إذا كانت معظم الأبحاث والدراسات المتعلقة بكتابات عميد الأدب العربي طه حسين (1889-1973) قد توجهت إلى بيان أفكاره وآرائه التي لطالما شغلت الناس في زمنه وبعد وفاته لتشكيكها في المعتقدات الأدبية والفكرية والتراثية، فإنها قليلة تلك الكتابات التي انصبت على البحث عن الأوجه البلاغية والتداولية للكاتب. في هذا السياق، تأتي هذه الدراسة التحليلية لتحاول الكشف عن أهم المظاهر التداولية والحجاجية في أحد النصوص المقتطفة من كتاب " في الأدب الجاهلي" وهو:" متى يوجد تاريخ الآداب العربية "، مبرهنة على البناء المنطقي والطبيعة الاستدلالية التي تميزت بها إنتاجات المؤلف. وقد اعتمدت في هذا المقال على وجه الخصوص على التقنيات الحجاجية التي وضعها شايم برلمان (1912-1984) ولوسي أولبريخت تيتيكا (1899-1987) في كتابهما " مصنف في الحجاج- الخطابة الجديدة"[1]، حيث عنيت بمعاينة مدى هذه حضور هذه التقنيات من خلال الوسائل اللغوية والمنطقية وشبه المنطقية في نص طه حسين، إضافة إلى أساليب ووسائل أخرى ساهمت في إضفاء البعد الحجاجي وترسيخ اقتناع القارئ بأطروحة الكاتب.
يقع النص موضوع الدراسة والتحليل: " متى يوجد تاريخ الآداب العربية " في الفصل الثامن من الباب الأول من كتاب " في الأدب الجاهلي " لطه حسين. وهو عبارة عن مقال نقدي يتناول فيه صاحبه بالشرح والتفصيل قضية تأريخ الأدب العربي ومدى إمكانية ذلك، وهو بذلك يطرح قضية تطبيقية تكمل الأبعاد النظرية لتأريخ الأدب وفق مقاييس معينة تم ذكرها في الفصل السابق المعنون ب"مقاييس التاريخ الأدبي"، حيث أبرز أن المقياس المناسب لكل كتابة تاريخية ذات أبعاد علمية رصينة في مجال الآداب هو المقياس الأدبي خلافا للمقياسين السياسي و العلمي. وعليه، فإن النص هو تساؤل من نوع آخر، لكنه يدخل في علاقة تكاملية مع الفصل السابق من جهة، وفي علاقة تخصيصية له أو علاقة جزء بكل من جهة ثانية حين يحصر قضية تأريخ الأدب في الثقافة العربية.
وستنصب قراءتنا للنص على بيان الوسائل المنطقية وكذا اللغوية التي يستند عليها، وذلك بغية القبض على وظائفها الحجاجية وطاقتها الإقناعية في جعل المتلقي يقتنع بصحة الأطروحة، إلا أن ذلك يستوجب منا بداية الكشف عن هذه الأطروحة النصية.
تتحدد أطروحة النص في دعوة الكاتب إلى كتابة تاريخ الآداب العربية بشكل صحيح قائم على البحث العلمي والفني. وهي دعوة يِِؤكد عليها من خلال البرهنة على انتفاء مصنفات ذات قيمة علمية في تاريخ الأدب العربي نظرا لفقدان الباحثين العرب لمبادئ الكتابة التاريخية ومبادئ العلوم التي من شأنها أن تعين على ذلك، ناهيك عن غياب الجهود المتضافرة إذ إن كتابة تاريخ الآداب كما يرى طه حسين تحتاج إلى فريق عمل يتقاسم أفراده المهام التي تبدأ من استكشاف النصوص و تحقيقها إلى غاية دراستها دراسة تحليلية ونقدية عميقة.
و يخضع النص لبناء واضح ومنطقي ومحكم، الأمر الذي يجعل قارئه يشعر بتكامل أجزائه وترابطها و انعدام وجود فجوات فيما بينها، حتى لتغذو كقطع الحجارة المتراصة والمتلاحمة. ففي الفقرة الأولى يؤكد الكاتب على ضرورة تضافر جهود العلماء و الباحثين لكتابة تاريخ الآداب أي أنه يؤكد على ما يجب أن يكون، وتأتي الفقرة الثانية متولدة عما سبق ومتفرعة عنه حين توضح أن هذه الجهود المتفرقة لم تبذل بعد في ثقافتنا العربية أي أنها تبين ما هو كائن. هذه الفكرة الأخيرة تتأكد في الفقرة اللاحقة. و بعد طرح هذه المعطيات يتم استخلاص النتيجة في الفقرة التالية حينما يرى الكاتب أنه في غياب هذه الجهود العلمية التي تعنى بالدرس الحقيقي للنصوص وأصحابها وتاريخها لم تنتج الثقافة العربية تاريخا لآداب اللغة العربية بالمعنى الصحيح. أما الفقرة الأخيرة فهي تخصص النتيجة المستخلصة و تؤكدها، تخصصها حينما تبين أن كل الذين كتبوا تاريخ الآداب العربية لم يراعوا الشروط العلمية والفنية في إنجازه وبالتالي فإنهم لم يضعوا تاريخ الأدب العربي بالمعنى الصحيح، وتؤكدها ببيان الفكرة المحورية القائلة إن جيل الكاتب غير قادر على كتابة تاريخ الأدب العربي في ظل غياب الجهود العلمية المتفرقة والمتضافرة فيما بينها.
إن مثل هذا البناء المتماسك الذي تتوالد فيه كل فكرة عن سابقتها وتتفرع عنه كل فقرة من جوف الأخرى لهو من خصائص الكتابة الحجاجية باعتباره يسمح للمتلقي باستيعاب مضمون النص و الاقتناع بأطروحته مادام أن العقل البشري يسهل عليه فهم المعطيات الخاضعة لتنظيم وترتيب معلوم.
ويضفي حضور القياس في النص طابعا منطقيا مهما، ويتجلى ذلك في مناسبتين:
في الأولى يتم قياس تاريخ الآداب على تاريخ العلوم الطبيعية من حيث اشتراكهما في الوصف العلمي، الخاص بالنصوص الأدبية بالنسبة للأول والمتعلق بالكائنات الطبيعية بالنسبة للثاني، وذلك انطلاقا من أصل معنى كلمة "HISTOIRE" كما ورد عند أرسطاطاليس عندما كتب تاريخ الحيوان. وهذه المعلومة التي يعتمد عليها الكاتب هي بمثابة مقدمة حجاجية تدخل في باب الحقائق ذات الطبيعة العلمية، وهي كذلك وجه من أوجه الاتصال التواجدي الذي يدخل في إطار التقنيات الحجاجية المؤسسة لبنية الواقع باعتبارها تمثل سلطة علمية موثوق بصحتها الأمر الذي يدفع المتلقي إلى قبولها و الاقتناع بفحواها وبالسياق الذي وردت فيه. ولعل النتيجة المضمرة من وراء قياس تاريخ الآداب على تاريخ العلوم الطبيعية هي التأكيد على أن تاريخ الآداب محتاج إلى جهود علمية عميقة من أجل وضعه، وهي جهود لا تقل عن تلك التي يقوم بها العالم البيولوجي.
وفي المناسبة الثانية يتم قياس الشعراء الذين ما يزالون مجهولين على البحثري كنموذج من هؤلاء الشعراء الذين لم يدرسوا ولم تقرأ دواوينهم قراءة كاملة من قبل الزاعمين بكتابتهم لتاريخ الأدب العربي. ومأتى الوجه الحجاجي في هذا القياس هو دفع القارئ إلى الاقتناع بالمزاعم الواهية لكتاب تاريخ الأدب العربي ومن تم التنبه إلى غياب تاريخ أدبي صحيح الأمر الذي من شأنه شحذ الهمم والنهوض من السبات بغية إخراج الثقافة العربية من هذا المأزق.
ويأخذ النص تماسكه وبعده المنطقي كذلك عن طريق الحضور المهم لتقنية الوصل السببي القائم على علاقة تعليلية بين السبب و النتيجة. ففي بداية الفقرة الثانية يتأسس الوصل السببي على طرح النتيجة وهي أن تاريخ آداب اللغة العربية لم يوضع بعد، ثم يتم الكشف عن أسبابها بواسطة الرابط المناسب لهذا الوصل وهو "لأن"، وهي محددة في أمرين متكاملين يمكن اعتبار ثانيهما، وهو عدم انتشار العلوم المساعدة على دراسة النصوص دراسة علمية وفنية وعدم قدرة الباحثين على ضبط مبادئها وأسسها بشكل علمي صحيح في البلاد العربية في عهد الكاتب، علة للأول وهو عدم تضافر جهود الباحثين في الدراسة الشاملة للنصوص. ويحضر هذا الوصل كذلك في الفقرة الخامسة عن طريق نفس الرابط ("لأن") لبيان المزاعم الباطلة لمن يكتبون تاريخ الأدب العربي في وصفهم للحياة السياسية والعلمية والفنية والأدبية لبغداد كمركز رئيسي لازدهار الأدب العربي في عهد الدولة العباسية أمام عدم التماسهم لحياة الحاضرة العباسية انطلاقا من المصادر الحقيقية، وفي إصدارهم لأحكام قطعية على الأدباء دون قراءة نتاجهم الإبداعي، وفي جهلهم بالأدب لعدم قراءتهم لنصوصه.
ومن أهم الوسائل ذات البعد المنطقي الموظفة في النص، نجد ثنائيات الحدود. وهي طريقة أساسية من طرائق الفصل الحجاجي يستند عليها النص في إبراز زيف المدعين كتابتهم لتاريخ الأدب العربي بالشكل الصحيح. ومن أهم المؤشرات اللغوية الدالة على ذلك الأفعال التالية: "يزعم"، "يجهل"، "يكذبون"، "يتخيلون"، "يتهالكون"، "يحتكرون"، "قلدوا وأسرفوا في التقليد أو بالغوا فأسرفوا في المبالغة". ويتمثل دور هذا الفصل الحجاجي في حمل القارئ على تمثل مظهرين اثنين للشيء الواحد أو المعطى الواحد، مظهر زائف ظاهري براق من حيث إنه أول ما تصادفه الحواس ويراه الفكر، وهو ادعاء بعض مؤرخي الأدب وضعهم لتاريخ الأدب العربي و هم في حقيقة الأمر لم يقوموا سوى بتقليد بعض الكتب التراثية التي عنيت بتأريخ الأدب ككتاب الأغاني وغيره الأمر الذي يجعل عملهم يفتقد للشروط العلمية والفنية الصحيحة، و مظهر هو الحقيقة عينها وهو عدم وجود تاريخ لآداب اللغة العربية. على أن طريقة الفصل هذه لا تعين المتلقي على تمثل حقيقة الأشياء فحسب بل تدعوه بإلحاح إلى معانقتها فهي الحقيقة وإلى ترك غيرها فهو الزائف، أي تدعو الباحثين العرب الغيورين على ثقافتهم إلى النهوض من غفوتهم والشروع في وضع تاريخ أدبي صحيح وفق ضوابط علمية وفنية معلومة.
ويزخر النص بجملة من الوسائل اللغوية التي تساهم متضافرة في الإقناع بأطروحة الكاتب، من ذلك النزوع إلى تأكيد الخطاب قصد تمكينه وتقريبه من ذهن المتلقي بواسطة:
- تكرار بعض مقاطع الخطاب : "... من شخصية قوية لها من... حظ عظيم" مرتان، "محتاج إلى من..." مرتان "، كيف تريد أن تضع تاريخ الأدب العربي" ثلاث مرات، وفي مرة رابعة يعوض ب" تاريخ الأدب العربي" "تاريخ الآداب العربية"، "يكذبون حين..." مرتان.
- وجود توازي في بعض الصيغ التركيبية مثل: "... ولم يدون للغة العربية فقهها على نحو ما دون فقه اللغات الحديثة والقديمة، ولم ينظم للغة العربية نحوها وصرفها على نحو ما نظم للغات الحديثة والقديمة نحوها وصرفها".
ويسمح هذا التكرار والتوازي بإضفاء نغمة موسيقية وتلوين صوتي على النص الأمر الذي من شأنه شد انتباه المتلقي وتعطيل قدراته العقلية وتسليمه وإذعانه للأطروحة المدافع عليها، كما أنه يسمح بإبراز شدة حضور فكرة الكاتب ويعمل على ترسيخها في ذهن قارئه.
- تكرار بعض الكلمات المفاتيح في النص مثل: " تاريخ "، " الآداب العربية "، " الأدب العربي "، " العلوم "، " العلماء "،" الجهود "، " مجهولة أو كالمجهولة "، " مجهولين "، " مجهولا "، " يجهلونه ".
يتضح أن الألفاظ تم انتقائها بعناية، وهي ذات وقع حجاجي كبير على المخاطب مادامت أنها تساهم كلها في تزكية وجهة نظر الكاتب الرامية إلى تأكيد عدم وجود تاريخ الآداب العربية بالمفهوم الصحيح الذي يجب أن يكون عليه.
- الأسلوب الاعتراضي: ويحضر في مناسبتين:
- "... - فهو- إلى ما يحتاج إليه من شخصية قوية لها من العلوم الأدبية التي أشرنا إلى بعضها حظ عظيم أيضا - محتاج – إلى شيء آخر لابد منه..."، ويفيد هنا التقوية والتوكيد.
- "... وكل ما يستطيع أن يعمل - وليته يستطيع – هو أن يعنى..."، ويفيد هنا التوكيد الهادف إلى إثبات محدودية قدرة الباحثين في جيله.
ومن أهم الوسائل اللغوية التي تقوم بوظائف حجاجية هامة في النص، نجد الأسلوب الاستنكاري الذي يجعل القارئ مشاركا مع الكاتب في الدفاع عن الأطروحة العامة للنص. وقد تجلى هذا الأسلوب عبر صيغتي التعجب والاستفهام. فأما صيغة التعجب، فهي تهيمن على جزء مهم من النص، حيث يبدأ ورودها من السطر الرابع في الفقرة الثانية إلى نهاية الفقرة الثالثة. وفيها يتم طرح سؤال ذي طبيعة تعجبية في بداية الجملة حول كيفية وضع تاريخ الأدب العربي، ويتلوها ذكر عائق يحول دون إمكانية كتابة هذا التاريخ، الأمر الذي يعضد فكرة الكاتب ويدفع القارئ إلى التسليم والإذعان. أما فيما يخص الاستفهام، فإنه يرد في مناسبتين: مرة في العنوان: " متى يوجد تاريخ الآداب العربية؟"، ومرة في السطر الرابع من الفقرة الخامسة: " وما رأيك فيمن يصف ما يجهل؟ ". وفي المناسبتين معا يخرج الاستفهام عن معناه الأصلي ليعانق معانيه السياقية ذات الأبعاد الاستنكارية معطيا للنص حيوية تسهل تلقيه وفهمه، كما أنه يسمح بإشراك المتلقي في البحث عن الجواب قبل تلقيه لاحقا، ويشد انتباهه ويدفعه إلى الإذعان والاقتناع.
ومن الطرائق الحجاجية المهمة في النص اعتماد وسيلة الحضور كما هو الحال مع هذه العبارات : " هذه الجهود "، " هذه العلوم "، " هذه النتائج "، "هذه الكلمة " التي تجعل المفاهيم و المصطلحات ذات الطبيعة المجردة حسية وحاضرة في ذهن المتلقي وشاخصة وماثلة أمام عينيه. ومن شأن هذا الحضور الذي يدعمه اسم الإشارة للقريب " هذه " التأثير في وجدان المخاطب كما يؤكد ذلك برلمان وتيتيكا في كتابهما " مصنف في الحجاج - الخطابة الجديدة ".
ويعد التعبير المادي الملموس وسيلة حجاجية هامة يتم اللجوء إليها بهدف تقريب الفكرة المجردة إلى ذهن المتلقين باختلاف مستوياتهم الفكرية. ويظهر ذلك في اعتبار الكاتب الجهود العلمية المتفرقة في دراسة النصوص الأدبية - دراسة تبدأ من الاستكشاف والتحقيق إلى التحليل والنقد العميق- بمثابة مواد أولية للبناء وأرضية خصبة تسمح بوضع تاريخ آداب اللغة العربية. يتبين ذلك في الصفحة 50: "... وهو هذه الجهود العلمية المتفرقة التي لا تحصى، والتي تهيئ له مواده الأولية إن صح هذا التعبير"، ثم في الصفحة 53: "... والذين يقفون حياتهم وجهودهم على تهيئة الأرض وإعداد مواد البناء ".
ويتميز أسلوب الكاتب في النص بالوضوح و السلاسة والبساطة على غرار كتاباته الأخرى التي جعلت نقاده تستحسنها كما هو الشأن مع محمد مندور(1907-1965) حينما يؤكد في كتابه " في الميزان الجديد " أن أسلوب طه حسين سمح وواضح وفيه سهولة: " والناظر في أدبنا الحديث يجد عدة أنواع من الأساليب: فثمة أسلوب طه حسين الذي يعرفه الجميع، أسلوب سمح تسلم الصفحة منه عند أول قراءة كل ما تملك، فلا تشعر بالحاجة إلى أن تعود تستوحيها جديدا، ولكنك رغم ذلك تحمد للكاتب يسره. أسلوب واضح الموسيقى، يكشف في سهولة عن أصالته، فيقلده الكثيرون بوعي منهم أو بغير وعي، ولكنه مع ذلك موسيقى نفس. أسلوب عذب."[2] . ولعل مثل هذه البساطة، وهذا الوضوح ليحمل أبعادا حجاجية هامة إذ إنه يسمح بالتواصل مع قراء متعددين ومختلفي المستوى الفكري والثقافي الأمر الذي بإمكانه أن يفضي إلى اقتناعهم.
وتجدر الإشارة إلى تأسس النص على مبدأ حجاجي بارز ذي طبيعة أخلاقية، وهو مبدأ التودد القائم على إشراك القارئ في موضوع النقاش عن طريق التوجه بالخطاب إليه بشكل مباشر بواسطة ضمير المخاطب مثل: " يظهر لك "، " كيف تريد أن تضع تاريخ الأدب العربي وأنت لم تستكشف ولم تحقق ولم تفسر كثرة النصوص العربية القديمة في الجاهلية والإسلام "، " تبين لك "، " فتمكنك بذلك من تفهم النصوص "، " فلا تصدق من يزعم لك "، " وما رأيك "، " وأنت تستطيع أن تصدقني مطمئنا ". وهكذا، يحس القارئ أنه يتخذ مكانة متميزة تجعله قريبا من الكاتب وكأنه يجالسه في مكان معلوم ويتناقش معه، ناهيك عن ارتفاعه إلى مرتبته الأمر الذي يجعل كل الحدود بين المتراسلين تندثر وتتبدد وهو ما يخلق ارتياحا لدى المخاطب نتيجة اطمئنان المخاطب له من خلال عنايته به وثقته فيه مما من شأنه التعجيل بحصول اقتناعه.
وتأسيسا على ما سبق، نخلص إلى القول إن النص هو عبارة عن مقال نقدي حاول فيه الكاتب الإقناع بأطروحته الداعية إلى كتابة تاريخ آداب اللغة العربية وفق ضوابط علمية وفنية تقوم على دراسة نصوصه عبر مراحل متعددة تبدأ من البحث والتحقيق إلى التحليل والنقد العميق. ومن أجل الدفاع عن صحة دعواه سخر طه حسين شتى الطرائق المنطقية وشبه المنطقية والوسائل اللغوية والمبادئ الأخلاقية التي من شأنها التأثير في وجدان القارئ وفي ذهنه من أجل دفعه إلى التسليم والإذعان. ومعلوم أن التسليم بصحة الدعوى حافز رئيسي بإمكانه دفع المخاطب إلى تبني الفكرة والعمل على تحقيقها على أرض الواقع، وهو على ما يبدو كان مسعى الكاتب في حياته ودافع عنه مرارا وتكرارا بغية إخراج الفكر العربي من مأزق غياب مصنفات في تاريخ الأدب العربي بالمعنى الصحيح عن طريق تضافر جهود الباحثين العرب الغيورين على ثقافتهم ووضعهم لتاريخ أدبي صحيح.
[1] -"مصنف في الحجاج، الخطابة الجديدة"، شايم برلمان ولوسي أولتريخت تيتيكا، منشورات جامعة بروكسيل2009. وقد نشر الكتاب لأول مرة من قبل الجامعة الفرنسية بباريس سنة 1958 في حياة الكاتبين.
[2] - "في الميزان الجديد"، محمد مندور، دار نهضة مصر للطبع والنشر، الفجالة-القاهرة، الباب الأول:"الأدب المصري المعاصر"، الفصل الثالث: "سوء تفاهم وفن الأسلوب"، ص: 19