الضياع - قصة : مصطفى بودوج

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

كيف لي أن أقول لنفسي إنه حقا مات , كيف لي أن أصدق ذلك , لا أستطيع بتاتا, و لا أظن أن هناك من يستطيع أن يصدق ذلك خلال لحظات, فهذا لا يمكن, و أن يصلك هذا الخبر اللعين فهو أمر سيء حقا , بل أن يصلك عن طريق الهاتف و أنت بعيد كل البعد فهذا هو الأسوأ, لم أستطع أن أعرف حينها يدي من رجلي, أحقا وقع ما أخبرني به أخي على الهاتف حقا؟ أحقا ؟ أخذت في تكرارها مئات المرات, لم أستطع أن أتنفس حتى فما بالك أن أفكر في الأمر, بعد كل ما مر, و بعد كل ما جمعنا نحن الاثنين, سنوات و سنوات عشنا خلالها الحلو و المر, قاومنا مصاعب الحياة معا, و وصلنا في النهاية إلى كل ما نتمناه, و فجأة يتحطم كل شيء بهذه السهولة, و يصبح كل شيء رمادا, كل ما بنيناه أنا و هو أصبح من الماضي, أصبح من الخيال, هل يمكنني أن أتخيله ؟

هل يمكنني أن أحتفظ بصورته معي ؟ لا أظن, لأنني سأبخسها حقها من الجمال بدون شك, بل سأتخيلها ناقصة و بطريقة مغايرة لما هي عليه, لا مجال للتفكير الآن فيما سيحدث مستقبلا, فليس هناك من يقف بجانبي بعد الآن, و ليس هناك من يستطيع أن يهدئ من روعي أو يتحمل في بعض الأحيان عواقب  قراراتي الخاطئة,  من المستحيل أن يعود إلى الحياة و من المستحيل أن أكمل أنا أيضا هذه الحياة بدونه, و حتى لو رغبت في ذلك فلن أستطيع, لن أستطيع حقا. لماذا ؟ لأنني عندما أسقط أجده دائما يمد يده ليساعدني على الوقوف مجددا, و على مواصلة المسير دون كلل أو ملل, لأنني حين كنت أفكر كثيرا و لا أجد أي حل غير التوقف عن فعل ما كنت أقوم به دوما, و ما كنت أعمل عليه, كان يهم هو بحل كل شيء و يفتح مواضيع كنت أظنها حينها تافهة, و لكنها كانت تنسيني كثيرا من تعبي. حقا لن يكون بالإمكان تحقيق أي شيء بعد الآن, فهو من كان يؤنس وحدتي و يزورني حين مرضي, فأقف مرة أخرى و أصحوا . لن أستطيع نسيانه ......
إنه ذلك الحلم الذي لطالما انتظرت تحقيقه, إنه الأمنية الوحيدة لي, إنه الشيء الوحيد الذي كنت أسعى دائما إليه, و لكن في غمرة فرحي به و حلمي به نسيته, نسيته في زاوية الغرفة, لقد مات في ركنها, لأنني بعد أن تركته بقي وحيدا, بقي مقيدا بسلاسل الانتظار, ينتظر من يحققه, ينتظر من يوصله إلى رقعة الواقع, و لكن للأسف انتظر كثيرا و لم يأت أحد, فلجأ إلى مقبرة الأحلام و انتهى به المطاف إلى التلاشي و الموت وحيدا مقيدا و مستسلما لعذاب الانتظار, منتحرا في ركن تلك الغرفة المظلمة. و لكن السؤال الذي لم يفارقني البتة هو كيف لي أن أحقق حلمي هناك ؟ كيف لي أن أخرجه من ظلمات ذلك الواقع المر ؟ لم أستطع ذلك حتما, و ها هو قد مات, ها هو قد اختفى و انتهى, أمهلني الكثير من الوقت, إنه من المحال أن ينتظر أكثر من ذلك, أن يبقى راكعا لعقب التحقق أو السقوط, و ها هو قد سقط, سقط في بئر النسيان, سقط في حفرة الانهزام, و السبب هو أنا نعم أنا, أنا من رميته بسهام الابتعاد و سهام الدفن في قبور الانتقام, انتقام من واقع ما كان ليقبل أن يتحقق, و ها هو قد لعب القدر به بل أنا تلاعبت به, و أوصلته إلى نهاية زمانه و رتبت لقاؤه بحتفه المحتوم أيما ترتيب. كما استسلمت أنا لرغبة الرب و إرادة الزمان و قوة أوثان البلد, استسلم هو أيضا لثقل ركنه و اندثر فيه, و لكثرة العتاب و كل ما يقال عن حرية اختيار المصير و اختيار القدر, الذي لم ينعم بهما قط, و ها هو قد التقى بكفنه الذي لن يخلف أحد لقاؤه, و انتهى إلى اللامكان  و اللازمان للأسف ... 
كلما تذكرت حلمي ذاك رسمت على وجهي ابتسامة شفقة لم أستطع حتى الآن إيجاد تفسير لها, بل لم أستطع حتى الآن نسيان ذلك الحلم, و لم يكن بإمكاني أن أعرف سبب ابتعادي عنه, لكنني قررت فجأة أن أعود إلى الماضي ليس الماضي القريب, و لكن إلى الماضي الميت البعيد, فوجدت أن بداية القصة كانت قبل 6 سنوات ........ يتبع

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة