ألا يجب علينا أن نتساءل فيما يخص كتابة التاريخ إن كانت الكتابة علاجا أو سُما؟
إن تاريخ الزمن المعاصر والزمن الحاضر يشكل مرصدا مميزا كي نقيس مدى الصعوبات التي تنشأ بين التأويل وبين مطلب الحقيقة .
P.Ricœur في التاريخ .
************
في عددها الأخير، وضمن الحيز الخاص ب"تاريخنا القرن20م" نشرت المجلة المغربية المتخصصة في موضوعات التاريخ "زمان" في نسختها الصادرة باللغة الفرنسية مقالا تحت عنوان:بخصوص وثيقة الاستقلال للباحث محمد المنصور . وتعميما للإطلاع نقدم له هذه الترجمة المتواضعة على صفحات أنفاس الإلكترونية :
وثيقة(بيان)الاستقلال ليوم 11يناير 1944 توجد في مكان عال بالنسبة لذاكرتنا الوطنية .
كم هو عدد الذين وقعوا على الوثيقة؟ ماذا بالنسبة ل"وثائق" أخرى طالبت هي أيضا باستقلال المملكة؟
يمكننا اعتبار وثيقة الاستقلال بمثابة واحدة من الأحداث الوطنية الكبرى خلال القرن العشرين،لأنها شكلت منعطفا حاسما بين مغرب مُستعمَرٍ ومغرب مستقل. غير أنه، وبالنظر لأهميتها الرمزية، سرعان ما صارت وسط معركة من نوع مختلف، هي معركة تَملُّكِ التاريخ لجعله سند مشروعية .
ظل الحزب الواحد:
مع استقلال المغرب سنة 1956،كان حزب الاستقلال، ومن غير جدال حركة سياسية، والتي بفضل شعبيتها وكاريزمية زعيمها علال الفاسي، من دون منافس .الحزب الديمقراطي من أجل الاستقلال(إضافة من عندنا لاحقا الشورى والاستقلال) بقيادة بلحسن الوزاني لم يكن له ثقل كبير أمام حزب الاستقلال، وبسرعة تم استبعاده من "اللعبة" بما فيه عبر إجراءات عنيفة . بعد 1956 أصبح الصراع من أجل السلطة قائما بين القوتين الأساسيتين بالفعل، وهما الملكية من جهة وحزب الاستقلال بكل مكوناته من جيش التحرير الوطني واليسار الإشتراكي في الحزب من جهة أخرى. الأولوية لدى الملكية وحزب الاستقلال ستكون سياسية ولكن أيضا إيديولوجية،ومن اللحظة فإن تاريخ الأمة سينطبع وتتشكل معالمه من طرف القوى الموجودة في السلطة لفائدة تلك الموجودة سلفا فيها.
ستكون بين حزب الاستقلال والملكية حسابات سياسية ينبغي تسويتها . ففي سنوات 1960-1970،وضمن توجيههم للماضي الوطني،سيجدان على ما يبدو أرضية للتفاهم،فهما معا لهما مصلحة لتقديم هذا الماضي كفعل مشترك متآلف بينهما.هكذا وبغاية شَرعَنة فعلهم والاحتماء من القمع الكولونيالي فإن الاستقلاليين ،وبشكل دائم،قد تشبثوا بتأكيد ارتباط ميلاد وثيقة 11 يناير بنوع من التوافق والتشاور الدائم بين الحزب والقصر .
Co-souverainté وفعلا،وحتى ذلك التاريخ كان السلطان محمد بن يوسف يعتقد بصيغة السيادة-المشتركة والتي سيكتفي وفقها المغرب باستقلال ضمن ترابط متبادل.
الذاكرة الموجَّهة .
مستندة على حزب منتصر،نجحت وبسرعة آلة الدعاية الاستقلالية في فرض وثيقة 11 يناير باعتبارها المطلب الوحيد الشعبي من أجل الاستقلال، بينما أن الوطنيين في المنطقة الإسبانية المسماة منطقة خليفية كانوا سباقين في تقديم "بيانهم/وثيقتهم"يوم 14 فبراير 1943 وذلك بعد أسابيع قليلة من اللقاء بين السلطان ابن يوسف والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت. من جهة أخرى، فبعد يومين من تقديم حزب الاستقلال لوثيقة 11 يناير 1944، لم يتأخر حزب بلحسن الوزاني في تقديم وثيقة حزبه ،أي في 13 يناير 1944 .
يوم 29 فبراير1944 ،عرض الوطنيون بشمال المغرب للسلطان وثيقة جديدة من خلالها كانوا يريدون الاصطفاف إلى جانب إخوانهم في الجنوب .هذه الوثائق الثلاث لن تهمس حولها كتب التاريخ لما بعد الاستقلال بأية كلمة .
الصحافة الرسمية كما صحافة حزب الاستقلال تردد نفس الرسالة والتي فيها ظلت تعتبر وثيقة 11يناير هي الأصل والأساس وأنها إنجاز"الملك والاستقلال".
هناك تحوير(تزوير) آخر لا يستهان به:إنه عدد الموقعين على هذه الوثيقة الثمينة.
فبالفعل،منذ 11يناير1944 عرف عدد الموقعين تضخما ملحوظا. فمن أصل 58 موقع سنة 1944 ، وهو العدد الذي يؤكده الحسن الثاني في كتاب التحدي، انتقل إلى 65 موقع ! وفي قمة التوجيه تُعرض الوثيقة التي اعتُبرت "أصلية" على جدران إدارة الأرشيف الملكي وهي تحمل توقيعات جاءت بعد التاريخ الشهير 11يناير،وحزب الاستقلال نفسه،رغم أنه صاحب المبادرة في الوثيقة،ومن حيث المبدأ فهو الحارس الأمين عليها،اعتمد لائحة الموقعين بعدد ال65.هكذا تذكركم جريدة الرأي وجريدة العلم،يوميتي الحزب،في كل مناسبة بتلك اللائحة التي تم"إغناؤها ب"آباء الأمة".وعلى ساحة البطحاء الشهيرة في مدينة فاس،نفس الوثيقة تم نقشها على رخام لربط الأجيال الجديدة بأحداث تاريخ بلدها. واجبُ الذاكرة!
على الرغم من ذلك ،فإن وثائق الأرشيف متوفرة. حزب الاستقلال بنفسه قام بطباعة نص الوثيقة سنة 1946 بوساطة من ممثليه في باريس،وثيقة تحمل عدد الموقعين عليها في البداية - 58-،بالإضافة لدينا نصوصُ الوثيقة كما تم تقديمها للسلطات الفرنسية وكذا لممثلي قوى التحالف. الأرشيف البريطاني مثلا ما يزال هنا من أجل تأكيد لائحة 58 موقعا. نتوفر أكثر من ذلك على نسخة من الوثيقة الأصل، والتي بعث بها حزب الاستقلال إلى فرعه في باريس بعد وقت وجيز من تقديمها للإقامة العامة والقصر ولممثلي القوى الكبرى.
النسخة الوحيدة، التي يبدو أنها خضعت للتعديل،هي تلك التي أُرسِلت إلى السلطان والتي نجدها اليوم في الأرشيف الملكي بالرباط .وهو ما يمكن فهمه بحكم حضور كثير من أرفع أعضاء الاستقلال بالقصر،والذين فضلوا بعد الاستقلال ربط مصيرهم بمصير المخزن دون قطع الجسور مع الأم الحاضنة :حزب الاستقلال .
مراجع:
الحسن الثاني،التحدي.ألبيني ميشيل.باريس 1976
في لندن. PRO أرشيف
وثائق حزب الاستقلال .
المقال الأصلي:
A propos du manifeste de l’indépendance. Mohamed Elmansour. Zamane. pp.72-73
no .63/2016