لم تكن "هنية" على علم بما يجري ..
بدا الزفاف عاديا , ونزولا طيعا عند رغبة أب عاشت هنية دوما طوع بنانه . أما الأب الذي لازمه لقب "البيدق" حتى خفي عن القرية اسمه الحقيقي , فكانت تعلو محياه ابتسامات ذابلة.. يوزعها يمنة و يسرة على حضور تنضح أساريرهم بعطر الشماتة !
لم يجرؤ أحد من الأهالي أن يحتال على البيدق يوما أو يغنم منه خُطام بعير ! فالرجل رغم قصر قامته , و ضمور بنيته إلا أنه يتصدر أخبار القرية و أسمارها . فالضحايا كـُثــُر , و المقالب تُنبيك عن دهاء غير عادي .
كان اليـُتم شفيعه لدى أهل القرية ليتولى رعي قُطعانهم لقاء دراهم معدودة , لكنه سُرعان ما كشف عن مواهبه ليُصبح تاجرا للمواشي ثم مسؤولا عن تموين الثكنة العسكرية المجاورة بالزاد والأفرشة .وكعادة أثرياء الطفرة الكاذبة, سُرعان ما اجتـالته شياطين المدينة ونادته مفاتنها : هيت لك !
لكن البيدق سرعان ما كشف عن مواهبه مجددا ليُقنع شباب القرية بالعائد المُغري للهجرة ما وراء البحر , فانسلوا تباعا حتى خلت القرية من ساعد يُباشر الحرث و البذار ! و أسرع البيدق إلى تمكين الأهالي من الجرارات و المحاريث العصرية لقاء سداد مؤجل .حتى إذا ناءت الكواهل بعبء الديون , تطوع البيدق للسداد لقاء حيازة مؤقتة للأرض, ريثما يعود ابن مهاجر أو تصل حوالة منقذة !
خيم على القرية همود مهيب..
بدت كأن غاصبا استل روحها ..
الخضرة و بيادر القمح غدت مثار حسرة في نفوس الأهالي , فعما قريب سيجلب "البيدق" حمالين لنقل خيرات القرية إلى سوق الجملة حتى يستوفي ديونه , ويُمكن الأهالي من قروض صغيرة تسد الرمق .
تنبهت شياطين المدينة مجددا للبيدق فاجتالته.. لكن ..في عقر داره !
دُبرت له المكائد تباعا للنيل من دهائه وغنائمه , و ترنح هو مرارا تحت ضربات كادت أن تُفقده صوابه , حتى إذا ضاقت عليه السُبُل قصد كبيرهم لينقاد مُرغما لشروط اللعبة و يُقدم هنية ثمنا للإبقاء عليه و على ..مواهبه !
طبعا ..لم تكن هنية على علم بما يجري ..
فقد بدا الزفاف عاديا , ونزولا طيعا عند رغبة أب عاشت هنية دوما ..طوع بنانه !