هل بالفعل نعيش أزمة هوية في الوطن العربي عامة، والمغرب خاصة ؟ ألا يمكن إعتبار هذا الخطاب، خطابا مفتعلا و" صناعة غربية " لإلهاء الشعوب عن مشاكلها الحقيقية ومطالبها المشروعة في الديمقراطية والتقدم والعيش الكريم ؟ أم أن الأمر أكبر من هذا الإدعاء الذي نحاول به كل مرة الإختباء وراء مفهوم المؤامرة والدسائس المصطنعة ؟
سؤال الهوية بالمغرب، سؤال لايمكن فصله عن تاريخ المغرب وما عاشه من تقلبات إثنية، سوسيو ثقافية ودينية واجتماعية..كما لايمكن عزله عن الدول والإمارات التي تعاقبت عليه والتي تركت بصماتها على مر العصور، انتهاء باستعماره من طرف فرنسا وما خلفته من أثار خطيرة على مستوى التركيبة اللغوية والثقافية والمعيشية للمغاربة.
ومحاولة فك شفرة الهوية بالمغرب، لايمكن أن يتم خارج أزدواجية " الهوية الامازيغية والهوية العروبية" باعتبارهما يشكلان الأساس في بناء الدولة و لحمة المجتمع فترة طويلة من الزمن.
وجدير بالذكر أن الهوية مرتبطة بالأنا، ويرى الأستاذ عبد الله حمودي أن الهوية لا تكون حية ودينامية إلا بمعنى الإختلاف الداخلي معتبرا أنها من دونه تتحجر وتموت .ولعل هذا الاختلاف هو الذي أعطى للمغرب جادبية وتميز بفضل التمازج بين الهويات وهو الذي جعله يعرف أغنى تجربة في العالم، وأن مايقال خارج نطاق " نظرية" التمازج هو كلام اديولوجي وانفعالي لايسنده العلم والمعرفة الموضوعية يوضح حمودي.
وتجدر الإشارة أن هذا التمازج والذي لم يأت صدفة وإنما جاء عبر مسار طويل ساهم فيه دخول الإسلام بشكل كبير، ويعتبر عملة نادرة لم تتحقق في أمريكا وارويا والتي كانت تقودها فرنسا بلد الديمقراطيات والهويات المتعددة والتي رفعت هذه السنين الأخيرة من الإيقاع في" البوليميك الهوياتي" بشكل كبير وخطير جدا، عندما تتهم المهاجرين المسلمين بالانقضاض على مدخراتها التاريخية ومقدساتها العريقة. وهذا جعل ثلة من السياسيين والكتاب والمفكرين يعلنون حالة الطوارئ ويعتبرون أن " فرنسا العظيمة" في خطر كبير بسبب رعونة المسلمين وطقوسهم الفاشية.
وهذا ماسيسجله بفخر كبير السياسي والفيلسوف الفرنسي ذو الأصول البولندية" آلان فينكل كروات" في كتابه الذائع الشهرة " الهوية الشقية " وهو عينة خاصة من الكتب التي تبني قيمتها وراهنيتها من خلال منظور سجالي، بهدف نقض أطروحة الهوية الجماعية التي لايمكن ابتلاعها وتثبيت الهوية النقية والصافية لفرنسا والاتحاد الاروبي.
وقد خلف الكتاب لحظة صدوره جدلا واسعا داخل الأوساط السياسية والأكاديمية بين من اعتبره مادة جاءت في الوقت المناسب لتصحيح وضع مختل وهو ما صفقتا له كل من أنصار الجبهة الوطنية الفرنسية وحزب التجمع من أجل الجمهورية وبين من استقبله بموجة استهجان عارمة معتبرين أنه يدخل ضمن " إديولوجية الهوية " التي يروج له الكتاب، وتضمر عنصرية مع سبق الإصرار والترصد. يوضح الباحث والإعلامي عبد السلام رزاق ( شبكة الجزيرة).
والمتتبع العادي يستشف الدفوع المستفزة لصاحب الكتاب والتي تدينه بامتياز ومن شأنها أن تضع " الديمقراطية الأوربية" محط نقاش جديد، لاسيما أن المواثيق الدولية بما فيها الدساتير الوضعية الأوربية تعتبر" منع أي شخص من ممارسة معتقداته وقناعاته الدينية مسا بحريته الشخصية".
والأكثر من ذلك إنها تضرب في الصميم الأفكار التنويرية التي أتت بها الثورة الفرنسية التي يعتبرها الكاتب قلب أوروبا ومهد الديمقراطية الحديثة والتي لاتتوقف طوال الوقت في إعطاء الدروس للدول التي استعمرتها ومنها المغرب الذي يحاول بكل الوسائل بناء شخصيته وهويته خارج الوصاية الأروبية عامة وفرنسا خاصة.
وجدير بالذكر أن اغلب الباحثين يتفقون، أن زمن اليوم هو زمن الهويات بامتياز، إذ لا وجود في نظرهم لأي مجتمع خال من وجود هويات متساكنة أو متصارعة، سواء أكان صراعها فكريا أو ايدولوجيا أوحربيا عنيفا، وبقد رما يكون التساكن بينها مرتبطا بوسائل الثقافة والدين واللغة والعرق، والاقتصاد، الخ.. يكون التصارع بينها بوسائل الحرب العنيفة التي أصبحت جد متطورة وخطيرة.
ومهما يكن فلا يجب أن نغيب عامل مهم وجديد وهو عامل العولمة الذي اخترق الوطنيات والدول ولم يعترف بالمعطى الهوياتي وأصبح يقوم بعملية تفتيت لكل المكونات الأصلية للأمم ، لكن يبقى عامل أساسي ومهم لمواجهة كل هجوم ظاهر أو مستتر هو بناء نظرية الهوية على أساس التعايش والتساكن حيث يسود الإحترام والتقدير المتبادلين، لكن لايمكن تحقيق ذلك دون الاحتكام إلى الديمقراطية في بعديها الحقوقي والإنساني .
كاتب صحافي من المغرب