أَرْبِطُ الْأَزْمِنَةَ بِالْأَزْمِنَةْ،
وَبِمِسَلَّةِ الْخُطَى أَرْفُو الْأَمْكِنَةْ،
مِنْ وَطَنِ الْمَنْفَى إِلَى رَصِيفِ الْمَبْغَى،
أَرْكُضُ وَدَاخِلَ مِعْطَفِي تَهُرُّ الرِّيحْ،
وَتَحْتَ جِلْدِي الْكَابِي تُبْحِرُ مَرَاكِبُ الْكَآبَةْ .
لَا خُبْزَ لِي، فِي بِلَادِ الْمَنَافِي وَلَا خِصْراً نَاعِمْ،
لَا الْحَانَاتُ وَلَا الْمَبَاغِي وَلَا الْأَسِرَّةُ وَلَا الْغُرَفُ الْمُعْتِمَةْ،
كَانَتْ كَصَدْرِ أُمِّي .
بِأَسْنَانٍ نَخِرَةٍ وَأَصَابِعَ تَعْبَثُ بِأَوْرَاقِهَا الرِّيحْ،
قَضَيْتُ دَهْراً أَتَسَكَّعُ عَلَى خَشَبِ الْخَرَائِطْ،
تَنْفَتِحُ أَزْرَارُ الْمُدُنِ عَلَى صَبَاحَاتٍ عَكِرَةْ،
أَرَى مَرَايَا تَخْنِقُ فِي الْمَهْدِ زُوَارَهَا،
أَرَى وُجُوهاً مَشْطُوبَةً بِشَفَرَاتِ أَزْمِنَةٍ قَاسِيَةْ،
أَرَى قُرَى تَشْرَقُ بِدُخَّانِ قِرَاهَا،
أَرَى أَبْنِيَةً تُسْحَلُ عَلَى الْإِسْفَلْتِ،
وَبَنَادِقَ تُومِيءُ إِلَى رُؤُوسِ قُبَّرَاتٍ تَتَفَيَّأُ أَجْرَاسَ الْحُقُولْ،
وَأَسْمَالاُ خَرِبَةً خَارِجَةً لِتَوِّهَا مِنِ ثُقُوبِ الْقُبُورْ .
وَكَمَا فِي حُرُوبٍ تُدِيرُهَا أَيَادٍ قَذِرَةْ،
أَرَى، عُكَّازَاتٍ صَدِئَةً تَنِطُّ فِي الشَّوَارِعْ،
وَمِنَ النَّوافِذِ تَتَعَقَّبُهَا أَعْيِرَةٌ نَارِيَةْ .