يعد العنف الممارس على النوع الاجتماعي من بين المشكلات الاجتماعية الحادة التي تعاني منها المجتمعات التقليدية خاصة الباتريركية ، فالمجتمع المغربي لا يخرج عن سياق المجتمعات الذكورية و بالتالي يستحيل معه الحديث عن مسألة المساواة بين الجنسين . هذه المسألة شكلت التحدي الفكري لرواد السوسيولوجية الوطنية ، فتم فتح الباب للنقاش الفكري مع الجيل الأول من رواد السوسيولوجيا ، وجاء ذلك بموازاة الدينامية العالمية التي يشهدها هذا الموضوع ، خاصة مع إقرار الأمم المتحدة يوم 8 مارس يوم عالمي للمرأة وكذلك التطور الدينامكي للحركات النسائية في المجتمعات الغربية و التقدم الحاصل في الموضوع ... غير أن البنية الثقافية لكل مجتمع هي التي تسهل عملية فتح النقاش الفكري و الحقوقي في الموضوع .إن ثقافة المجتمع المغربي هي ثقافة ذكورية محضة تركز على الهيمنة في السلوك الاجتماعي وتبرير وضعية أعلى للذكور على الإناث و تكرس أشكال الدونية و الطبقية على المرأة و تشرع للرجل ممارسة العنف على المرأة بكل أشكاله و تلاوينه ، و هنا نتساءل عن ما معنى العنف قبل أن نبحث عن أسبابه و دوافعه ؟
العنف سلوك و فعل يقوم به الإنسان و يعتقد أنه وحده في ميدان الفعل ، يمارس على طرف أخر عندما يفشل الحوار ويعكس الرغبة في ممارسة الهيمنة و السلطة و هو نوعان : مادي ظاهرو رمزي خفي . فالعنف المادي يتوزع إلى أنواع و أشكال و عناوين منها العنف الجسدي المرتبط بالقتل ، العنف الجنسي المرتبط بالاغتصاب ، العنف النفسي المرتبط بالتنكيل و الجفاء ... و إذا رجعنا إلى مؤسسة الأسرة فنجد العنف الذي يعاني منه الأزواج يرجع إلى غياب الحوار و التواصل الفعال بين أفراد الأسرة ، إضافة إلى العقلية الذكورية المنغلقة للرجل الشيء الذي يفتح معه الباب لممارسة العنف الذي ينتج عنه حتما الطلاق و التفكك الأسري و ما يتبع ذلك من مشكلات اجتماعية أخرى .
إن العنف المرتبط بالمرأة الذي يمكن تسميته بالعنف الزوجي ، يمارس داخل فضاء الأسرة تكون المرأة ضحية له بعد ذلك الأطفال ، و غالبا ما تكون ممارسة هذا العنف على مرأى و أمام أعين الأطفال . إذن العنف هو ممارسة ثقافية ذكورية متجدرة في ثقافة الإنسان المغربي حتى أصبح هذا العنف و ممارسته من المسلمات البديهية التي لا يمكن المس بها إلى درجة يمكن اعتباره حق لا يمكن منازعته ثقافيا و اجتماعيا باعتباره حالة سوية داخل المجتمع . فوجود الرجل داخل الأسرة يعني امتلاكه حق تعنيف زوجته و أبناءه ولو كان ذلك لسبب بسيط و تافه ، لأن ممارسته تعتبر تثيبت لرجولته التي هي في حقيقة الأمر تكريس لممارسة ذكورية ، وتثبيث لحق يضعه في مرتبة أعلى و المرأة في مرتبة دونية منه . إن المجتمع المغربي يموقع الرجل في مرتبة أعلى و المرأة في موقع دوني طبقي باعتبارها كائن قاصر متخلف ، بل يعتبرها مجال لتحقيق اللذة و إشباع رغبات الرجل ونزواته الجنسية ، و مكان لتفريغ دوافعه العدوانية الحيوانية ، بل أكثر من ذلك فإنهم يضعون المرأة في موقع الأشياء التي يمتلكونها فيتم اعتبارها ملكية خاصة للرجل ، لأن المرأة تحضر في هذه المجتمعات من باب الملكية الخاصة ... له الحق في التصرف فيها وفق ما يشاء الشيء الذي يشرع له ممارسة العنف عليها .
إذن فمصدر العنف هنا هو طبيعة المجتمع ذا الثقافية الباتريركية التي ترفض فكرة المساواة بين الجنسين و تكرس الدونية و الطبقية كتراتبية طبقية طبيعية ، فالمرأة تعنف و عليها أن تكتم تعنيفها و إن باحث به ربما تتعرض أسوأ منه أو قد تتعرض لعنف مضاد من طرف أفراد أسرتها ، لأن ترى في عنف الزوج لزوجته حق طبيعي و ثقافة مجتمع ، و إن لم يكن الأمر كذلك فإن الأمر سيؤول إلى الطلاق ، وفي هذه الحالة تواجه المرأة عنف أخر ، لأن المرأة المطلقة تلقى نظرة إنتقاصية من داخل المجتمع تعمم عليها النظرة الدونية و تكثر حولها فلسفات ويزداد حولها الطلب لافتراسها . الشيء الذي قد يولد معه مشكلات اجتماعية أخرى ، ومن أجل تفادي الطلاق كصورة نرجيسية للعائلة على اعتبار المطلقة تفقد شرفها و بالتالي تسيء لسمعة العائلة و شرفها ، فتشرع العائلة حق ممارسة العنف على الزوجة حفاظا على شرف العائلة .
إن العنف ضد النوع الاجتماعي ظاهرة اجتماعية تتخبط فيها المجتمعات الشبه حداثية ، ففي المغرب مند مدة بدأت تعالج فيها هذه الظاهرة لكن بطرق بسيطة جدا ، فرضتها التحولات التي حدثت داخل المجتمع بتبني المغرب لقوانين دولية و توقيعه لاتفاقيات أممية خففت من حدة الظاهرة خلق معه وعي نسبي روجت له الجمعيات الحقوقية ، فشيدت مراكز الاستماع لضحايا العنف و تمت متابعة ملفات أمام الهيئات الحكومية ... كمحاولة لنشر ثقافة المساواة بين الجنسين ونبد العنف. فالعنف الممارس على النوع الاجتماعي خاصة الزوجة له انعكاس سلبي عليها أولا و على سلوك الطفل ثانيا ، هنا نتساءل كيف يبنى سلوك طفل سوي من داخل أسرة يمزقها العنف و الصراع ؟
من المؤكد جدا أن المحيط الأسري يلعب دور مهم في تكوين شخصية الطفل و هو ما يجعلنا نلاحظ وجود سلوكات منحرفة عند بعض الأطفال مردها إلى الحالات النفسية للطفل خاصة في سلوكه العدواني الشيء الذي يؤدي إلى ظواهر اجتماعية كالتفكك الأسري ، الانحلال الأخلاقي ، الجريمة ...، فإذا كان بيت الأسرة مشحون بحالات العنف المتكررة يوميا فإن الطفل يجد في الشارع الملاذ الأفضل له من مشاهدة مشاهد هوليودية عنيفة متكررة يوميا داخل البيت . يمكن القول إذن أن العنف ضد النوع الاجتماعي مشكلة اجتماعية تسري في كل الحقل الاجتماعي أفقيا و عموديا و لها تأثير على المحيط الأسري ، فالقضاء عليها يعني القضاء على جملة من المشكلات الاجتماعية و السلوكات الغير السوية اجتماعيا .
بيد أن العنف على النوع الاجتماعي لا يقتصر على ما هو مادي ظاهر بمعنى جسدي ، فهناك نوع أخر من العنف غير ظاهر يمارس على النوع الاجتماعي يمكن أن نسميه عنف رمزي كما أطلقه عليه بيير بورديو . فإذا كان العنف المادي جسديا فإن أثاره قد تزول على مستوى الجسد لكن الأخطر تأثيرا على المرأة و المجتمع هو العنف الرمزي أو العنف الوديع الجميل ، وهنا يجب أن نتساءل عن مدى وعي النوع الاجتماعي بالعنف الرمزي الممارس عليها ؟
إن المجتمع المغربي كمجتمع عربي ، وانتماءه مجاليا إلى دول الجنوب ، يظهر هشاشة البنية العقلية للمرأة المغربية ومدى امتلاكها الوسائل لتفكيك الخطاب و تحليل العنف الرمزي الممارس عليها ، يمكن أن نقول بأن المرأة المغربية أصبحت المرأة -الأكثر -ممارس عليها هذا العنف بعد التضييق القانوني و تجريم العنف الجسدي ، فأضحت ضحية لنوع جديد تقبل هي أن يمارس عليها بإرادتها ، غير أن ذلك يرجع لغياب الوعي و التفكير الهش و انتشار مفهوم الحداثة و فهمه بصورة مقلوبة فانتقل هذا المفهوم من مجال السياسة إلى مجال التعليم ثم إلى مجالات الحياة كلها و أثرها على ذهن المرأة وما رسخته وسائل الإعلام خصوصا التلفاز ، فمثلا نلمس جانب من العنف الرمزي في شخصية المرأة تعكسه شخصيتها الضعيفة عندما يغلب عليها جانب الإشهار و تتأثر به وهو ما ينعكس في مظهرها الخارجي عندما تحاول أن تتقمص أدوار مسرحية واقعية لشخصيات خيالية تمت مشاهدتها عبر التلفاز ، هنا تكون المرأة بمثابة تلك السوق الممتازة لترويج منتجات استهلاكية إعلامية غالبا ما تأخذ شكل مسلسلات ، ففي ذلك ممارسة للعنف على المرأة بطريقة هزلية ساخرة لا تحس به إلا النخبة من النساء و هنا نرجع للعمل الذي قام به بيير بورديو عندما حلل المجتمع الرأسمالي فقال بأننا نؤمن بالمساواة بين الجنسين و القوانين تدل على ذلك ، والمرأة أعطي لها ما يكفي من حقوق في المجتمع الفرنسي بل أكثر مما كانت تتصور غير أنه بحث فيما وراء الظاهرة وقال أن المساواة بين الجنسين أمر لم يحسم بعد .
أعتقد أنه بدل أن يمارس عنف مادي ظاهر أصبح يمارس عنف رمزي سهل و لطيف تجاوز محيط الأسرة ، فأصبح يمارس من طرف شركات الإشهار فيما يعرف بالموضة أو جراحة التجميل ، فأصبحت المرأة مهتمة بالذهاب لصالونات التجميل لأنها فرضت عليها إعلاميا معايير للجمال و القوام من طرف شركات إعلامية يكون ورائها رجال ، وهنا تكون اللامساواة تمارس بشكل خفي وفي مصلحة الرجل ويصبح النساء يتسابقن لامتلاك جمال فياض و أنوثة جذابة و يجعلها متعلقة بجسدها ذلك الجسد الذي كان يعنف من قبل .
يمكن القول باختصار أن ممارسة العنف في المجتمع المغربي أخذت شكلين لا زالا يمارسان إلى اليوم . فنحن لسنا مجتمع حداثي في كافة المجالات حتى يتسنى لنا الحديث عن أطروحة المساواة و تحقيقها لأن ذلك يفترض تهديم البنية الثقافية الذكورية للمجتمع و هو شيء يستحيل كليا إن لم يتحقق جزئيا تدريجيا وهو الشيء الملاحظ مند 50 سنة الماضية ، فرغم التحديث القانوني للحد من العنف الظاهري إلا أن ذلك يبقى ضعيف مقارنة مع دول و مجتمعات أخرى كما هو الحال في أوربا ، فلا يكفي استبدال الاكسسوارات و القوانين للحد من الظاهرة بل ينبغي إحداث ثورة فكرية في البنية الثقافية للمجتمع و تحرير المرأة من العبودية و الملكية الخاصة ، غير أنه رغم الافتراض بتحقيق المساواة في المجتمعات المعاصرة إلا أن تأملا سوسيولوجيا بسيطا يعكس ذلك إذا أخدنا فرنسا كنموذج فقد تم احترام القاعدة السوسيولوجية و أخذت الظاهرة شكلا آخر فبذل العنف المادي الجسدي أصبح يمارس على المرأة عنف رمزي وديع لا تعيه إلا النخبة من النساء فما بالك بمجتمع تنتشر فيه الأمية ؟ يمكن أن نقول بأن العنف ضد النوع الاجتماعي خرج في مرحلة تاريخية بشروط معينة من الباب و دخل بلباس حداثي و بماكياج معاصر من النافدة ، فتم تكريس الأشكال الراقية من العنف على المرأة حتى أفقدها وعيها و سلبها حريتها الإنسانية فانعدمت روحها الإنسانية بعدما أصبحت سجينة و عبدة لجسدها .