كان للطيور على اختلافها سحر خاص في نفسه التواقة للجمال، بل كان يرى في اختلاف أنواعها وأشكالها وألوانها ذلك البهاء المتجدد، يصغي في خشوع المتعبد إلى تراتيل الكروان، ويؤمّن في سكون على تسبيحات العنادل، ويتابع دفيف أسراب الحمام العائد إلى أوكار المنازل، وينتشي بعثرات طيور النغاف الفاشلة وهي تقتفي آثار ديدان الأرض خلف المحراث، قبل أن يسرح تفكيره بالاتجاه الخلفي سنوات إلى الوراء، حيث كانت طيور الدجاج يوما مصدر عنائه وشقائه، وسبب تعاسته شهورا خلف أسوار زنزانة "القايد موسى"...
لطالما شنف أسماع الحاضرين في مناسبات عديدة بحكاية أقربَ إلى الخيال منها إلى واقع بصم عليه الخيال الواسع لقائد تفنن في ابتداع أشكال العقاب، لكل من حاد عن جادة الأوامر، أو سولت له نفسه التطاول على المخزن بتجاهل الاستئذان، في زمن طالت فيه أيادي خدام الاستعمار، فعاثوا في الرعية أصناف العذاب...
إذا تخطى دجاج بعض الأهالي حدود ضيعة القائد التي أحاطت بالخيام المنصوبة، وكأنها سياج يحاصر البهائم والدواجن. فطن لذلك حارسه الخاص، فوشى بأسماء لاتربطها صلة بالدجاج الغاشم، إلا أن تكون تصفية حساب بينه وبينهم. تفتقت حينها عبقرية القائد، فأمر بإحضار المتهمين ودجاجهم، وأصدر حكمه النافذ بمصادرة دجاج القبيلة برمتها، على أن يتولى المتهمون اقتياده مشيا على الأقدام إلى ضيعة الحاكم العام بضواحي المدينة الحمراء...وحذرهم من محاولة اتخاذ المطايا أو ايصال الدجاج ناقص العدد، فإن ذلك سيجعلهم معرضين حتما للمكوث في ردهات السجون، ومكابدة الوساوس والشجون...
كانت "النزالات" بطريق مراكش ملاذ رعاة الدجاج الوحيد للاستراحة من عناء السفر تحت حرارة شمس النهار الحارقة، إلا أن عدم قدرتهم على السيطرة على الدجاج، وتعرض جزء منه للنفوق والتيه كان مصدر قلقهم الدائم. ولما تناقصت أعداد الدجاج بشكل ملحوظ، وأدركوا أن لامناص من العقاب المرتقب، باتوا يذبحون من الدجاج الكثير، ويستمتعون بالولائم صحبة السكان المستقبلين، بل جعلوا من هذا المشهد أحاديث سمر ساخر كل ليلة...
علم القايد موسى أن المتهمين قد وصلوا بعدد قليل من الدجاج المصادر، فأمر بعودتهم مشيا على الأقدام، ورفض الحاكم أن يتسلم منهم ماتبقى من الدجاج، فعادوا أدراجهم يكملون ليالي الولائم اللذيذة قبل أن يحل بهم العقاب. ولما كانوا أمام القايد موسى، توجه إليهم بالسؤال قائلا: كيف تجرأتم أيها الأوغاد على أكل الدجاج ومخالفة الأوامر؟ رد أحدهم قائلا: إن أصعب شيء سيدي القائد هو أن تسيطر على شعب الدجاج، فهو شديد الخوف، كثير الصياح، مزعج الطيران، وإن أفضل وسيلة لضبطه هي أكله حتى يكون عبرة لما تبقى منه... ضحك القايد موسى من كلام الرجل، وأمر له بما تبقى من دجاج...