عندما فتح باب شاحنته ، وجدها امرأة لم يرجمالا كجمالها ، قامة كالنخلة المثمرة ، وجه خجول ، يميل إلى شكل البيضة ،يغطي رأسها غطاء محترم أزرق اللون ، تلمع نجماته الذهبية ، في ضوء مصباح سقف الشاحنة . جلبابها الترابي و المزركش ، يوحي بأنها فتاة تنتمي إلى طبقة متواضعة ، كطبقته تماما . لهذا لم يخنه حدسه هذه المرة ، و توقف لإنسان قريب منه ، في ليلة دامسة كهذه ، و بذلك يكون قد كسر جدار الموقف الصعب ، الذي اتخذه مع نفسه ، بأن لا يتوقف أبدا لأي شخص يشير له في الطريق ، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بليلة سوداء ، تحتفي بالتيه و الضياع ، أكثر مما تكشف عن ملامح معاني معينة . و ذكرى اللصين ،اللذين أشبعوه ضربا ، بعد أن أخذوا كل ما كان يملك ، من أتعاب شهر من العمل .. لن ينساها أبدا.
لكن ، ما الذي يدفع أنثى ، تخرج وحيدة ، في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل ، و في مكان نائي و مخيف كهذا المكان . امرأة رفيقها الوحيد ، هو شجاعتها ، و حقيبتها اليدوية .و ربما وراء خروجها الغريب ، و رغبتها في السفر "بالأطوستوب" ، حكاية لا تقل غرابة ، من وجودها في هذا الوقت ، و في هذا الزمان ، و بهذه الطريقة الغامضة التي تطرح أكثر من سؤال ..
قبل أن تسأله ، علت وجهها البشوش حمرة واضحة ، دلت على أنها "بنت الناس" ..و على عجلة من أمرها ، إلى حيث تريد أن تسافر أو ترحل .و قبل أن يسألها ذالك السؤال البديهي ، عن المكان الذي تتجه إليه ..، سارعت و نحنحت ثم قالت :"سيدي ، شكرا لأنك قبلت و توقفت من أجلي ..، لقد انتظرتك لساعات طوال ..ألا تعرفني ..؟ ".فاجأته بسؤالها ..غير المتوقع ..، فرد عليها ، و عيناه تبحثان في محيط المكان الخالي ، و البارد جدا ." من عادتي أن لا أتوقف للغرباء ، خاصة في الليل ، و في مثل هذا المكان ..لكن .." و قبل أن يستمر في إنهاء كلامه قاطعته بسرعة ، و كأنها تعرف ماذا سيقول .." لكن لأنني امرأة توقفت لي ..أليس كذالك ..؟؟ ". اسمعني جيدا ..(قبل أن تتابع ، صعدت إلى جانبه ، داخل الشاحنة دون أن يأذن لها السائق ، و أثناء صعودها ، أحس بدفء حراري غير عادي ، يملأ أجواء شاحنته ) قالت : "الجو رائع في ليل بهيم كهذا ". انتبه الرجل إلى أن حذاءها ، ليس حذاءا نسائيا و لا رجاليا ..هو أشبه بالحذاء ، لكن تبدو من خلاله أرجل قدميها مزغبتين و غير عاديتين ..، ردت عليه و بسمة جميلة تعلو محياها : "ليس من عادتي أنا أيضا أن أقوم بالأطوستوب ،بل لست في حاجة أصلا لوسيلة نقل بشرية ..لأنني بإمكاني الوصول إلى أي مكان أريده ، اعتمادا على نفسي .." .اسغرب الرجل ، و اندهش بسبب كلام المرأة الغريب ، الذي يسمعه من الشيء الجالس بجواره ..إنها و كأنها تقرأ أفكاره ..، أحس برأسه تنتفخ .و قلبه يخفق بسرعة كبيرة . كل أحشائه الآن بدأت ترتعش ، دون أن يدري لماذا ..(هي امرأة آدمية أم جن تسلط علي أم ماذا ..؟). حاول أن يدفع عن مخيلته تخوفات مشاعره ،و أن يخفي مخاوفه الغريبة و توتره الواضح ، فبادر لمساءلتها عن هويتها ..؟.لكن وجد فمه مغلقا و كأنه تجمد ..فم ببوابة حجرية ..، فوجه أمره لأصابع كلتي يديه لفتحه.و تمكن بعد جهد جهيد من فتحه ، إلا أنه فوجئ بخلو فمه الواسع، الذي كان في ما مضي ، و إلى صباح هذا اليوم ،من لسانه ..لسانه الطويل ، الذي كان كله حيوية و نشاط ، و لا يمل أبدا من الكلام و الاسترسال فيه، مهما كانت الأحوال و الظروف .أما هي ،الضيف الغريبة في مكان أغرب منه .. فقد فهمت لغة عينيه الغارقتين في البحث و السؤال .
قالت له و يداه في باطن يديها الدافئتين : " أنا من عالم غير عالمكم ..أنا هي تلك الأفعى ، التي أنقذت حياتها في مثل هذا الوقت و المكان في الأسبوع الماضي " ظل الرجل السائق جامدا ، و أطرافه ملتصقة بكرسيه المفروش بسجادة صوفية ..دون أن يستوعب و لو حرفا واحدا من كلام هذا الشيء الذي يوجد بجواره ..، تابعت المرأة بعد أن أزالت غطاء رأسها ، و اكتملت زينة جمالها الخلاق بلون شعرها الفحمي و خصلاته المتدفقة على كتفيها العريضين ..: " إنني اليوم جئت إليك لأشكرك ، و أدعوك لحفل زفافي ، عند أهلي ،في مكان قريب جدا من هذا المكان ، الذي نحن فيه الآن ...، وقبل أن تنهي كلامها ، شدت بقوة على يديه ..،و بدت ، في لحظة من اللحظات ، أنها ستسافر عبر مياه عينيها الغارقتين ، في أعماق دهشة كبرى ..لا حدود لها .. ثم اختفت ..،اختفت هكذا بدون مقدمات ، و لم تودعه حتى ..، ليجد السائق نفسه وحيدا ، و بملابس أنيقة ، و بحذاء لامع ، و برطة عنق ترابية اللون..،لم يدر كيف تغير مظهره بهذا الشكل فجأة. أشعل بسرعة فائقة ، و ببرودة متناهية ، محرك شاحنته ، ثم نظر في المرآة إلى الوراء بعيدا . تحركت الشاحنة ، ثم انطلقت كالسهم في الطريق الطويل ، و المزفت بموج من أسئلة ملتبسة ، آخذة في مهاجمة عقله ، الذي ما يزال تحت وطأة ما حدث .. و هو يعرف جيدا ، أن حفل زفاف الجنية يفوق جمالا و روعة ، زيف كرم بعض البشر ..تدارك ..فقال : أعود بالله ..و بعد لحظة لمح أفعى ، فوق صخرة كبيرة ، في الجانب الأيسر من الطريق ..فتوقف..و نزل من الشاحنة . ازداد الجو برودة ..، و الليل سوادا ..
اقترب من الصخرة الملساء .كانت خالية من الشيء الذي بدا له على هيئة أفعى ، و هو داخل شاحنته ..
محمد بقــوح
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
قالت له و يداه في باطن يديها الدافئتين : " أنا من عالم غير عالمكم ..أنا هي تلك الأفعى ، التي أنقذت حياتها في مثل هذا الوقت و المكان في الأسبوع الماضي " ظل الرجل السائق جامدا ، و أطرافه ملتصقة بكرسيه المفروش بسجادة صوفية ..دون أن يستوعب و لو حرفا واحدا من كلام هذا الشيء الذي يوجد بجواره ..، تابعت المرأة بعد أن أزالت غطاء رأسها ، و اكتملت زينة جمالها الخلاق بلون شعرها الفحمي و خصلاته المتدفقة على كتفيها العريضين ..: " إنني اليوم جئت إليك لأشكرك ، و أدعوك لحفل زفافي ، عند أهلي ،في مكان قريب جدا من هذا المكان ، الذي نحن فيه الآن ...، وقبل أن تنهي كلامها ، شدت بقوة على يديه ..،و بدت ، في لحظة من اللحظات ، أنها ستسافر عبر مياه عينيها الغارقتين ، في أعماق دهشة كبرى ..لا حدود لها .. ثم اختفت ..،اختفت هكذا بدون مقدمات ، و لم تودعه حتى ..، ليجد السائق نفسه وحيدا ، و بملابس أنيقة ، و بحذاء لامع ، و برطة عنق ترابية اللون..،لم يدر كيف تغير مظهره بهذا الشكل فجأة. أشعل بسرعة فائقة ، و ببرودة متناهية ، محرك شاحنته ، ثم نظر في المرآة إلى الوراء بعيدا . تحركت الشاحنة ، ثم انطلقت كالسهم في الطريق الطويل ، و المزفت بموج من أسئلة ملتبسة ، آخذة في مهاجمة عقله ، الذي ما يزال تحت وطأة ما حدث .. و هو يعرف جيدا ، أن حفل زفاف الجنية يفوق جمالا و روعة ، زيف كرم بعض البشر ..تدارك ..فقال : أعود بالله ..و بعد لحظة لمح أفعى ، فوق صخرة كبيرة ، في الجانب الأيسر من الطريق ..فتوقف..و نزل من الشاحنة . ازداد الجو برودة ..، و الليل سوادا ..
اقترب من الصخرة الملساء .كانت خالية من الشيء الذي بدا له على هيئة أفعى ، و هو داخل شاحنته ..
محمد بقــوح
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.