مَازِلْتُ أَسْمَعُ خُطَاهُ وَهِيَ تَقْرَعُ الزُّقَاقْ ،
كَانَتْ نَفْسُهَا الْخُطَى الَّتِي تَحْمِلُهُ لَنَا فَجْأَةً بَعْدَ غِيَابْ ،
فِي جِرَابِهِ خُبْزَنَا الْكَفَافَ وَدِفْءَ الْغُرَفْ ،
وَكَانَتْ قَارَّاتٌ تُخْفِيهِ عَنَّا زَمَناً قَدْ يَطُولْ ،
وَيَأْتِي أَخِيراً وَفَوْقَ أَسْمَالِهْ طَحَالِبَ الْبِحَارْ ،
وَفِي جُيُوبِ مِعْطَفِهِ تَصْطَخِبُ الْأَمْوَاجْ .
كَانَ لَمَّا يَعْتَزِمُ السَّفَرْ ،
تُعْتِمُ أَعْمَاقُهُ وَتَعْتَكِرُ الْغُيُومْ ،
فَأَرَى طُيُوراً تُحَلِّقُ مِنْ عَيْنَيْهِ صَوْبَ الْحُقُولْ ،
يُوَارِي الْبَابُ سَعْلَتَهُ وَيَصْطَفِقْ ،
يَرْفَعُ قُبَّعَتٌهُ عَالِياً ، وَحَالَمَا يَخْطُو يَشْرَبُهُ الظَّلَامْ ،
مُنْحَنِياً كَأَنَّمَا يَلْبَسُ تَحْتَ يَاقَتِهِ قَوْسَ قُزَحْ ،
وَفِي وَجْهِهِ وَجْهَ طِفْلٍ أَدْمَنَ الْبُكَاءْ ،
وَكَانَ يَافِعاً لَمَّا بَدَأَ يَضْرِبُ فِي وُحُولِ الْقُرَى الْمَفْقُودَةِ فِي الْجِبَالْ ،
آهٍ !هَذَا الَّذِي قُلْتُ أَنَّ جُذُورَهُ تَذْهَبُ بَعِيداً فِي التُّرَابْ ،
أَصْبَحَ كَالَّلقَالِقِ لَا يُشْفِيهَا التِّرْحَالْ .