شب حريق في الحقل المقابل لحينا ذات يوم من ايام الصيف القائظ .كان حقل الشعير عاريا إلا من بقايا تبن يابس ينتظر أن تلتهمه غنم صاحب الحقل و حبات شعير متناثرة كنا نلتقطها من الارض لنطعم بها حمام البيت و صغاره. وكان حقل الشعير ملاذنا من قسوة الحياة التي لم تمنحنا سبل العيش و وسائل اللهو، فكنا نستغل فضاء الحقل لنرتع و نلعب و لنصنع لعبنا بخشاش الأرض و قصب وادي كيس القريب من حينا.
كان الحقل ايضا ملاذا لكلاب و قطط أعددنا لها خنادق تلجأ اليها بعد رحلة البحث عن القوت.آلمنا منظر النار و هي تسري في الهشيم وكأنها تستعجل تخريب فضاء لهونا و فرحنا و نحن واقفون نمضع العجز و نشكو ضعفنا بعضنا لبعض. لم يتمكن رجال المطافيء من إنقاذ حقل الشعير من نار عطشى لهشيم خفيف هش. بعد أن هدا روعنا بحثنا عن مرتكب هذه الجريمة فأجمع الكل على أن لا أحد غير نيرون حينا يملك الجرأة على اقتراف هذا الجرم. اعترف لنا بما اقترفت يداه من جرم في حقنا و حق حيواناتنا الأليفة .لمناه و عاتبناه على فعلته و سألناه عن سبب اقدامه على فعلته.صمت مليا و الهدوء يعلو محياه فأجاب: الفرااااغ.
جوابه الهاديء فاجأنا، فلم نكن ننتظر منه أن يعترف لنا بجرمه و يبرره بذلك الجواب الفلسفي و هو حدث لم يتجاوز عمره ثلاثة عشر عاما..لم نؤاخذه بجريرته بعد أن افحمنا جوابه و منذ ذلك اليوم ظللنا نمضي أغلب أوقات فراغنا في نقاشات سوفسطائية صاخبة لا تنتهي إلا بطلوع الفجر أو بهروبنا من احتجاجات جيراننا الذين حرموا لذة النوم بعد الحريق.و حين كنت أختلي بنفسي وجدتني أفكر في الأمر الذي دفع نيرون لإحراق روما. نسي المؤرخون ان ينبشوا في ذاكرة الامبراطور أو أن أفراد حاشيته لم يسألوه عن الدافع لأن الامبراطور لا يسأل عما يفعل. لعله الفراغ الذي حرك نيرون حينا هو من حرك في نفس الامبراطور دافع إحراق روما قبل أن يجلس على تلة يشاهد النار تلتهم عاصمة ملكه. نيرون حينا هو ايضا جلس وحيدا على ارض مسطحة يرنو منتشيا الى ما اقترفت يداه .