"العولمة نظام يمكن الأقوياء من فرض الدكتاتوريات اللاإنسانية التي تسمح بافتراس الضعفاء بذريعة التبادل الحر وحرية السوق"[1]
ربما كان إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عام 1971 القاضي بفك الارتباط بين الدولار والذهب وانهيار نظام بريتون وودز هو البداية الفعلية للعولمة ولكن ما حصل هذه الأيام من عاصفة مالية هوجاء وإفلاس عدد كبير من البنوك وتعطل السير والتراجعات في العديد من الأسواق المالية والبورصات العالمية وخسارة عدة شركات ورجال الأعمال لأرصدتهم ورؤوس أموالهم في دقائق معدودات هو "وول ستريت" ثانية تشبه ما حدث في المنظومة الرأسمالية سنة 1929 من أزمة أدت إلى الكساد والتضخم والانهيار التام للاقتصاد العالمي وهو أيضا علامة على الفشل الذريع الذي انتهت إليه إيديولوجيا العولمة ونهوض جديد للفيلسوف المختص في الاقتصاد السياسي كارل ماركس من قبره وعودة تحليلاتها العلمية في كتابه الشهير رأس المال إلى الحياة والى مسطح المعرفة واسترجاع انتقاداته للثقافة التحررية لفعلها في الساحة الفكرية الشعبية وخاصة دعواه المركزية بأن الرأسمالية تحمل بين أحشائها بدور فنائها. لكن لماذا حدث الذي حدث في زمن شهد انتصارا كاسحا لليمين السياسي وسيطرة تامة وحقيقية للعقيدة الليبرالية على المستوى الاقتصادي أين تحولت ثقافة العولمة إلى مقدس كوني يدين له الكل بالولاء والطاعة؟
ما يقوله الاقتصاد السياسي النقدي عن أسباب الأزمة هو التفاوت بين الوعود والانجازات، بعبارة أخرى ان العولمة تقدم مجموعة من الوعود بالنسبة للمواطنين على صعيد الثقافة والاقتصاد والسياسة ولكن هذه الوعود يكشف التاريخ عن زيفها وكذبها وتدور أساسا حول التبشير بالحرية والديمقراطية والرخاء ودولة الرفاه ومجتمع الوفرة والسعادة بالمعنى الدنيوي لأن ما حصل عليه الناس من العولمة وما حملت إلينا الأيام هو بروز الأنظمة الشمولية والمجتمع ذو البعد الواحد وتحول الأفراد إلى حشود وانتهاء الأفراد والجماعات والشركات والمؤسسات إلى الخسارة المادية وتبخر الأملاك والثروات والأموال والشقاء الروحي والتعاسة الوجودية والبطالة والفقر وتصدير الحروب وتشجيع النزاعات وتخريب الطبيعة وتدنيس القيم وتهديد مستقبل الحياة على الأرض وتخلى الإنسان عن إنسانيته, فماهي الأسباب الفعلية التي أدت إلى مثل هذه الوضعية المحرجة؟
تعد العولمة على الصعيد الاقتصادي بما يلي:"كل شيء صار في كل مكان, ان اقتناص الأرباح بسرعة الضوء ، الثراء السريع لأفراد الدول ، مائة مليون دولار في الدقيقة من وراء المضاربة في البورصة أو المراهنة على الأوراق المالية بزيادة قيمة الأسهم بشكل مذهل وغير متوقع والترفيع في نسبة الفائدة وقيمة الضريبة وجني حزينة الدول عدد كبير من الأرباح ، تلك هي الوعود الاقتصادية للعولمة ،بحيث لو طلب اليوم من سكان العالم لأي أسلوب من الحياة هم يفضلون لاختاروا الأسلوب الذي يمكنهم من كل شيء وخاصة منتجات الحداثة المعدة للاستهلاك مثل السيارة والفيلات الفخمة والحاسوب واللاقط الهوائي ومرسلة الإشارات اللاسلكية.وبرز مفهوم الحرية الاقتصادية كبديل عن الحرية السياسية ويعني فتح السوق أمام البضائع الأجنبية وتسهيل عملية التصدير والتوريد بإزالة القيود الجمركية وتحرير تنقل رؤوس الأموال.وهكذا لم تعد الشمس تغيب عن سماء الشركات العملاقة متعددة الجنسيات ولم يفتقر أي سوق في العالم لبضائعها. وبذلك كانت العولمة انتصارا للجميع ووعدت بالترفيع في عائدات الدول وأرباح المؤسسات وأجور العمال،وبالتالي زادة في الناتج الخام ولقيمة الدخل الفردي وتحسن المقدرة الشرائية للمواطنين وبالتالي دوران الحركة الاقتصادية وما تفرزه من تقدم ورخاء، وسبب ذلك أنه لم يحدث ان انصهر العدد الهائل من الاقتصاديات القروية والوطنية في اقتصاد عالمي شمولي واحد كما حدث الآن مع العولمة.
كما أن الثراء والتقدم بالنسبة للدول النامية قد أصبح ممكن التحقيق حسب وعود الليبرالية بفضل القروض الاستثمارية التنموية والتجارة العالمية التي أدت إلى تقريب المستويات المعيشية بين الطبقات وفسخ الهوة التي كانت تفصل الشمال عن الجنوب والمركز عن المحيط. ويعتبر كل من ميلتون فريدمان وفون هايك منظرا العولمة على المستوى الاقتصادي لأنهما وضعا حد النظرية كينز وروجا للنظرية النقدية ... ومن هنا فقد دعمت كثير من الدول تلك الصناعات التي تضمن تحقيق نمو اقتصادي سريع و تزيد من الطلب على اليد العاملة ، إلا أن هذه الطريقة في المعالجة أخفقت و أثيرت حولها الشكوك بفعل ارتفاع أسعار النفط في السبعينات وعدم تمكن الحكومات من السيطرة على العجز في الميزانية والتحكم في التضخم ،ولم تحافظ أسعار العملات على استقرار قيمتها المعهودة في سوق الصرف.
لذلك جاءت الليبرالية الجديدة وخاصة النظرية النقدية ،مع فون هايك في مؤلفه "الطريق إلى العبودية"، كمحاولة لتجاوز المزالق التي وقع فيها علم الاقتصاد الكينزي. وقد جعلت هذه النظرية الجديدة كلا من الليبرالية والتحرير والخوصصة ثلاثة وسائل إستراتجية ينبغي على الدولة إتباعها كمسالك إيديولوجية لتحقيق سياسة اقتصادية ناجعة تؤدي إلى قيام مجتمع الوفرة ودولة الرفاه، ومن هذا المنطلق أوكل كل من فريدمان وهايك إلى الحكومة مهمة تحرير الأسواق ورؤوس الأموال والاقتصاد وإعادة هيكلة المؤسسات لأنه كلما تمتعت المشاريع بحرية أكبر في الاستثمار واستخدمت اليد العاملة ذات كفاءة ومواد أولية زهيدة التكاليف كان النمو أكبر والربح في أعلى درجاته وتحقق مستوى اقتصادي أعلى للجميع. من أجل تحقيق كل ذلك رفعت القيود على رؤوس الأموال وحررت التجارة العالمية وأمكن للأموال المدخرة في البنوك أن تنقل إلى واحات آمنة تهربا من الضرائب ورغبة في تحقيق أعلى الأرباح وأفضل العائدات، وظهرت النتائج المترتبة عن هجرة الأموال واعتماد القرض الاستثماري مشجعة ،لأن انتقال الأموال من البلدان الغنية برؤوس الأموال إلى المناطق المحتاجة إلى الفرص الاستثمارية قد حققت للمستثمرين أكبر ما يمكن جنيه من ربح .وبالنسبة للمقترضين وفرت لهم فرص عمل كثيرة وتطور اقتصادي مرموق.وكمحصلة نهائية ستكسب كل الأمم بفضل هذا الانتقال السريع للأموال والبضائع تقنيات الإنتاج غير المحدود, وستكسب كل الدول الربح والثراء وستحقق قدرا من الرفاهة والسعادة الاستهلاكية الموعودة."[2]
لكن هل حققت العولمة هذه الوعود؟ والى أي مدى التزم منظروها بالمبادئ التي رسموها إلى أنفسهم وترجم التاريخ تخميناتهم الاقتصادية والسياسية؟
في الواقع جاءت صيرورة الأحداث على غير ما يشتهي الجميع وتفاجئ كل المحللين بتفجر أزمة اقتصادية عالمية تركزت بالأساس في القطاع المالي والمصرفي وتمثلت في تعطل السيولة والهبوط الحاد في نسبة النمو وبروز مظاهر الانكماش ودخول الاقتصاد العالمي في مرحلة كساد غير منتظرة.
ان سبب ما حصل هو الخلل البنيوي الذي تعاني منه الرأسمالية الاعتباطية في مرحلتها الامبريالية المعولمة وخاصة انتشار ظاهرة المراهنة بالأوراق المالية وغياب السندات أثناء إعطاء القروض مما يعطل عملية تسديدها وتهرب أصحاب رؤوس الأموال من الضرائب والتجائهم إلى الواحات البنكية الآمنة وتفشي غسيل الأموال والربي المجحف والأموال الملوثة والحرص على إبقاء التفاوت بين فئة الأغنياء القليلة في المجتمع وشريحة الفقراء العريضة وبين بلدان الشمال الغني وبلدان الجنوب الفقير والهوة المالية وتكريس التطور اللامتكافىء والإثراء السريع لدى قطاعات اقتصادية طفيلية والتخلي عن قطاعات اقتصادية حيوية لا تحقق إلا أرباح معقولة.
إننا نعيش في منحدر خطر وعلى حافة الهاوية ومستقبل الحياة على الأرض بات مهددا وعلى قاب قوسين أو أدنى وبان بالكاشف أن العولمة هي السبب وأن الإقبال على الاستهلاك من أجل تحريك عجلة التنمية الاقتصادية قد أدى إلى الجنون وأن الاحتكام إلى النقاش الحر في السوق لا يثمر مشروعا مجتمعيا بل يخلف العديد من الضحايا وينتج الأزمات والفوضى.
لكن ماهي المخاطر الجسيمة المحدقة بالإنسانية والمنجرة عن العولمة الاقتصادية؟ ألا تؤدي الأحداث الحاصلة هذه الإقرار بأن العولمة في طريقها إلى الزوال؟
والحق أن العولمة "تعنى إلى حد الآن ما في أروقة الأمم المتحدة وهياكلها السياسية وفي أسواق المال والبورصات الاقتصادية وأمام شاشات الحواسيب المتصلة بالأنترنت أمركة العالم إلى حد ما.فالجميع بما فيهم أوروبا يشعرون بالعجز عن مواجهة التنين الكبير: الولايات المتحدة الأمريكية, مثلما تشعر الدول بالعجز عن منازلة الوحش المفترس: السوق لأنه تحت سيطرة عصابة من لصوص الأموال يتصرفون على نحو غير معقول ويصرفون الدولار دون الاحتكام إلى أي تفسيرات منطقية ويعبثون بالأحياء والأموات بشكل غير معهود دون احترام للطبيعة والإنسان، لأن السلطة لم تعد بيد القانون والدولة ،بل بيد المال والسوق .على هذا النحو سببت العولمة مشاكل وأخطار جسيمة على صعيد السياسة والاقتصاد والثقافة والبيئة، وأوقعت الإنسان في أوهام عديدة،الأمر الذي جعل بعض المفكرين الحقيقيين لا يختلفون في القول بأن العولمة حقيقة مفزعة وجحيم لا يطاق بالنسبة للإنسانية ينبغي مواجهته والتصدي لها.
لقد بان بالكاشف ان فكرة العولمة العادلة خرافة،وأن السعادة الفردية الموعودة تخفي تعاسة جماعية حقيقية.لأن شريعة العولمة هي شريعة الذئاب،أوقعت الديمقراطية في المصيدة وأوصلت أصوليين متمدنين إلى السلطة لا يقدر أي كان على أن ينقذ نفسه منهم لأنهم مجرمون إلى أقصى مدى, يستنزفون أموال الدولة ويساهمون في انحطاط السياسة ويمثلون خطرا على مستقبل السيادة الوطنية.وفي هذا النظام المعولم لم نعد ندرك لمن الدولة ؟هل لرجال المال أم للحكام ؟ لم نعد ندري من هم الجناة ومن هم الضحايا ؟, فالطبقة الوسطى التي كانت في الماضي أساس التوازن قد اضمحلت تدريجيا ليحل محلها تفاوت صارخ بين الطبقات. وقد بزغ نجم فئة من السماسرة والمضللين المتطرفين الأمر الذي جعل القرار السياسي خاضع لإرادة المستثمرين، وجعل الدولة تحابي فئة تتمتع بالامتيازات على فئات أخرى تشكل عبئا على كاهل ميزانيتها لعدم اندماجهم في الدورة الاقتصادية ولعدم حاجة الاقتصاد لمؤهلاتهم وخبراتهم. ان الأمر الذي عقد الوضعية يتمثل في أن الانفتاح المالي يجبر بعض الدول على التنافس على تخفيض الأداءات الجمركية وقيمة العملات والتنصل من الالتزامات في المجال الاجتماعي والخدمات الإنسانية والاقتراض لتغطية العجز والترفيع في الضرائب.
بالتالي برز مفهوم الدولة الرخوة في علاقتها بشعبها. خصوصا أن دولة الرفاه لن تحقق انجازاتها إلا بالحد من النفقات المخصصة لتحقيق العدالة الاجتماعية وبالتوزيع اللامتساوي للثروة،وعندما تتخلى هذه الدولة عن الرقابة الحدودية على تنقل رؤوس الأموال فإنها تترك المجال لاندلاع تجاوزات وانفلات قوى ذاتية خطيرة النتائج تقوض سيادة الأمم وتخلق الفوضى في الشأن العام ويضحى غالبية السياسيين خاضعين لرقابة مالكي وسائل الإنتاج وتحت هيمنة بعض المستثمرين الذين ينضمون إلى قائمة التكنوقراطيين الذين يختصرون في تقييم السياسة الاقتصادية للدول ويستمدون نفوذهم من الحرية التي يتمتعون بها في استثمار رساميلهم أينما شاءوا وفي أي مكان من العالم، خاصة وأن الدول انتهجت سياسة اقتصادية وجبائية تساعدهم على ذلك،فهي غير قادرة على فرض الضرائب عليهم وضبط رأسمالهم كسند شرعي على أعمالهم.لم نعد ندري أمام هذه الفوضى في الخيارات وانهيار المرجعيات السياسية التقليدية وتميز النموذج الليبرالي بالوحشية ماذا نفعل والى أين نذهب؟هل نعود إلى خيارات الماضي أم نتمسك بخيارات الحاضر رغم إفلاسها؟
ان العولمة هي وصول نمط الإنتاج الرأسمالي إلى نقطة الانتقال من عالمية التبادل والتوزيع والسوق والتجارة والتداول إلى عالمية دائرة الإنتاج وإعادة الإنتاج، وبعبارة أخرى هي عولمة الإنتاج والرأسمال الإنتاجي وقوى الإنتاج الرأسمالية.وبالتالي علاقات الإنتاج الرأسمالية أيضا ونشرها في كل مكان خارج مجتمعات المركز إلى الأطراف بالتوسع الإمبريالي وتحقيق نمط من الإنتاج الكولونيالي.
إنها أممية رأس المال وتسليع كل شيء، وهي حصيلة التحول الرأسمالي العميق للإنسانية جميعا،في ظل هيمنة دول المركز وبقيادتها الرشيدة وتحت سيطرتها وفي ظل سيادة نظام عالمي للتبادل غير المتكافئ. هذه الرأسمالية تحمل الجميع ما لا طاقة لهم به،فهي تمارس ديكتاتورية غير مسؤولة وتؤسس إمبراطورية الفوضى لأنها تكرس اللامساواة،وتنتج مجتمع الخمس الثري والأربعة أخماس فقراء،وتضغط على الحياة الفردية بحيث لم تعد الحكومات المنتخبة ديمقراطيا هي التي تسير دواليب الاقتصاد وتقرر مستوى الضرائب ،بل صار القائمون على توجيه تدفقات رأس المال والسلع هم الذين يحددون مقدار المبالغ التي يريدون دفعها لكي تستطيع الدولة أن تؤدي المهام الموكلة إليها.
ان فشل الدولة في التعامل مع فوضوية السوق العالمية أصبح أمرا مستعجبا ويبرز سيطرة الاقتصاد على السياسة,إذ فقدت الحكومات في أرجاء المعمورة قدرتها على الأخذ بزمام المبادرة،رغم أن تدفق السلع ورؤوس الأموال قد اتخذ أبعادا عالمية.ولكن التوجيه والرقابة بقيت من مشمولات الدول التي كشفت عن عجزها عن القيام بهذه المهمة.كذلك من أمراض العولمة الاقتصادية التخلي التدريجي عن العمل وتسريح العمال والعودة إلى العمل بالأجر اليومي ،وكأننا في ظل الاقتصاد اللامادي نعيش عصر اللاعمل بحيث أن ما يوفره المجتمع ما بعد صناعي من فرص الشغل لا يغطي سوى 20% من اليد العاملة المتوفرة في سوق الشغل وبالتالي فإن 80% المتبقين يدرجون ضمن صفوف العاطلين.
وقد اتضح للعيان أن الرفاهية من خلال التجارة الحرة هو وعد كاذب لأن الكارثة في أسواق المال قابلة للاندلاع في أي لحظة نتيجة المراهنة على الأوراق المالية في البورصة وسيطرة الأجهزة الالكترونية على العمليات المالية وكأننا على أبواب أزمة اقتصادية عالمية شبيهة بأزمة 1929"[3].
هذه ليست نبوءة ولكنها قراءة فكرية لما يمكن أن يحدث وقد حدث بالفعل ما كنا لا نرغب في حدوثه فماذا يمكن أن يصنع العرب في ظل تفاقم الأزمة المالية العالمية؟ هل نتبع سياسة انكماشية تعول على الذات وتتبنى نموذج اقتصاد الحرب مما يعود بنا إلى الوراء أم نعود إلى دولة الرعاية والقطاع العام ونقلم أظافر القطاع الخاص والاقتصاد المركزي الذي تخططه وتشرف عليه الدولة؟
صفوة القول أننا قصرنا في مواجهة العولمة ولم نعمل على بناء عولمة بديلة ولذلك قد نكون نحن العرب مجبرين أكثر من أية شعب آخر على دفع الثمن باهظا نتيجة حالة التردد والارتباك والضعف في مستوى المبادرة والتخطيط الاستراتيجي وقد دعا البعض إلى استعاد نموذج الطريق الثالث الذي يثمن اشتراكية السوق والاستثمار الاجتماعي ويستلهم نظرية كينز الذي تتمحور حول ما يلي:" وكان كينز قد دعا إلى رفع الحكومة إلى مصاف المستثمر المالي الرئيسي في الاقتصاد الوطني والتدخل عبر التخطيط وبرمجة الموازنة المالية في النشاطات الاقتصادية لغاية تصحيح حالات البطالة والركود التي أفرزها السوق والقضاء على الانكماش والتضخم ، وبالتالي معالجة الأزمات الاقتصادية الطارئة مثل أزمة 1929. لقد نادى كينز برفع الحكومات للطلب الكلي من خلال زيادة الإنفاق الاستثماري إذا تميزت الحالة السائدة بالركود وتفاديا لانكماش النمو الاقتصادي. أما إذا أرادت الحكومات التخلص من التضخم قبل وقوعه في الحالات التي تتميز بنشاط اقتصادي يفوق حجم الطاقات الإنتاجية المتاحة ، فينبغي عليها استخدام الإيرادات الضريبية لتسديد ما ترتب عليها من ديون أنفقتها في تمويل المشاريع الاستثمارية التي واجهت بها حالة الركود"[4].
لعل هذا القول هو من أكثر الأقوال التي تنطبق على حالنا:" نحن لم نعد قادرين على التفكير بمستقبلنا مثلما كنا نقول بالأمس. وإننا مازلنا نجهل كيف نفكر به على نحو آخر.بهذا المعنى هناك أزمة. لكن هذا الانقلاب ليس فقط نتاج ضربة سيئة في التاريخ فهو متصل أيضا بانقلاب في نطاق عقلانيتنا بالذات.إنها أزمة تمثلات العالم وأزمة تمثلات السياسة اللتان تترابطان لتعززا من شك بدا يمحو كثافة بياناتنا. ان ماهو بطريقه إلى الموت هو أيضا مفهوم علم مبني ومشبك كأنه كل متناسق ذو صيرورة دينامية. وإننا نكتشف أن العالم لا تحركه آلة تضبط الزمان وتنظم المكان.فهو لا يعمل كمحرك انطلاقا من مركز يرتب وينسق. ان الصور التي اعتدنا على قراءة المجتمع من خلالها قد أصبحت بالية جدا. فالنموذج الكبير الممركز والمتراتب حيث كل شيء منتظم في مستويات ومراتب وقطاعات هيمنة لم يعد سوى علامة من علامات عالم يموت."[5] فهل تستعيد العولمة ما كانت فقدته عند لحظة تشكلها الأول وهو الربط بين العملة المتداولة وكمية الذهب الموجودة في خزينة الدولة؟ ألا تؤدي هذه الأزمة إلى أفول العولمة ونهاية عالم القطب الواحد وتشكل عالم جديد متعدد الأقطاب ويكون الاقتصاد الرأسمالي مجرد خيار بين خيارات أخرى يمكن أن تعتمد عليها الدول؟
المراجع:
ب .روزانغالون/ ب. قيقري ، نحو ثقافة سياسية جديدة، ترجمة خليل أحمد خليل دار الطليعة بيروت الطبعة الأولى1982
زهير الخويلدي ، مفارقات العولمة ، كتاب لزومية العود على بدء، طبعة أولى تونس 2007.
روجي غارودي،العولمة: الواقع الجذور البدائل، ترجمة د محمد السبيطلي،دار الشوكاني للنشر والتوزيع، صنعاء، 1998.
كاتب فلسفي
روجي غارودي ،العولمة: الواقع الجذور البدائل ترجمة د محمد السبيطلي، دار الشوكاني للنشر و التوزيع، صنعاء، 1998، ص17[1]
[2] زهير الخويلدي ، مفارقات العولمة ، كتاب لزومية العود على بدء، طبعة أولى تونس 2007، ص294-295
[3] زهير الخويلدي ، مفارقات العولمة ، كتاب لزومية العود على بدء، طبعة أولى تونس 2007، ص297-300
[4] زهير الخويلدي ، مفارقات العولمة ، كتاب لزومية العود على بدء، طبعة أولى تونس 2007، ص294-295
[5] ب .روزانغالون/ ب. قيقري نحو ثقافة سياسية جديدة ترجمة خليل أحمد خليل دار الطليعة بيروت الطبعة الأولى1982 ص 92
كما أن الثراء والتقدم بالنسبة للدول النامية قد أصبح ممكن التحقيق حسب وعود الليبرالية بفضل القروض الاستثمارية التنموية والتجارة العالمية التي أدت إلى تقريب المستويات المعيشية بين الطبقات وفسخ الهوة التي كانت تفصل الشمال عن الجنوب والمركز عن المحيط. ويعتبر كل من ميلتون فريدمان وفون هايك منظرا العولمة على المستوى الاقتصادي لأنهما وضعا حد النظرية كينز وروجا للنظرية النقدية ... ومن هنا فقد دعمت كثير من الدول تلك الصناعات التي تضمن تحقيق نمو اقتصادي سريع و تزيد من الطلب على اليد العاملة ، إلا أن هذه الطريقة في المعالجة أخفقت و أثيرت حولها الشكوك بفعل ارتفاع أسعار النفط في السبعينات وعدم تمكن الحكومات من السيطرة على العجز في الميزانية والتحكم في التضخم ،ولم تحافظ أسعار العملات على استقرار قيمتها المعهودة في سوق الصرف.
لذلك جاءت الليبرالية الجديدة وخاصة النظرية النقدية ،مع فون هايك في مؤلفه "الطريق إلى العبودية"، كمحاولة لتجاوز المزالق التي وقع فيها علم الاقتصاد الكينزي. وقد جعلت هذه النظرية الجديدة كلا من الليبرالية والتحرير والخوصصة ثلاثة وسائل إستراتجية ينبغي على الدولة إتباعها كمسالك إيديولوجية لتحقيق سياسة اقتصادية ناجعة تؤدي إلى قيام مجتمع الوفرة ودولة الرفاه، ومن هذا المنطلق أوكل كل من فريدمان وهايك إلى الحكومة مهمة تحرير الأسواق ورؤوس الأموال والاقتصاد وإعادة هيكلة المؤسسات لأنه كلما تمتعت المشاريع بحرية أكبر في الاستثمار واستخدمت اليد العاملة ذات كفاءة ومواد أولية زهيدة التكاليف كان النمو أكبر والربح في أعلى درجاته وتحقق مستوى اقتصادي أعلى للجميع. من أجل تحقيق كل ذلك رفعت القيود على رؤوس الأموال وحررت التجارة العالمية وأمكن للأموال المدخرة في البنوك أن تنقل إلى واحات آمنة تهربا من الضرائب ورغبة في تحقيق أعلى الأرباح وأفضل العائدات، وظهرت النتائج المترتبة عن هجرة الأموال واعتماد القرض الاستثماري مشجعة ،لأن انتقال الأموال من البلدان الغنية برؤوس الأموال إلى المناطق المحتاجة إلى الفرص الاستثمارية قد حققت للمستثمرين أكبر ما يمكن جنيه من ربح .وبالنسبة للمقترضين وفرت لهم فرص عمل كثيرة وتطور اقتصادي مرموق.وكمحصلة نهائية ستكسب كل الأمم بفضل هذا الانتقال السريع للأموال والبضائع تقنيات الإنتاج غير المحدود, وستكسب كل الدول الربح والثراء وستحقق قدرا من الرفاهة والسعادة الاستهلاكية الموعودة."[2]
لكن هل حققت العولمة هذه الوعود؟ والى أي مدى التزم منظروها بالمبادئ التي رسموها إلى أنفسهم وترجم التاريخ تخميناتهم الاقتصادية والسياسية؟
في الواقع جاءت صيرورة الأحداث على غير ما يشتهي الجميع وتفاجئ كل المحللين بتفجر أزمة اقتصادية عالمية تركزت بالأساس في القطاع المالي والمصرفي وتمثلت في تعطل السيولة والهبوط الحاد في نسبة النمو وبروز مظاهر الانكماش ودخول الاقتصاد العالمي في مرحلة كساد غير منتظرة.
ان سبب ما حصل هو الخلل البنيوي الذي تعاني منه الرأسمالية الاعتباطية في مرحلتها الامبريالية المعولمة وخاصة انتشار ظاهرة المراهنة بالأوراق المالية وغياب السندات أثناء إعطاء القروض مما يعطل عملية تسديدها وتهرب أصحاب رؤوس الأموال من الضرائب والتجائهم إلى الواحات البنكية الآمنة وتفشي غسيل الأموال والربي المجحف والأموال الملوثة والحرص على إبقاء التفاوت بين فئة الأغنياء القليلة في المجتمع وشريحة الفقراء العريضة وبين بلدان الشمال الغني وبلدان الجنوب الفقير والهوة المالية وتكريس التطور اللامتكافىء والإثراء السريع لدى قطاعات اقتصادية طفيلية والتخلي عن قطاعات اقتصادية حيوية لا تحقق إلا أرباح معقولة.
إننا نعيش في منحدر خطر وعلى حافة الهاوية ومستقبل الحياة على الأرض بات مهددا وعلى قاب قوسين أو أدنى وبان بالكاشف أن العولمة هي السبب وأن الإقبال على الاستهلاك من أجل تحريك عجلة التنمية الاقتصادية قد أدى إلى الجنون وأن الاحتكام إلى النقاش الحر في السوق لا يثمر مشروعا مجتمعيا بل يخلف العديد من الضحايا وينتج الأزمات والفوضى.
لكن ماهي المخاطر الجسيمة المحدقة بالإنسانية والمنجرة عن العولمة الاقتصادية؟ ألا تؤدي الأحداث الحاصلة هذه الإقرار بأن العولمة في طريقها إلى الزوال؟
والحق أن العولمة "تعنى إلى حد الآن ما في أروقة الأمم المتحدة وهياكلها السياسية وفي أسواق المال والبورصات الاقتصادية وأمام شاشات الحواسيب المتصلة بالأنترنت أمركة العالم إلى حد ما.فالجميع بما فيهم أوروبا يشعرون بالعجز عن مواجهة التنين الكبير: الولايات المتحدة الأمريكية, مثلما تشعر الدول بالعجز عن منازلة الوحش المفترس: السوق لأنه تحت سيطرة عصابة من لصوص الأموال يتصرفون على نحو غير معقول ويصرفون الدولار دون الاحتكام إلى أي تفسيرات منطقية ويعبثون بالأحياء والأموات بشكل غير معهود دون احترام للطبيعة والإنسان، لأن السلطة لم تعد بيد القانون والدولة ،بل بيد المال والسوق .على هذا النحو سببت العولمة مشاكل وأخطار جسيمة على صعيد السياسة والاقتصاد والثقافة والبيئة، وأوقعت الإنسان في أوهام عديدة،الأمر الذي جعل بعض المفكرين الحقيقيين لا يختلفون في القول بأن العولمة حقيقة مفزعة وجحيم لا يطاق بالنسبة للإنسانية ينبغي مواجهته والتصدي لها.
لقد بان بالكاشف ان فكرة العولمة العادلة خرافة،وأن السعادة الفردية الموعودة تخفي تعاسة جماعية حقيقية.لأن شريعة العولمة هي شريعة الذئاب،أوقعت الديمقراطية في المصيدة وأوصلت أصوليين متمدنين إلى السلطة لا يقدر أي كان على أن ينقذ نفسه منهم لأنهم مجرمون إلى أقصى مدى, يستنزفون أموال الدولة ويساهمون في انحطاط السياسة ويمثلون خطرا على مستقبل السيادة الوطنية.وفي هذا النظام المعولم لم نعد ندرك لمن الدولة ؟هل لرجال المال أم للحكام ؟ لم نعد ندري من هم الجناة ومن هم الضحايا ؟, فالطبقة الوسطى التي كانت في الماضي أساس التوازن قد اضمحلت تدريجيا ليحل محلها تفاوت صارخ بين الطبقات. وقد بزغ نجم فئة من السماسرة والمضللين المتطرفين الأمر الذي جعل القرار السياسي خاضع لإرادة المستثمرين، وجعل الدولة تحابي فئة تتمتع بالامتيازات على فئات أخرى تشكل عبئا على كاهل ميزانيتها لعدم اندماجهم في الدورة الاقتصادية ولعدم حاجة الاقتصاد لمؤهلاتهم وخبراتهم. ان الأمر الذي عقد الوضعية يتمثل في أن الانفتاح المالي يجبر بعض الدول على التنافس على تخفيض الأداءات الجمركية وقيمة العملات والتنصل من الالتزامات في المجال الاجتماعي والخدمات الإنسانية والاقتراض لتغطية العجز والترفيع في الضرائب.
بالتالي برز مفهوم الدولة الرخوة في علاقتها بشعبها. خصوصا أن دولة الرفاه لن تحقق انجازاتها إلا بالحد من النفقات المخصصة لتحقيق العدالة الاجتماعية وبالتوزيع اللامتساوي للثروة،وعندما تتخلى هذه الدولة عن الرقابة الحدودية على تنقل رؤوس الأموال فإنها تترك المجال لاندلاع تجاوزات وانفلات قوى ذاتية خطيرة النتائج تقوض سيادة الأمم وتخلق الفوضى في الشأن العام ويضحى غالبية السياسيين خاضعين لرقابة مالكي وسائل الإنتاج وتحت هيمنة بعض المستثمرين الذين ينضمون إلى قائمة التكنوقراطيين الذين يختصرون في تقييم السياسة الاقتصادية للدول ويستمدون نفوذهم من الحرية التي يتمتعون بها في استثمار رساميلهم أينما شاءوا وفي أي مكان من العالم، خاصة وأن الدول انتهجت سياسة اقتصادية وجبائية تساعدهم على ذلك،فهي غير قادرة على فرض الضرائب عليهم وضبط رأسمالهم كسند شرعي على أعمالهم.لم نعد ندري أمام هذه الفوضى في الخيارات وانهيار المرجعيات السياسية التقليدية وتميز النموذج الليبرالي بالوحشية ماذا نفعل والى أين نذهب؟هل نعود إلى خيارات الماضي أم نتمسك بخيارات الحاضر رغم إفلاسها؟
ان العولمة هي وصول نمط الإنتاج الرأسمالي إلى نقطة الانتقال من عالمية التبادل والتوزيع والسوق والتجارة والتداول إلى عالمية دائرة الإنتاج وإعادة الإنتاج، وبعبارة أخرى هي عولمة الإنتاج والرأسمال الإنتاجي وقوى الإنتاج الرأسمالية.وبالتالي علاقات الإنتاج الرأسمالية أيضا ونشرها في كل مكان خارج مجتمعات المركز إلى الأطراف بالتوسع الإمبريالي وتحقيق نمط من الإنتاج الكولونيالي.
إنها أممية رأس المال وتسليع كل شيء، وهي حصيلة التحول الرأسمالي العميق للإنسانية جميعا،في ظل هيمنة دول المركز وبقيادتها الرشيدة وتحت سيطرتها وفي ظل سيادة نظام عالمي للتبادل غير المتكافئ. هذه الرأسمالية تحمل الجميع ما لا طاقة لهم به،فهي تمارس ديكتاتورية غير مسؤولة وتؤسس إمبراطورية الفوضى لأنها تكرس اللامساواة،وتنتج مجتمع الخمس الثري والأربعة أخماس فقراء،وتضغط على الحياة الفردية بحيث لم تعد الحكومات المنتخبة ديمقراطيا هي التي تسير دواليب الاقتصاد وتقرر مستوى الضرائب ،بل صار القائمون على توجيه تدفقات رأس المال والسلع هم الذين يحددون مقدار المبالغ التي يريدون دفعها لكي تستطيع الدولة أن تؤدي المهام الموكلة إليها.
ان فشل الدولة في التعامل مع فوضوية السوق العالمية أصبح أمرا مستعجبا ويبرز سيطرة الاقتصاد على السياسة,إذ فقدت الحكومات في أرجاء المعمورة قدرتها على الأخذ بزمام المبادرة،رغم أن تدفق السلع ورؤوس الأموال قد اتخذ أبعادا عالمية.ولكن التوجيه والرقابة بقيت من مشمولات الدول التي كشفت عن عجزها عن القيام بهذه المهمة.كذلك من أمراض العولمة الاقتصادية التخلي التدريجي عن العمل وتسريح العمال والعودة إلى العمل بالأجر اليومي ،وكأننا في ظل الاقتصاد اللامادي نعيش عصر اللاعمل بحيث أن ما يوفره المجتمع ما بعد صناعي من فرص الشغل لا يغطي سوى 20% من اليد العاملة المتوفرة في سوق الشغل وبالتالي فإن 80% المتبقين يدرجون ضمن صفوف العاطلين.
وقد اتضح للعيان أن الرفاهية من خلال التجارة الحرة هو وعد كاذب لأن الكارثة في أسواق المال قابلة للاندلاع في أي لحظة نتيجة المراهنة على الأوراق المالية في البورصة وسيطرة الأجهزة الالكترونية على العمليات المالية وكأننا على أبواب أزمة اقتصادية عالمية شبيهة بأزمة 1929"[3].
هذه ليست نبوءة ولكنها قراءة فكرية لما يمكن أن يحدث وقد حدث بالفعل ما كنا لا نرغب في حدوثه فماذا يمكن أن يصنع العرب في ظل تفاقم الأزمة المالية العالمية؟ هل نتبع سياسة انكماشية تعول على الذات وتتبنى نموذج اقتصاد الحرب مما يعود بنا إلى الوراء أم نعود إلى دولة الرعاية والقطاع العام ونقلم أظافر القطاع الخاص والاقتصاد المركزي الذي تخططه وتشرف عليه الدولة؟
صفوة القول أننا قصرنا في مواجهة العولمة ولم نعمل على بناء عولمة بديلة ولذلك قد نكون نحن العرب مجبرين أكثر من أية شعب آخر على دفع الثمن باهظا نتيجة حالة التردد والارتباك والضعف في مستوى المبادرة والتخطيط الاستراتيجي وقد دعا البعض إلى استعاد نموذج الطريق الثالث الذي يثمن اشتراكية السوق والاستثمار الاجتماعي ويستلهم نظرية كينز الذي تتمحور حول ما يلي:" وكان كينز قد دعا إلى رفع الحكومة إلى مصاف المستثمر المالي الرئيسي في الاقتصاد الوطني والتدخل عبر التخطيط وبرمجة الموازنة المالية في النشاطات الاقتصادية لغاية تصحيح حالات البطالة والركود التي أفرزها السوق والقضاء على الانكماش والتضخم ، وبالتالي معالجة الأزمات الاقتصادية الطارئة مثل أزمة 1929. لقد نادى كينز برفع الحكومات للطلب الكلي من خلال زيادة الإنفاق الاستثماري إذا تميزت الحالة السائدة بالركود وتفاديا لانكماش النمو الاقتصادي. أما إذا أرادت الحكومات التخلص من التضخم قبل وقوعه في الحالات التي تتميز بنشاط اقتصادي يفوق حجم الطاقات الإنتاجية المتاحة ، فينبغي عليها استخدام الإيرادات الضريبية لتسديد ما ترتب عليها من ديون أنفقتها في تمويل المشاريع الاستثمارية التي واجهت بها حالة الركود"[4].
لعل هذا القول هو من أكثر الأقوال التي تنطبق على حالنا:" نحن لم نعد قادرين على التفكير بمستقبلنا مثلما كنا نقول بالأمس. وإننا مازلنا نجهل كيف نفكر به على نحو آخر.بهذا المعنى هناك أزمة. لكن هذا الانقلاب ليس فقط نتاج ضربة سيئة في التاريخ فهو متصل أيضا بانقلاب في نطاق عقلانيتنا بالذات.إنها أزمة تمثلات العالم وأزمة تمثلات السياسة اللتان تترابطان لتعززا من شك بدا يمحو كثافة بياناتنا. ان ماهو بطريقه إلى الموت هو أيضا مفهوم علم مبني ومشبك كأنه كل متناسق ذو صيرورة دينامية. وإننا نكتشف أن العالم لا تحركه آلة تضبط الزمان وتنظم المكان.فهو لا يعمل كمحرك انطلاقا من مركز يرتب وينسق. ان الصور التي اعتدنا على قراءة المجتمع من خلالها قد أصبحت بالية جدا. فالنموذج الكبير الممركز والمتراتب حيث كل شيء منتظم في مستويات ومراتب وقطاعات هيمنة لم يعد سوى علامة من علامات عالم يموت."[5] فهل تستعيد العولمة ما كانت فقدته عند لحظة تشكلها الأول وهو الربط بين العملة المتداولة وكمية الذهب الموجودة في خزينة الدولة؟ ألا تؤدي هذه الأزمة إلى أفول العولمة ونهاية عالم القطب الواحد وتشكل عالم جديد متعدد الأقطاب ويكون الاقتصاد الرأسمالي مجرد خيار بين خيارات أخرى يمكن أن تعتمد عليها الدول؟
المراجع:
ب .روزانغالون/ ب. قيقري ، نحو ثقافة سياسية جديدة، ترجمة خليل أحمد خليل دار الطليعة بيروت الطبعة الأولى1982
زهير الخويلدي ، مفارقات العولمة ، كتاب لزومية العود على بدء، طبعة أولى تونس 2007.
روجي غارودي،العولمة: الواقع الجذور البدائل، ترجمة د محمد السبيطلي،دار الشوكاني للنشر والتوزيع، صنعاء، 1998.
كاتب فلسفي
روجي غارودي ،العولمة: الواقع الجذور البدائل ترجمة د محمد السبيطلي، دار الشوكاني للنشر و التوزيع، صنعاء، 1998، ص17[1]
[2] زهير الخويلدي ، مفارقات العولمة ، كتاب لزومية العود على بدء، طبعة أولى تونس 2007، ص294-295
[3] زهير الخويلدي ، مفارقات العولمة ، كتاب لزومية العود على بدء، طبعة أولى تونس 2007، ص297-300
[4] زهير الخويلدي ، مفارقات العولمة ، كتاب لزومية العود على بدء، طبعة أولى تونس 2007، ص294-295
[5] ب .روزانغالون/ ب. قيقري نحو ثقافة سياسية جديدة ترجمة خليل أحمد خليل دار الطليعة بيروت الطبعة الأولى1982 ص 92