مشكلتي في عدم القدرة على ضبط المفاهيم ليست وليدة اليوم , بل تمتد جذورها إلى أيام الصبا الأولى فمثلا تعلمت من المحيطين بي , وأنا صغير , أن أسمي الأعمى "بصيرا " والمقعد زحافا " . عمتي عندما أنجبت ولدا معاقا سمته " سالم " . عندما توقد أمي نارا تقول لي لا تقرب من " العافية " حتى لا تحترق .
مرة طلب مني أحد الخليجيين أن أدله على أحد الشوارع فلما فعلت قال لي : " الله يعطيك العافية " , فقلت له حانقا : أشعلها الله في مؤخرتك "
وأنا أكبر بدأت أتقبل على مضض أن تكون للكلمة الواحدة معاني شتى و للكلمات المختلفة معنى مشترك ولكن أن ألقن معنى معاكسا للمفردات فذلك شيء لا يحتمل , والدليل أنني رسبت مرارا في مساري الدراسي .
اكتشفت مفردة " ديمقراطية " من خلال درس اليونان الذي قدمه لنا أستاذ التاريخ لكن واقعي المعاش يأبى إلا أن يزيد فهمي اضطرابا يوما بعد يوم , نفس الشيء بالنسبة لمفهوم " حقوق الإنسان " لابد أن لها معنى آخر في واقعنا غير الذي يحاول الأستاذ أن يحفره في دماغي .
المسؤولون فطنوا إلى هذا التناقض الذي حير جيلي وأجيال أخرى فأضافوا إلى القانون الأسمى هذه العبارة : " نقر حقوق الإنسان كم هو متعارف عليها دوليا " . ومع ذلك لم يغير هذا التوضيح من الواقع شيئا , لا يزال الخلط سيد الموقف , على الأقل في ذهني وحدي .