رجت من الحانة، محافظا على جزءٍ من توازني، ركنت إلى جذع نخلة ونمت.
استيقظت على وقع مداعبة خيوط شمس الصباح لوجهي.. أخذت طريقي إلى البيت؛ رأيت صديقي على الجهة المقابلة للرصيف، لوحتُ له، فلم يرد علي.
استغربت! لكني تلمست له عذرا، فربّما لم ينتبه! لأنه كان منشغلا بصاحبه.. لكني كنت متأكدا من أنه رآني.. لم يَهمَّني الأمر كثيرا.
مررت بمحل العم "منتصر" الذي يبيع فيه المرايا. بعد تجاوزي له ببضع خطوات، توقفت..! تراجعت خطوات حتى استقريت أمام المرآة التي في الواجهة.. صعقني ما رأيت! كيف يعقل ألا تنعكس صورتي عليها..!! نظرت حولي، ساورني شك في أنني لم أعد مرئيا..
ركضت إلى المكان الذي صحوت فيه.. إنه جَمع من الناس ملتف هناك حول أمر ما!
اقتربت وضربات قلبي تتسارع..
ما هذا! لا يمكن! لا.. لست أنا.. أنا حي.. أنا حي.
حملت نفسي وركضت إلى الوجهة الوحيدة التي طفرت على بالي.. ركضت وأنا أخترق كل من يعترض طريقي، حتى السيارات والحافلات.. دلفت من باب الكلية اللعينة، بحثت عن شخص واحد، عن حبيبتي..
لقد وجدتها تقتعد درجة من الدرجات.. تضرعت لها: ارفعي عينيك! أنا هنا، أراكِ.. فلترفعي عينيكِ.
نعم.. لقد رفعتهما، لكنهما غارقتان في الغياب.. إلا أنها ابتسمت.. نظرتُ حولي لأتأكد. إنها تنظر نحوي.. نعم، لقد ابتسمت لي إذن! لقد رأتني كما لم يفعل الآخرون.