأول من كل مجموعة في الزاوية المرهونة له تحسبه من فرط تشوقه إلى رفقاء الجلسة و كأنه ينتظر أمرا عظيما أو بشرى هائلة أو حبيبا مفقودا عائدا ، و ما أن يصل أحدهم حتى يسارع الاثنان إلى إزاحة رأسيهما من على جسديهما و يضعانهما جانبا أينما اتفق ، ثم يبدأ الكلام . ليس فعلهما هذا من الغرابة في شيء ، فمقهاهم اشتهرت منذ أمد طويل بكون زبنائها غالبا ما يتخلصون من رؤوسهم عند ولوجها ، وتعود الشرقاوي على جمعها في زاوية ما بانتظار ساعة مغادرتهم ليعيدوا الرؤوس فوق الأجساد ، بل تعود أيضا على أن ينسى البعض منهم رأسه ، و يحتفظ بها إلى حين تبين جسد بدون رأس .أما الكلام الذي يبدأ بين الجالسين الأولين ، فهو أي كلام ممكن ، حول طقس اليوم الجاري أو الحرب في مجرة أخرى ، أو الطب و أسراره ، و الفلك و إعجازه ، و البطاطس و طرق إعداد وجبات مفيدة منها ! ، و العدس و فوائده الجمة ، و صحافي جديد غير كل الجديدين السابقين و فتوحاته ! ، و الوزراء و أملاكهم الفلكية ، و التوابل و البلدان المنتجة لها ، و لعبة الكرة و أبطالها و الأسماء الدقيقة لفرقها و مدربيها على المستوى الكوني ، و كل لاعب و أصله و طوله و وزنه و لون عينيه و شعره و طريقة تسديده و تاريخ انتقاله الأول و الثاني و المنتظر ! ...، ثم عيوب و مشاكل و أسرار أفراد المجموعة الذين لم يصلوا بعد، و هو كله مجرد كلام لا صلة له بوقائع، أو على الأقل لا يتم الاهتمام أبدا بمدى صلته بوقائع لأنه هو المقصود في ذاته، إنتاجا و استهلاكا. و كلما توافد المتأخرون و تكاملت دائرة كل مجموعة، يزداد اشتعال الكلام و يتسابق الكل من أجله، يفصل الأول في فوائد البطاطس ! كخبير من معهد تغذية عند قوم أهلكتهم المجاعة ، و يجاريه الثاني بحجج دامغة ! ينسبها لعراف أو ساحر، و يقسم الثالث بالغليظ على تجربته للفوائد، و يصرخ الرابع، و يقاطعه الخامس بالتنبيه إلى معجزة لاعب ما في مباراة ما ، و يتغير الموضوع بسلاسة منقطعة النظير وينخرط الكل في فك رموز الموضوع الجديد . و في العديد من المرات ، و غالبا خلال أوقات حرجة يكون اليأس استبد بالكل ، وتضخم الإحساس بالإحباط ، يدور الكلام عن الخمرة و فوائدها و نعمها و نعيمها ، فيسترسل الأول في تمجيد لحظات معاقرتها ، و يسرد الثاني أنواعها القديمة منها و الجديدة و خصائص كل منها كمهندس ذواق مشهور ، و يلح الثالث على المكانة الرفيعة و الفوائد البليغة للنبيذ بالقياس إلى الجعة ، و يحتج الرابع بكون الجعة سلطانة المسكرات ، و يعلو صوت الخامس بكون الشراب الأمثل هو المقترن بالنساء و الأمر سواء إن كان نبيذا أو جعة أو هما معا . و تحس اللعاب يجري في أفواههم و علامات انتشاء من الماضي عائدة لتعلو وجه كل منهم أو عنقه ، فكلهم أو غالبيتهم العظمى على الأقل امتنعت عن الاقتراب من الخمر في الآونة الأخيرة تحت وطأة اشتعال الأسعار على الأرض حولهم و تمكن الزوجات من زمام الأمور بدعم من الأولاد ، و رغم هذا الادعاء ، فليس ناذرا أن يختلس الواحد منهم ليلة أو لحظة شبه عمرية رديئة من الزوجة و الأولاد ...،يبرر أحدهم بؤس الحال بكون ثمن قنينة جعة اليوم كان يؤهله ذات زمان لشرب عشرة ، لا بل عشرين ، يحتج الثاني ، "و ما بالكم بصندوق بأكمله ! " يقول الثالث في ادعاء واثق من نفسه ! ، و ينطلق الرابع بتصنع مفرط في الرزانة في حكي بدء تناول الخمرة في بطن أمه ! و يفصل في جودة النبيذ القديم و الجعة القديمة و زمرة رفاق الأقداح القدماء و...و...و كل شيء قديم ! ، و يوافقه الخامس بتعصب فظيع ، و يقاطعه السادس ...، و يستفحل جريان اللعاب في الأفواه ، و يعمد الكثيرون إلى إزاحة رؤوسهم من على أجسادهم إلا أنهم يبقون على قيد الكلام بأعناقهم و هي تتلوى من فرط الثمالة ، و تمتد الأيدي إلى ما تبقى في الكؤوس من قطرات قهوة ، تفرغها في الأعناق بحركات من يمسك بأكواب خمر الجنة ...، و تتعالى الأصوات من الحناجر مباشرة ، و يتدخل الشرقاوي خوفا على الكؤوس .
تهدأ العاصفة ، ثم يبدأ أحدهم في الحديث بهمس كالذي يبوح بسر رهيب ، عن قضية ما كبرى وقعت بالبلد ، نشرها " علامة " كبير ما ، تخص وزيرا كان فقيرا و تحول إلى ثري ! أو معوز مشهور ربح " الربحة " الكبرى في اليانصيب أو الثري المشهور بالمدينة الذي يخرج ليلا يبحث عن عاطل مفتول العضلات يغدق عليه مالا و نساء ليشبع شذوذه !! ، أو زوجة الثري الآخر الذي حلت به لعنة العجز الجنسي نتيجة ما اقترفه من آثام ! و تبحث عن فحل تغطيه بالمال لتنام في حضنه !! ...، وان هي إلا هلوسات غالبا ما يتأكد بطلانها ، و لكن لا أحد يهتم بذلك ، المهم هو الكلام ، و استهلاك الكلام . لا غرابة في الأمر ! فكل أقوام الدنيا اليوم يشتهرون باستهلاك شيء ما ، هناك من اكتسحوا الريادة في استهلاك الكتب ، و آخرون بالجعة ، و نزقون بالسمك حتى و إن اقتضى الحال جمعه من كل أصقاع الأرض و حرمان أصحابه و من يتراقص على شواطئهم و أعالي بحارهم منه ، بينما اشتهر جشعون بالتهام نصيب السباع من لحوم الأرض ، و هؤلاء من قوم حطموا كل الأرقام في استهلاك الكلام ، بل جمعوا بين الريادة في إنتاجه و استهلاكه، هم أصحاب سبق تاريخي إذن ... !
و مع بداية كل شهر، و بالضبط لحظة تقطير حوالاتهم الهزيلة ، بحساباتهم البنكية طبعا ، فكلهم من أصحاب الحسابات !، تتغير ملامح مقهاهم ، إذ يحرص معظمهم إن لم يكن كلهم على حلق و وجوههم و تبديل لباسهم ، لا بل يهرع القليل منهم بالتناوب إلى اقتناء ثوب جديد أو على الأقل آخر مستعمل /جديد مع الحرص على إخفاء اللعبة ، كما تقل بشكل ملحوظ الرؤوس المنسية ، مما يثلج صدر الشرقاوي و يريحه . و تشهد مقهاهم منذ الساعات الأولى للتقطير جلبة زائدة ، انه الكلام ، ترتفع الأصوات من كل ركن وخصوصا من على سطر الكراسي المستقيم بالخارج ، و يتسابق كل فرد من مجموعة إلى الإنتاج / الاستهلاك ، و يتحقق فائض مريع ، لولا أن الأصوات تتطاير بعيدا في سماء المدينة ، لكانت مقهاهم انفجرت ألف مرة . و سطر الكراسي على الرصيف تتبدل أحواله بشكل ملحوظ عند التقطير ، ينتعش و تبدو وجوه الجالسين كتماثيل أزيح عنها غبار عمر طويلا ، إنها رعشة الكلام و نشوته ، و قهقهات فرح طفولي تغمر المكان ، لا يتغيب أحد تقريبا يوم التقطير . و في غمرة الانجماع يقبل أحد الغائبين وفي يديه مؤونة ما غير كمالية أبدا ، يحركها يمينا و يسارا و هو ينتج / يستهلك الكلام ليرى الجالسون مجده و يستشعرون ترفه ! ، يتصنع أمرا يخصه بالداخل ، و إن أخفق يسلم المؤونة للشرقاوي إلى أن يحين موعد الانصراف ، ثم يجلس و علامات نشوة بادية عليه ، هو في لحظة ترف ! . يدرك الشرقاوي اللئيم و المحنك بالفقر و الالتصاق بالأرض المغزى التافه للحركة و يتماهى مع صاحبها بمكر و استصغار واضحين . لا غرابة في الموقف ، فهم كلهم يحيون محنة حقيقية ، و قد خلدت أفكار من كشف أن هذه الفئة في صورتها النموذجية لا في شرطهم الممسوخ ، هي مرادف للتمزق و التشرذم و الزيف و التناقضات و العذابات ، لأنها تتطلع إلى الأعلى فيصدها المستحيل ، و تلتفت إلى الأسفل القريب فتفزعها أهواله ، و تستسلم للمحنة و الكلام ...
وما أن ينتصف الشهر أو يكاد ، حتى تسترجع مقهاهم كل تقاطيع حالها ، تخفت الجلبة و يبقى الكلام ، لا شئ يزحزح الكلام . و كلما نال الزمن من النصف الثاني من الشهر ، يعود الكلام للتضخم عن الوزير الفقير الذي دخل الوزارة معوزا ، عاريا ! و أصبح مليونيرا ، لا بل ميليارديرا يصرخ البعض بأعناقهم ،و عن المعوز الذي ربح أو عثر على مليار أو مليارين ! و لاعب الكرة البئيس ابن البئيس و حفيد العوز الذي أصبح ملاكا كبيرا و بقصر فوق الماء ! ، و زوجة الملياردير التي تبحث بكل جوارحها عمن يروي عطشها و تغطيه بالمال ! فزوجها المسكين اليوم عاجز !،و " ليس الأمر إشاعة " يؤكد أحدهم لأنه رأى و لم يسمع ! ، و يجاريه الثاني باندفاع فظيع بكونه هو الآخر رأى !و لولا أمر ما لكان ارتكب الفاحشة منذ زمان ! كم من مرة تحرشت به و تحرش به مالها !!.المهم أن الكلام يعود للاشتعال ، و يعود الكل للافتتان بالكلام في انتظار التقطير ا للاحق ، كما تكثر الرؤوس المنسية التي يتكفل الشرقاوي بها إلى حين استفسار أحد عنها . و كلما ابتعدت لحظة التنقيط تكثر الأجساد الملقاة على الكراسي بدون رؤوس ، و مع ذلك يستمر الكلام ، فهو لا يحتاج أصلا لرؤوس ، الكل هنا ينتج الكلام بالأعناق ، أينما وليت وجهك تجد أعناقا تترنح و تفيض بالكلام ، و من حين لآخر يفرغ فيها أصحابها قطرة قهوة كي لا تجف و ينضب الكلام ، الكل هنا تعود الشرب بالعنق ، و حتى الجريدة التي يمسكها أحدهم كالممسك بصنم أو حجر ضريح ولي ، يصوب نحوها عنقه لا ليقرأ و لكن ليستمد منها ملحمة للكلام ، و عموما فالعلاقة بالجريدة ، هذا المكتوب الذي قاوم لمدة ، تآكل اليوم بشكل رهيب أمام طغيان الكلام. أما من سولت له نفسه أن يدخل المقهى بكتاب أو يدخله في الكلام ، فالويل له بإجماع لأنه يهدد سلامة الإنتاج و شبق الاستهلاك ، تتشنج كل الأعناق بعد إزاحة كل الرؤوس و تهذي بكونه إما مجنون أو مدع أو مسه الضياع ! أو هو من السذج الذين لم يستيقظوا بعد ! ، و الغريب أن نفرا كبيرا من أصحاب الإجماع يعلّمون، إلا أنهم لا يفعلون سوى بأعناقهم ، و الأعناق تخشى الكتاب و تعشق الكلام . و عموما فعلاقتهم بعملهم هي علاقة عداء، و لولا التنقيط المنتظر أبدا لهربوا منه كالهارب من الجحيم، و كم يتألمون علنا على إفلات فرصة منهم للهروب منه في ظرف جد ملغوم كان يضمن استمرارا لتنقيط رغم الهرب.
و في يوم من الأيام الأخيرة العصيبة من شهر ما ، كان موعد طقس جماعي محفور و يتطلب النقد اقترب ، يتمثله كل رواد المقهى وحشا أسطوريا لا مناص من تنكيله بهم ، و موعد التنقيط بعيد ، توافد الرواد كالعادة و لكن واجمين ، و كان الشرقاوي المستعد دوما للطقوس يراقب الأمر عن كتب و يستشعر عميقا الموقف الجلل و مأساوية المشهد ، فهو الجاثم على الأرض بقوة ، و الذي لا يمكن أن يغيب عنه أنين الأجساد . اتخذ كل منهم مكانه الأبدي ، إلا أنهم كلهم و على غير عادتهم كانوا يزيحون رؤوسهم من فوق أجسادهم و يلقون بها أرضا قبل الانبطاح على الكراسي ، لم ينتجوا كلاما كثيرا هذه المرة و لم يستهلكوا منه الكثير ، ربما حصلت لهم التخمة ، و بدل ذلك ، كانت أعناقهم تتلوى و تترنح في اتجاه بعضها البعض كأفاعي مضروبة على رؤوسها ، وعند المغيب استقام كل جسد و تاه وسط المارة المكتظة شوارع المدينة بهم استعدادا للطقس . وما أن بدأ الشرقاوي يجمع الكراسي و الطاولات لتنظيف المكان ، حتى صعق برؤوس كل الرواد و بدون استثناء مرمية على الأرض ، تحت الكراسي في الداخل و على طول السطر على الرصيف. خاف خوفا عظيما على زبنائه و مصدر عيشه ، أكمل مهمته و انصرف إلى بيته ، إلا أنه لم ينم ، كانت علامات حيرة و خوف شديدين بادية عليه ، استفسرته زوجته و كذلك أولاده إلا أنه لم يبح بالكارثة المنتظرة في اعتقاده، صحيح أنه ألف أن ينسى أحد الزبناء رأسه ، و لكن غالبا ما يتداركه قبل أن تغلق المقهى بابها ، أما أن ينسى كل الزبناء رؤوسهم و مرمية على الأرض ، فهذا ما لم يسبق وقوعه . و في االلحظات الأخيرة من الليل ، هرع الشرقاوي مفزوعا إلى المقهى ، تفقد الرؤوس و رتب الكراسي و الطاولات كالعادة ، و وقف بالباب متسمرا يرقب من يأتي ليسأل عن رأسه و يرتاح هو من هذا الكابوس ، إلا أن أحدا لم يقدم طيلة اليوم ، ازدادت حيرته و استفحلت دهشته ، و لاحظ صاحب المقهى غير العابئ بالأمر أن الشرقاوي يكلم ذاته ، ربما هو الآخر في ورطة مع الطقس على غير عادته . و في المساء ، عند موعد الانصراف ، بدأت روائح نتنة تنبعث من كومة الرؤوس ، و ما كان من رب المقهى إلا أن أمر الشرقاوي بالتخلص منها صيانة لمقهاه. لم يكن أمام الشرقاوي المغلوب على أمره سوى أن ينفذ ، جمع الرؤوس في كيسين كبيرين و ألقى بهما في حاوية القمامة على الرصيف ، إلا أن خوفه تعاظم و بانت على وجهه علامات مرض طال أمده ، لم ينم الليلة أيضا و سمعته زوجته يحدث نفسه عن رؤوس و مخاطر ، و خافت عليه ، فالأيام أيام طقس و الجن ينشط في مثل هذه المناسبات ! ، و في اللحظات الأولى من الصباح ، سارع إلى المقهى و قد نال منه الخوف حد الهذيان ، رتب الأمور كالعادة و وقف بالباب مترقبا و هو يرتجف ، وما هي لا بضع دقائق حتى بدأ الرواد يتوافدون تباعا ، و لم يكونوا بدون رؤوس ، كان كل منهم يضع رأسا على جسده ، لم يصدق الشرقاوي عينيه في البداية و بدت عليه علامات ارتباك فظيع ، فهو من جهة في غاية الفرح بعودة الأمور إلى حالها ، إلا أنه لم يتمكن من استيعاب ما يجري أمامه ، لم يكن يتوقف عن فرك عينيه بقوة و هو يحيي كل واحد منهم دون أن تزيغ عيناه عن الرؤوس . اكتملت كل المجموعات ، وتبين الشرقاوي أن الرؤوس ليست ناذرة، فهي في المقاهي المجاورة مرمية على الدوام ، و من ضاع رأسه بمقهاه يجد رأسا بسهولة بمقهى أخرى ، و لم يعد هناك من فرق بين الرؤوس ، المهم أن تجد رأسا تضعه فوق جسدك ، و هذا أمر مضمون ، ثم لا حرج في أن يقضي البعض يوما أو يومين و حتى أياما بدون رأس ، فالكلام لا يحتاج إلى " رأس ".