تعد مجلة" لاماليف" بحق مرجعا سياسيا و اقتصاديا و ثقافيا، لفترات مهمة من تاريخ المغرب، وبداية لأهم المثقفين و المبدعين الذين يملؤون حياتنا الثقافية ( كعبد الله ساعف مثلا) ،و السياسيين الذين يسيرون الشأن العام ( كفتح الله ولعلو و الحبيب المالكي ) و للذاكرة .سأحاول أن أسلط الضوء على هاته التجربة الصحفية في هاته الأسطر . مجلة " لاما ليف" مجلة مكتوبة باللغة الفرنسية ،ظهرت يوم 15 مارس 1966 بالمغرب تحث إدارة محمد لغلام و أوكل رئاسة تحريرها لزوجته "جاكلين ديفيد "المعروفة باسم زكية داوود المجلة صادرة عن" لغلام برس".
دلالة الاسم
"لاما ليف "كلمة مكونة من حرفيين عربيين يشكلان "لا" ،وهي فكرة زوج زكية داوود محمد لغلام الذي وافته المنية مؤخرا ، مما يحيل على موقف المجلة و انتمائها للمعارضة المغربية،سعيا منها لتجاوز الحاضر لفهم الماضي و المستقبل و إعطاء نظرة عن الرغبة في العطاء و البناء، و ذلك ما عبرت عنه المجلة في افتتاحية عددها الأول.
فالمجلة كانت ترمز للرغبة في التغيير، و تعتبر أن كل شيء لابد أن يكون موضع تساؤل في ذلك تقول زكية داوود في حوار لشبكة الصحافة العربية " نحن نعيش في مجتمع يتظاهر بالأشياء و نحن نرفض أن نرضخ لهذا المنطق ".
ظروف الميلاد
عاش المغرب في نهاية الخمسينات و بداية الستينات، حالة غليان سياسي حيث الصراع الخفي بين القصر و حزب الاستقلال و داخل الحزب نفسه، فاتسمت المرحلة بالتضييق على حرية الصحافة حيث تم منع جريدة " التحرير " لسان حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية فأصبح اليسار لا يملك أي منبر إعلامي للتواصل مع قواعده ،كما كان المغرب الحديث العهد بالاستقلال، يعيش وضعية مفصلية صعبة حيث خرج من انتخابات محبطة سنة ،وصراع مفتوح بين القصر ومحيطه و حزب المهدي بنبركة، حيث ظهرت فترة 1963
توقف فيها الصراع على السلطة بينهما، و على المستوى الصحفي تميزت الفترة بغياب الجرائد و المجلات الأجنبية عن الأكشاك المغربية في هذه الظرفية ظهرت لاما ليف على يد زكية داوود و زوجها محمد لغلام.
اهتمامات المجلة
لاما ليف حسب افتتاحية العدد الأول، هي مجلة ثقافية لاستحالة عيش الشعوب بدون ثقافة تعبر عن مشاكلهم و متمنياتهما، سواء اقتصادية لأن الاقتصاد إجابة و تعبير عن حاجة الإنسان النفسية و الثقافية و التي يسعى لإشباعها ، و اجتماعية لتعبيرها عن مجموعة من الأشياء التي تحكمنا. فمشاكلنا اجتماعية قبل أن تكون ذات طابع اقتصادي أو طابع سياسي كما أنها مجلة للدراسة و البحث و التحليل إلا أن الاهتمام الجوهري انصب على القضايا السياسية.
لم تكتف المجلة في تغطيتها للنقاشات على الثقافي، بل لجأت إلى علماء الاقتصاد الجدد القادمين من فرنسا كفتح الله ولعلو و نجيب أقصبي ،لتشريح الواقع المغربي على المستوى الاقتصادي، و استعانت بعلماء السوسيولوجيا كعبد الكبير الخطيبي رحمه الله و فاطمة المرنيسي في مقالاتها حول المرأة في سعيها لتقويض الفكر الأبيسي.
كانت لاما ليف رمز التغيير كانت ضد اللاعدالة، ضد الدوس على الحقوق، فاستطاعت ان تعبر عن فترة سياسية عصيبة و عنيفة من تاريخ المغرب، باعتبارها فضاء مفتوحا للنقذ من خلال مواكبتها للنقاشات بعد فشل سياسات الإصلاح في التعليم ومسألة اللغة و الهوية و الإسلام السياسي ،وانفتحت على الرسم و السينما فأصبحت مرجعا ثقافيا و فضاء و فرصة للتفكير في المستقبل و استشراف أفاقه، و تعبيرا عن قوة الإرادة في التغيير. فكانت مؤسسة صحفية للتواصل الشعبي مع الجماهير، فعبرت عن مسيرة جيل أو جيلين حسب زكية داوود في إحدى حواراتها مع " اجوردوي لماروك " .
نهاية المسار
كما كانت الولادة قيصرية و صعبة كانت النهاية أصعب، حيث بلغت المجلة العدد مائتين، و مسيرة تمتد لاثنين و عشرين ن سنة من العمل الصحفي الشاق، تم استدعاء زكية داوود للقاء الرجل القوي في النظام آنذاك الراحل إدريس البصري وزير الداخلية و الاتصال حينها ،لتقرر بعد اللقاء و بعد حوار مع صحفيي المجلة إنهاء مسارها و الرحيل إلى باريس.
،التي امتدت لمدة اثنين و عشرين سنة، مرجعا 1988-1966شكلت مسيرة " لاما ليف"
ثقافيا و سياسيا و اقتصاديا لكل الدارسين في تلك المرحلة، و مدرسة أمدت المغرب بالأطر
التي تسير دواليب الدولة، فقد أصبح من أقلامها الوزير و الكاتب المبدع و الجامعي المشهور و اختفى البعض الآخر عن دائرة الضوء لتبقى لاما ليف رمزا للصحافة المقاومة.