إن أي فهم لوضعية التعليم خلال فترة الحماية الفرنسية بالمغرب، لا يستقيم إلا بإستعراض النظام التعليمي والمؤسسات التعليمية التي كانت قبل الحماية. باعتبار أن هذه المؤسسات مختلفة تماما عما جاءت به الحماية. ويمكن تقسيم مؤسسات التعليم حسب تكوينها التاريخي إلى نوعين:
- مؤسسات قديمة وعريقة في القدم
- مؤسسات أحدثت قبل الاحتلال الاستعماري
1. مؤسسات قديمة وعريقة في القدم:هي مؤسسات إرتبطت بحقبة الدعوة الإسلامية، لكونها تقدم تعليما عربيا إسلاميا أتى استجابة للتوجيهات الإسلامية الداعية لطلب العلم ورغبة في فهم الدين وقواعده وأصوله. وارتبطت هاته المؤسسات بأماكن العبادة ( كالكتاتيب القرآنية، المساجد، الزوايا...)، وتعتبر الجامعات العريقة قمة هذا النوع. فبالنسبة للمغرب نجد جامعة القرويين بفاس وكلية ابن يوسف بمراكش.
فالنظام التعليمي الأصيل قبيل الحماية، تميز بكونه نظاما لم يتغير عبر العصور في البلدان الإسلامية سواء في القرى أو المدن، من خلال إستناده إلى القرآن الكريم، كمنظومة ومؤسسات في طابعه العتيق يساير البنيات التقليدية المتواجدة ويحافظ على استمرارها ويعيد إنتاجها، ويقدم تعليما محدودا، خاصا بنخبة محظوظة، لها الإمكانيات المادية لمساعدة أبنائها على مواصلة الدراسة وتبقى أساليب هذا التعليم تقليدية من حيث الاعتماد على الذاكرة والإكراه، إذ يعامل المتعلم الصغير وكأنه راشد، يرتكز على العلوم النقلية في غياب للعلوم العقلية. فالهدف من هذا التعليم هو الحفاظ على استمرارية نخبة ثقافية متشبعة بالتعاليم الإسلامية وإتقان اللغة العربية وقواعدها لتدبير شؤون الدولة والمجتمع وإعادة إنتاجهما.
كل ما سبق، جعل هذا التعليم ، غير مؤهل لمسايرة النمط التعليمي الذي أفرزته عوامل الثورة الصناعية في أوربا وأمريكا الشمالية. وما صاحبها من تغييرات اقتصادية واجتماعية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. إذ ارتكز دوره في الحفاظ على استمرارية نخبة تدبر شؤون الدولة من جهة وتؤازر الحاكم من جهة أخرى. لذا لم يستطع هذا النمط مسايرة ومنافسة التعليم بالشكل الذي اعتمدته أوربا في نهضتها. ولم يتمكن من توفير الأطر الضرورية لنمط الاقتصاد الحديث.
2. مؤسسات أحدثت قبل الاحتلال الاستعماري : ومنها ما أحدث قصد مسايرة التطور والأخذ بأسباب التقدم العلمي الذي بلغته الحضارة الغربية في ذلك الحين، ومنها معاهد أحدثت للجاليات المتواجدة بالبلد، ، أو لتعليم اليهود خلال هاته الفترة.وهي ثلاثة أنواع:
- الخاصة بالعرب المسلمين: جاءت في إطار حركة الإصلاح في المغرب، التي عرفها مباشرة بعد صدمة هزيمة إيسلي في سنة 1844، والتي لم تكن متوقعة حتى بالنسبة للخصوم، ونتيجة آثارها على الأوضاع الداخلية المتأزمة، أصبح الإصلاح ضرورة ملحة، و نال الجانب التعليمي حظه، من خلال تأسيس مجموعة من المعاهد الحديثة، بغاية تكوين أطر إدارية تمكن المخزن من مقومات الاستمرار و هي مدرسة المهندسين بفاس، والمدرسة الحسنية - الألسن- بطنجة. لكن حركة الإصلاح لم تكن شاملة ولا جذرية وكادت تقتصر على الناحية العسكرية، دون مساسها بأنظمة ومؤسسات الحكم، أو حدها من تعسف الحكم المطلق. ولم توفق إلى انقاد المغرب من التبعات، ليقف في وجه السياسة التوسعية للدول الأوربية الاستعمارية لكون هاته المحاولات الإصلاحية، كانت موجهة نحو المظاهر، أكثر منها نحو الانفتاح على العالم المعاصر. وكان التعليم بهذا الشكل يضمن استمرارية الدولة، لذلك لم يكن الحكام بحاجة ماسة إلى بديل عنه. ويتضح ذلك في كونهم لم يعملوا على عصرنته كله، بما في ذلك المؤسسات العريقة، في إطار تحديث و عصرنة شاملة للاقتصاد والمجتمع. بل إكتفوا بإحداث مؤسسات هي نسخة من مثيلاتها الأجنبية ، ركبت على الجسد الاجتماعي، فلم تندمج فيه، ولم تكد تتفاعل معه وتغيره، مما نتج عنه إغلاقها.
- الخاصة باليهود: شهد تعليم اليهود، في المغرب حركة إصلاحية خلال منتصف القرن التاسع عشر هي حركة مدارس الإتحاد الإسرائيلي العالمي، ساعد على ظهورها ما يتمتع به اليهود من امتيازات، بفضل ظهير 5 فبراير 1864م، الخاص بالحرية لليهود، مما سمح بإحداث مجموعة من المدارس العصرية الحديثة، تلقن تعليما عصريا باللغة الفرنسية وتعلم العبرية كمدارس الأطفال بطنجة والصويرة والعرائش ومراكش.... وبالنسبة للبنات، مدارس تطوان وطنجة وفاس والدار البيضاء... وكان عددها سنة 1908، عشرين مدرسة تضم 4000 طفل .
وكانت مدارس الإتحاد، ممولة من طرفه، والصندوق المحلي للجالية ومؤسسات أجنبية، مثل الهيئة المركزية ليهود فرنسا، والمؤسسة الإنجليزية اليهودية بإنجلترا وكان برنامج هذه المدارس محليا. إلا أنه في سنة 1882، فرضت اللجنة المركزية للإتحاد مقررا عاما في كل مدارسها، يعتمد اللغة الفرنسية، لغة تعليم، واللغة الإنجليزية والإسبانية والإيطالية والحساب والهندسة والفيزياء والكيمياء، بالإضافة إلى العبرية والتاريخ اليهودي والتاريخ العام والجغرافية. أما العربية، فضلت غائبة، باستثناء حصص قليلة.
لنخلص إلى أن التعليم الإسرائيلي كان رهينا بتواجد الجالية اليهودية بالمغرب، وساهم في تطوره ونموه الاتحاد الإسرائيلي العالمي. وهذا النوع شكل النواة الأولى للتعليم الأوربي الذي نما بفضل تواجد جاليات أوربية لمهام سياسية أو اقتصادية. وبفعل التنافس الإستعماري والذي شكل التعليم إحدى حلقاته. فماذا عن التعليم الخاص بالأوروبيين ؟
المدارس التعليمية الأوروبية : كان عددها ، ما بين سنتي 1907- 1908، 13 مدرسة إسبانية، و4 مدارس إنجليزية. أما مدارس الرابطة الفرنسية فتنقسم إلى نوعين:
المدارس الفرنسية – العربية: هي مخصصة لأبناء المغاربة، تلقن تعليما فرنسيا أوليا مع بعض المواد باللغة العربية منها: مدرسة طنجة التي أحدثت سنة 1898م، ومدرسة العرائش ومدرسة وجدة ومدرسة فاس ...
المدارس الفرنسية :هي خاصة بأبناء الجالية الفرنسية، برامجها مماثلة للتعليم بالوطن الأم. تتميز بنظام تعليمي حديث. ففي الموسم الدراسي 1907- 1908، كان عددها ثلاثة هي: مدرسة روبيني Robineمدرسة بيري Perrierمدرسة بيترمان Peterman
إلا أنه وجبت الإشارة ، أن المدارس الأوروبية بالمغرب، جاءت في إطار تقديم تعليم ملائم ومشابه للتعليم بالوطن الأم بالنسبة للجاليات الأوروبية ، وكذلك في إطار التنافس الاستعماري بين الدول الأوروبية حولهما، وشكل التعليم إحدى محاوره.
لنخلص أن المغرب حافظ قبل فرض الحماية على استقلاله وعزلته، وعلى بنياته الثقافية والتعليمية الأصيلة، بعيدا عن كل تحديث منقول عن الغرب، وعلى العموم، يمكن وسم التعليم بالمغرب، خلال فترة قبل الحماية الفرنسية، بكونه تميز بغالبية الطابع الديني عليه سواء في مستوياته الأولى ( الكتاتيب القرآنية، المساجد، الزوايا،.....)، أو في مستوياته العليا ( القرويين، وكلية ابن يوسف ) بالنسبة للسكان المسلمين، أو في مدارس الطائفة اليهودية الخاصة باليهود .
المراجع
- الجابري محمد عابد، الجابري محمد عابد، أضواء على مشكل التعليم بالمغرب، دار النشر المغربية، 1985.
شحلان أحمد، محاولة إصلاح التعليم اليهودي بالمغرب في القرن التاسع عشر ودور مدارس الاتحاد الإسرائيلي في أوضاع ما قبل الحماية ضمن ( الإصلاح والمجتمع المغربي في القرن التاسع عشر)، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الربط، 1983.
Baina . A , le système de l’enseignement au Maroc , les éditions Maghrébines , Casablanca , 1981 , Tome I .