كنت في الخامسة عشرة عندما سمعت أن للنساء أسماء عدة، وذاك بسبب أعمارهن، وأن الأسماء ليست واحدة، حينها لم أفهم ما سمعت كل ما أذكره أنني خفت كثيراً وتساءلت قائلة: هل سيتغير إسمي حسب كل مرحلة من عمري؟ وكيف سأتقبل هذه المفارقة و أنا من أحبت إسمها حتى قبل تشكله في الألسن.
وبعد برهة من الزمن سمعت جارتنا تنادي ابنتها:
- يا أنت، فقلت هل بدأ سُلم السنون.
ومع ازدياد سنوات عمري بدأت أفهم قصة الأسماء
اسم الطفولة: طفلتي.
اسم المراهقة: حبيبتي.
اسم الشباب: أ، ب، ت، م، ع، ر ...كل الحروف.
واسم لمرحلة الأربعين، اسم العنوسة: عانس، لست أدري بعد من اخترع هذا الاسم، لنذهب جميعا إلى خانة الألغاز لفك شفرات هذا اللغز.
عين: علم، ألف: سيد الحروف، النون: نون النسوة، السين: سناء، سعادة... لنجتمع على سيدة النساء.
فكل اسم هو معادلة فاتنة تتراقص الأحرف فيها، ولكل حرف طريقة في الجذب و السعادة و الألفة.
قيل للفتيات إن أهم أدوار حياتهن هي ممارسة الجنس و حمل الأطفال ورعايتهن.
إنهن محكومات بمهام صغيرة حرصا على استمرار النوع البشري والمفارقة الأكبر أن الرجال يعيشون دون الحاجة إلى تغيير أسماءهم، يتناوبون على ألقاب أباءهم وأجدادهم دون التفريق بين الماضي والحاضر مجرد رموز في مركبات الأثاث.
نظيري الرجل ما رأيك باسم عانس لك؟
تريدون امرأة تحمل متلازمة نكران الذات، الزوجة المثالية مدبرة المنزل و الأم و الصديقة و العشيقة، و أن تكون بعلامة جيد جدا في صنع كؤوس الشاي أو فناجين القهوة المُرة.
إذا لم يستطع فيتاغورس (النسوي )اليوم حل هذه المعادلة حكم عليها بكلمة عانس، صدر الحكم على الفتاة منذ مرحلة البلوغ بالابتعاد عن العالم و الانطواء في زاوية إحدى الغرف حتى يأتي يوم ويسأل أحد المارين هل لديكم ابنة للمصاهرة، دون الوقوف ولو بفاصلة عن السؤال عن رغبة الفتاة، عن دميتها هل تريد الاحتفاظ بها أم توديعها.
وإذا لم يطرق ضيف الفصول الأربعة أحد الأبواب تتوالى السنون لتغير الفتاة اسمها ليست بمحض ارادتها بل طرف آخر عاش الحياة بجميع تنقلاتها و في الأخير تعب من السباق، ثم قال ماذا أفعل؟ لم يبقى أمامه إلا تعبئة أوراق رسمية بمعلومات أسطورية عن العنوسة دون الرجوع إلى سيدة الأمر و الإفصاح عن أصل الداء.
العنوسة فتاة مرت بسلسلة من الروايات حريصة على قراءتها بانتظام فسمحت لمخيلتها باللعب بعيدا عن باب المنزل، أصبحت تحلم بالثياب المزركشة و علب الشوكولاتة وباقة الورود.
يسرق بطل القصص البوليسية شخصية قوية ماكرة في حل معضلات الحياة، رومنسية حنونة مثل أبطال قصص عبير ، ظلت الفتاة في عفويتها ترى أفلام الكرطون، ترى الممكن يغدو مستحيل، والحلم مستحيل.
أغلقت باب الحكايات و أنزلت الستائر و مازالت الفتاة تنتظر الفارس المغوار من دون العلم أنها دخلت خانة العنوسة، من فتاة حالمة إلى خانة المنسيات.
من الجميل الحلم بشخصيات تناسب شخصياتنا، ومن الابداع الوقوع في الحب دون النظر إلى شخصيات الكراكيز التي فرضتها بعض عقليات المجتمع الذكوري، ليس المهم أن يتم توسيمي بلقب السيدة الصغيرة، بقدر ما هو أهم وجود الأنا الذي هو أنا في ذات واحدة.