الجميلات ـ نص : أحمد بنحميد

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse29053زخات مطرية أعادت الفرحة للوجوه الحزينة، فقط رواد مقهى باليما يتحسرون على ماضيها القريب، كالعادة أمر مهرولا بمحاذاتها حتى لا تداهمني الذكريات، ولا يهم إن كانت محزنة أو مفرحة، فالذكرى كالجرح لا يندمل، لأتقي البلل أدلف لأول باب يصادفني -وإن كانت الأبواب في وطني مجرد نوافذ مشروخة-، لأبحث عن الدفء الإنساني المغيب في هذه المدينة التي ترمم عظامها الملكية . المفاجأة كانت صادمة وجميلة، فنان تشكيلي يعرض أعماله وحتى وإن كانت مجرد نسخ لأعمال مشهورة، لكن الإصرار على العرض خارج دائرة المستحوذين على دور العرض الرسمية لأشباه المبدعين، هو حب مفتقد ورؤية جميلة للارتقاء بالذوق العام، مبدع الظل حتما هو موسيقي مادام يترنم صحبة موسيقى وأغاني الزمن الجميل الصادحة من علبة الموسيقى، كأن الزمن متوقف داخل هذا الفضاء البهي. ملتحي طبعا بلحية غير مشذبة يتصفح وريقات باهتة، يشطب على بعض الأسطر، يهمس، يبتسم، يبلل ريقه بجرعة صهباء تعيد له الصفاء والسكينة، لاه عن سيمفونية الضجيج التي تحاصره بحمق جميل، ربما  منفلت من لغو الملتقيات والبيوت والجوائز الوهمية.

متسلل من مدرج الجامعة بل هارب من لغو دكاترة تفتقد فيهم روح الأستاذية، يبحث عن لحظة صفاء من خلالها يركب سفين المجهول. جميلة في مقتبل العمر تتجاهل رنين هاتفها المحمول، تاركة شفتيها الكرزيتين تداعب سيجارة المارلبورو، تنظر لساعتها الذهبية، تبتسم، تتورد وجنتاها، تسوي خصلات شعرها المنسدلة على كثفيها، تغادر المكان مانحة النادلة بسخاء حاتمي، تاركة وراءها همهمات وهمسات.
 الجميلات يمنحن الابتسامات بإجلال دون غنج، ربما في ماضيهن القريب كن يهبن الفتنة بوابة لاستدرار عطايا الزبائن، لكن السحنات، الابتسامات، الهمسات، الهندام ينم عن جمال رائع وذوق رفيع رغم تقدم السن الذي زادهن بهاء. الجميلات يهبن الضحكات بصخب جميل كلما عن لنديم أن يعلن حربه الدونكيشوتية على العالم المريض بنرجسيته المتفردة. الجميلات يطرزن الليل بصخبهن البهي، خمارات، بوابة مشرعة لمجاهل التيه الجميل، رقص على نوتات الجاز الحزين، حكي مدثر بالألم الدفين، هذيان ملفوف بالكذب الجامح، بوح منغمس في مجاهل الذات المكتوية بحمق الواقع المر، موت يتهجى الحياة، هوة للألق الغامض، رحلة ضبابية مشرعة علي مجاهل الأفق الليلكي .الجميلات، حلم يتشظى، فراشات خفية، تعانق اللهب بحب طفولي، أقنعة مموهة حد الفضح، لحن حزين يتهجى المسير، تعب يمتشق رحلة المجهول. الجميلات، وشم، جرح، زوبعة، خسارة، نحيب، فرح، حزن، وهج، ألق، سخاء، تيه، صلصال يتشكل لحظة البدء، سيتار، طبلة، كمان، ناي، شطحات جسد ينفضح لحظة البوح. الجميلات يمسحن الحزن عن طفولة تنسج مستقبلها على ظهر مناديل لزجة، ويهمسن لشباب يستنشق دخان الهباء مقدمه لفناء ممرغ بالألم الدفين، أن لا أمل داخل هذا النفق المجهول..؟
أحمد بنحميد

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة