جريا على العادة في قريته , لا يصح لابن الخامسة و العشرين أن يخطب أرملة أو عانسا . لا بد من بكر تصغره بسنوات و تليق بفورة شبابه !
حاول يائسا أن يستميل الجدة إلى صفه . كان يدرك أنها , كغيرها من عجائز القرية , تمتح صلابتها و عنادها من التلال الصخرية التي تسيج هذ الفضاء العابس .
انسل تحت جنح الظلام من خيمته و حث الخطى مسرعا إلى حيث تواعدا . إنها هنا منذ ساعة ترقب مجيئه .
فطومة ..مهرة القرية التي تعب غيره في ترويضها .
أجل ! إنها هنا متلفعة ببرنس أبيض , تداعب الحصى بخنجرها الأثير . لم يحل بينهما غير زيجة فاشلة حملت وزرها منذ سنين مضت . الرجل يبقى رجلا , هكذا قالوا , حتى لو كان نذلا يسقيها العلقم في غدوه ورواحه !
- تبدو متذمرا ؟
- كالعادة ! أهون علي أن أرتطم بقعر بئر سحيق من أن أفاوض الجدة !
تبسمت على مضض وهي تغالب دمعة فائرة :
- الذنب ليس ذنبها .. إنها العوائد التي تجاهد المسكينة للوفاء لها , و لأرواح من ماتوا دفاعا عن كومة الصخر , و أشارت بيدها إلى التلال المحيطة بالقرية , كي تجتاحها أسراب ماعزنا في هدوء .
صاح منفعلا : وما دخل الأرواح بزواجنا نحن ؟
- هون عليك .. يبدو أنك تتظاهر بعدم الفهم , كلانا يدرك جيدا أن البكر قربان للجدب القاسي , و الرمل الزاحف على الخيام .
- خرافة !
- بل هي لعنة .. لعنة لا يخفف من غلوائها سوى دم عذراء ليلة العرس , تُخط به التمائم و تُعلق على أكتاف الصغار .
رمقته بطرف خفي ثم أردفت : من يدري , قد يحن ضرع السماء ليلة عرسك !
- عرسي ؟
- أجل .. يقولون أنك ولد مبارك لأنها أمطرت على وقع صراخ أمك وهي تفتح ذراعيها للموت ساعة ولادتك !
ران على المكان صمت مثقل بالهموم . أمُلزم بالوفاء لروحها ؟ لكن ..
- سأذهب .. يوشك ضياء الفجر أن يفضح مجلسنا , و أنت بحاجة إلى كل ذرة إخلاص لعروسك .
نهض متثاقلا ثم ساعدها على التلفع ببرنسها جيدا قبل أن يعود أدراجه .
دوت طلقات البارود ليلتها بعنف , و شقت الزغاريد ثوب السكون. حتى الجدة استعادت بعض عافيتها وهي تتنقل بخفة غير معتادة بين المواقد المنصوبة و خيام المدعوين !
هبت ريح باردة انفرجت لها الأسارير , فانهمك شيوخ القرية في سرد بطولات الآباء , و الثناء على الدوحة الوارفة التي أنجبت أم العريس و أخواله !
داعب هواء رطب خصلات من شعر فطومة وهي تطوق خصره . كان الحصان الذي ورثته عن زيجتها الفاشلة يعدو كسهم بين التلال الصخرية . همست في أذنه بحنان :
- توشك السماء أن تمطر !
هز كتفيه ساخرا , وما إن حاذى مقبرة الأسلاف حتى صاح كالمجنون : خرافة !