أيَّـها الراحل نَحو قلبي المُهاجر إليك... إنحنِ للزمان وضمّ قلبي الذي تاه في مَتاهات الحَياة، بعد أن فاضَ به الحُزن وتراكَمت فيه الأُمنيات، كأنّها في كُتب مُغلقة وأفكار مُبعثرة على أوراق لا تزال رمادية اللون، كأنَ الغيث قد انقطع عَنها، فمتى يَــكون الرحيل وكيف؟؟...
حَبيبي... ذاقَـت النفس مَساوئ أفعالها وازداد ألمها حين انبسطت كفّا الحياة لها لتزداد ألماً بما كسبت، فغداً تجفّ زهور الياسمين على عُروشها ويموت الورد...
حبيبي... أنا المثخنة من الرحيل... أنا شهيدة ذاك الطير الأسطوري الـموشوم بالعشق وفي قلبه انغرس خنجر قطّع أوصال الروح حين أزهرت في زمن كالح ميت تتراكم فوق أجفانه أعباء السنين...
حَبيبي... لا تخذلني بعدما كان رحيلي إليك طيفاً!.. روحاً!.. عطراً منثوراً حول زهرة تدور في مَـداراتك، فأنا يا حبيبي أمشي الهوينا في عـــــالم يلفح وجوه المُتعبين ويلملم شتات أنثى كافَحت كدوري مُترنّح بين سنابل القمح، وهي تُغني أغنيات وطن عاد به الزمن الى حيث أباطرة الرومان لتكون روحاً سماوية وفي عَينيها لمحة حبّ حَيّ...
حَبيبي... أنا المُدلجة في أثواب الأبرياء بين أكواخ بلا أعمدة، وتحت خَيمة دون أوتاد.. أنا هي التي تَـحيا في صحراء تنطفئ شمسها، وفي عَينيها يتراءى شبح الرحيل، فهل أفترش أرضاً عقيمة لا تلد إلاّ الأشواك؟!... وهل يَطيب لي المقام بين أموات ينفثون سمومهم لتحيا أطماعهم بين الأبرياء؟!..
ربما حان زمن رحيلي إليك.. وربما سأغلق شجوني يوماً على أعمدة هيكل قديم أو ربما هو التوحّد مع الألم، فماذا أدعوك؟.. ماذا أدعوك؟.. وأنا أغنيك وفي مُـــــقلتيّ زرعتَ زهور الاشتياق.. هل أنتشي من عطر في قوارير مُخملية تنضح بزهور برية لا منشأ لها؟.. أم أعانقك بروحي بينما أرتفع إليك في كل صلاة؟!..حَبيبي... تؤرقني الذكريات وفي أهدابي جوع من قلق ولد تحت جناح الغياب وقمر دفــــنته يوماً تحت التراب، فمتى يتوغل الأمل في جسدي؟.. ومَـــتى تندمل كل الجراح؟...
حبيبي...
هل هو طيفك الذي يحرسني كلؤلؤة في أعـــــماق بحر مملوء بالأسرار!.. أم أنك تحملني على شفتيك قطرة من رحيقهما قطفت الشهد؟!.. أم أنك نثرت في جنتّي بخوراً كالنسيم الذي يوقظ الوحي في قلوب الشعراء!...
حبيبي... ماذا بعد رحيلي عنك؟.. حيث أجدك بين عباب روح لا تفقه لهجة الحُبّ ولا تجد لها حتى نواة وكأنَها ترتعش خــــــــوفاً من أن ألقاك.. فمتى سيبوح حَـــرفي باسمك؟.. ومتى يرتسم وجهك على قناديلي؟...
متى أتنفس الصعداء؟... لتكون نبوءتي حِـــــــــكاية حُبّ تبكي على أطلالها طيور اللّقلق... متى أمدّ راحتي في رقصة فرعونية على ضفاف الأنهار؟.. متى أهتف بك وبيني وبينك جَـــمر ورماد؟.. مَــــــتى سأحمل سهم كيوبيد لأغرسه على جباه السماوات؟...
يدهشني يا حبيبي المعنى المعسول في حروف عَسجدية مرمية على الأوراق، فهل يجدي الرحيل ووجهك البسّام في خافقي كجمرات فصل الشتاء وصدى صوتك يعزف لي آخر آيات الأحزان!؟.
إمنحني من لحظيك رؤية فجر نشوته صمت وبريقه في عيني كَـــــرؤية مستحيلة تستفيق وفي أضلعي ولد الأسى والسهاد...
لا تسألني... أين أنت حبيبتي؟.. فهمساتك أنغام قصيدة تعني لأنثاك أجمل الأشعار وفي صدري اختبأت يمامات من نور وفي مقلتي تبرعمت زهور رقيقة من ياسمين وقرنفل يتأوه شجناً، فكيف أبوح بأحرف تكسرت حزناً ولم يبق في الروح غير قوس قزح يعلن الرحيل؟!....
ها أنا ألتف على غيم أعشاه المطر... ها أنا أهرول راحلة كي أستجمع صدفات حُبّ ضاعت على الشطآن.. ها أنا أمدّ يدي لنمشي معاً قبل أفول العمر، فكيف تكون خطى القلب؟؟.. كلمسة متصوف يمشي على الماء؟!.. ام كقدّيس يعطيني سر إكسير العشق؟.. أم كريشة وقعت من اللوح المحفوظ؟!.. ام كزهرة اختصرت بعطرها مسافة ما بيننا حتى لا يتيه القلب...
حبيبي... طال صمتنا وعلى راحتيك تفتحت بذور شمس أيقظت العشاق وقَــــــذفت بخورها مع ألسنة اللهب، فماذا بعد الرحيل غير الحُبّ؟!...حقوق النشر محفوظة للكاتبة
بقلم ضحى عبدالرؤوف المل