ليسَ هذا وطني الكبير
لا..
ليسَ هذا الوطنُ المربّعُ الخاناتِ كالشطرنجِ..
والقابعُ مثلَ نملةٍ في أسفلِ الخريطة..
هوَ الذي قالّ لنا مدرّسُ التاريخِ في شبابنا
بأنهُ موطننا الكبير.
لا..
ليسَ هذا الوطنُ المصنوعُ من عشرينَ كانتوناً..
ومن عشرينَ دكاناً..
ومن عشرينَ صرّافاً..
وحلاقاً..

أنعي لكم، يا أصدقائي، اللغةَ القديمه
والكتبَ القديمه
أنعي لكم..
كلامَنا المثقوبَ، كالأحذيةِ القديمه..
ومفرداتِ العهرِ، والهجاءِ، والشتيمه
أنعي لكم.. أنعي لكم
نهايةَ الفكرِ الذي قادَ إلى الهزيمه
2
مالحةٌ في فمِنا القصائد
مالحةٌ ضفائرُ النساء
والليلُ، والأستارُ، والمقاعد

يا صديقتي
في هذه الأيام يا صديقتي..
تخرج من جيوبنا فراشة صيفية تدعى الوطن.
تخرج من شفاهنا عريشة شامية تدعى الوطن.
تخرج من قمصاننا
مآذن... بلابل ..جداول ..قرنفل..سفرجل.
عصفورة مائية تدعى الوطن.
أريد أن أراك يا سيدتي..
لكنني أخاف أن أجرح إحساس الوطن..
أريد أن أهتف إليك يا سيدتي
لكنني أخاف أن تسمعني نوافذ الوطن.

متهمون نحن بالارهاب ...
ان نحن دافعنا عن الوردة ... والمرأة ...
والقصيدة العصماء ...
وزرقة السماء ...
عن وطن لم يبق في أرجائه ...
ماء ... ولاهواء ...
لم تبق فيه خيمة ... أو ناقة ...
أو قهوة سوداء ...
متهمون نحن بالارهاب ...
ان نحن دافعنا بكل جرأة
عن شعر بلقيس ..

أتجوَّلُ في الوطنِ العربيِّ
لأقرأَ شعري للجمهور
فأنا مقتنعٌ
أنَّ الشعرَ رغيفٌ يُخبزُ للجمهور
وأنا مقتنعٌ – منذُ بدأتُ –
بأنَّ الأحرفَ أسماكٌ
وبأنَّ الماءَ هوَ الجمهور
أتجوَّلُ في الوطنِ العربيِّ
وليسَ معي إلا دفترْ
يُرسلني المخفرُ للمخفر
يرميني العسكرُ للعسكر

سقطت آخر جدرانِ الحياء
و فرِحنا.. و رقَصنا..
و تباركنا بتوقيع سلامِ الجُبنَاءْ
لم يعُد يُرعبنا شيئٌ..
و لا يُخْجِلُنا شيئٌ..
فقد يَبسَتْ فينا عُرُوق الكبرياءْ…
-2-
سَقَطَتْ..للمرّةِ الخمسينَ عُذريَّتُنَا..
دون أن نهتَّز.. أو نصرخَ..
أو يرعبنا مرأى الدماءْ..
و دخَلنَا في زَمان الهروَلَة..

إغضبْ كما تشاءُ..
واجرحْ أحاسيسي كما تشاءُ
حطّم أواني الزّهرِ والمرايا
هدّدْ بحبِّ امرأةٍ سوايا..
فكلُّ ما تفعلهُ سواءُ..
كلُّ ما تقولهُ سواءُ..
فأنتَ كالأطفالِ يا حبيبي
نحبّهمْ.. مهما لنا أساؤوا..
إغضبْ!
فأنتَ رائعٌ حقاً متى تثورُ
إغضب!

تلومني الدنيا إذا أحببتهُ
كأنني.. أنا خلقتُ الحبَّ واخترعتُهُ
كأنني أنا على خدودِ الوردِ قد رسمتهُ
كأنني أنا التي..
للطيرِ في السماءِ قد علّمتهُ
وفي حقولِ القمحِ قد زرعتهُ
وفي مياهِ البحرِ قد ذوّبتهُ..
كأنني.. أنا التي
كالقمرِ الجميلِ في السماءِ..
قد علّقتُه..
تلومُني الدنيا إذا..

وجه قانا شاحب اللون كما وجه يسوع.
و هواء البحر في نيسان,
أمطار دماء, و دموع…
2
دخلوا قانا على أجسادنا
يرفعون العلم النازي في أرض الجنوب.
و يعيدون فصول المحرقة..
هتلر أحرقهم في غرف الغاز
و جاؤوا بعده كي يحرقونا..
هتلر هجرهم من شرق أوروبا..
و هم من أرضنا قد هجرونا.

صباحُ الخيرِ يا حلوه..
صباحُ الخيرِ يا قدّيستي الحلوه
مضى عامانِ يا أمّي
على الولدِ الذي أبحر
برحلتهِ الخرافيّه
وخبّأَ في حقائبهِ
صباحَ بلادهِ الأخضر
وأنجمَها، وأنهُرها، وكلَّ شقيقها الأحمر
وخبّأ في ملابسهِ
طرابيناً منَ النعناعِ والزعتر
وليلكةً دمشقية..

كتبتِ لي يا غاليه..
كتبتِ تسألينَ عن إسبانيه
عن طارقٍ، يفتحُ باسم الله دنيا ثانيه..
عن عقبة بن نافعٍ
يزرع شتلَ نخلةٍ..
في قلبِ كلِّ رابيه..
سألتِ عن أميةٍ..
سألتِ عن أميرها معاويه..
عن السرايا الزاهيه
تحملُ من دمشقَ.. في ركابِها
حضارةً وعافيه..

الشعر يأتي دائما
مع المطر.
و وجهك الجميل يأتي دائماً
مع المطر.
و الحب لا يبدأ إلا عندما
تبدأ موسيقى المطر..
***
إذا أتى أيلول يا حبيبتي
أسأل عن عينيك كل غيمة
كأن حبي لك
مربوط بتوقيت المطر…

من بحارِ النزيفِ.. جاءَ إليكم
حاملاً قلبهُ على كفَّيهِ
ساحباً خنجرَ الفضيحةِ والشعرِ،
ونارُ التغييرِ في عينيهِ
نازعاً معطفَ العروبةِ عنهُ
قاتلاً، في ضميرهِ، أبويهِ
كافراً بالنصوصِ، لا تسألوهُ
كيفَ ماتَ التاريخُ في مقلتيهِ
كسَرتهُ بيروتُ مثلَ إناءٍ
فأتى ماشياً على جفنيهِ
أينَ يمضي؟ كلُّ الخرائطِ ضاعت

علمني حبك ..أن أحزن
و أنا محتاج منذ عصور
لامرأة تجعلني أحزن
لامرأة أبكي بين ذراعيها
مثل العصفور..
لامرأة.. تجمع أجزائي
كشظايا البللور المكسور
***
علمني حبك.. سيدتي
أسوء عادات
علمني ان أفتح فنجاني

يا سيِّدتي:
كنتِ أهم امرأةٍ في تاريخي
قبل رحيل العامْ.
أنتِ الآنَ.. أهمُّ امرأةٍ
بعد ولادة هذا العامْ..
أنتِ امرأةٌ لا أحسبها بالساعاتِ و بالأيَّامْ.
أنتِ امرأةٌ..
صُنعَت من فاكهة الشِّعرِ..
و من ذهب الأحلامْ..
أنتِ امرأةٌ..كانت تسكن جسدي
قبل ملايين الأعوامْ..

لَنْ تجعلوا من شعبِنا
شعبَ هُنودٍ حُمرْ
فنحنُ باقونَ هُنا ..
في هذه الأرض التي تلبس في مِعصَمها
إسوارةً من زهرْ
فهذه بلادُنا
فيها وُجِدنَا منذ فجر العمرْ
فيها لعِبنْا.. وعشِقْنا.. وكتبنَا الشِعرْ
مُشَرِّشُونَ نحنُ في خُلجانها
مثلَ حشيش البحرْ
مُشَرِّشُونَ نحنُ في تاريخها