دخل حجرة الدرس بعد صف التلاميذ الأخير، وبعد أن ألقى بهمومه جاهدا في سلة نسيان مؤقت مع آخر زفرة دخان، ثم افتعل ابتسامته المعهودة، ينفد وصية أساتذته في مركز التكوين، حيث كانوا يعتبرونها خير وسيلة لإشاعة الطمأنينة في نفوس الصغار، وفتح شهيتهم للتحصيل بكل هدوء وإصرار. ارتدى وزرته البيضاء قبل أن يعلن بداية حصة الإعراب، وتُعربَ تقاسيمُ الوجوه عن النفور، فيلجأ إلى تلطيف الأجواء بسؤال بسيط عن أنواع الضمائر، ثم يُتبعه بتصريف فعل الحضور، إذ أثبت الجميع حضورهم عدا سعاد المريضة و أحمد المسافر لحضور حفل زفاف قريب...
بعد هذا التقديم اللطيف، بسط الأستاذ جملا توزعت مضامينها بين الاشتمال على ضمائر منفصلة وأخرى متصلة، بين ظاهرة ومستترة، فراح المتعلمون يتسابقون للإتيان بجمل مفيدة توافق المطلوب، فيما تحين الفرصة لاستنتاج عنوان درس اليوم، فكتب في صدر السبورة بلون مغاير: الضمير المستتر. واستمر يطالبهم بتحويلها بين حالتي الظهور والتستر، حتى بدا له أن الدرس بات مفهوما أو يكاد...
لكن دهشته كانت كبيرة حين تساءل بعضهم عمن بنى سياج المدرسة المتهاوي، ومن قام باقتلاع أشجار الساحة التي كانت تظللهم في الحر، ومن قرر تلك المقررات الكثيرة والطويلة التي أثقلت كواهلهم، ومن قام بتكسير زجاج النوافذ التي تقيهم قساوة البرد وغبار الأتربة،ومن ومن ومن...
ولم يجد الأستاذ أجوبة غير نسب الأفعال المذكورة إلى ضمائر مستترة وغائبة، بينما راح التلاميذ يعلقون على مشهد التساؤلات، فقال أحدهم: إنها ،بالقياس إلى ما نرى من تقهقر وافتقار، ضمائر بلا ضمائر...
وقال آخر: لو كانت ضمائر ظاهرة، لطالبت بمحاكمتها يا أستاذ...
وقال ثالث: ما أصعب هذا الدرس يا أستاذ، لقد اختلطت علي الضمائر بين الحضور والغياب والظهور والتخفي، وأكاد أشك أن من سبقونا قد فهموا هذا الدرس جيدا...
أدرك الأستاذ أن مخيلة التلاميذ قد ذهبت أبعد مما يتطلبه الضمير المستتر، فختم الدرس بالدعاء قائلا:
اللهم افضح كل ضمير مستتر، وأحضر كل ضمير غائب، ووفق كل ضمير ظاهر، منفصلا كان أو متصلا...