استيقظ الحنين فجأة كان الجو ماطرا ,كومة من الذكريات المتداخلة تتهاطل على مخيلتي , الليل يستمتع إلى تخبط الصور و المشاعر....اللوعة ، الحنين .. الحسرة ... الندم ... الانتظار وحده كان كفيلا كجواب على كل الترهات الفلسفية التي كانت تطبق على انفاسي حينها.
لمحت ظله الوارف ولمحت دمعة تترنح في مقلتي كلما مرر كفه على رأسي ليقول كيف حالك يا منير...
يحفني براحته التي كانت بالنسبة لي تجسيدا حيا لمعنى الامان,كانوا ينادونه "عاشي" لا أعرف معنى اللقب لكن متأكد أن للقب علاقة ببصيرته الفذة أو ربما ببصره المفقود. الصمت المطبق في غرفته يضفي جوا صوفيا, الجدران مزخرفة بايات قرأنية...لا أدري لما كلما ولجت الغرفة تشدني نفس الآية "إن الانسان لربه لكنود"..
كانت المروج الخضراء و ترانيم رويشة أجمل الأشياء التي تصاحبنا خلال الطريق من مكناس الى الحاجب.تلوح المدينة في بهائها الأبدي أفقد حينها كل اللغات لأنحني إجلالا لهاد الشموخ الأطلسي...
أشجار السنديان التي تؤثث قمة الجبل و شعار المملكة أصبحا مع مرور الزمن يشكلان رمزية متناغمة بين الاصالة الامازيغية وعراقة لغة الضاد.
أتذكر أول مرة أمتطي فيها صهوة فرس...أول مرة خفق الفؤاد لغجرية..أول مرة تدب قشعريرة في بدني كآخر الفرسان.لم يسعفني الحظ أو بالأحرى سذاجتي أن أعرف اسمها ,اقتفيت أثرها في مخيلتي..تتسلل بين ظلال الزيتون, صوب الغدير ألهث راكضا خلف وشاحها.. لا أحد في المكان أشعل شمعة في ذاكرتي لكي لاأفقد بريق مقلتيها و ما غنمت به سذاجتي البريئة....