تاهت نظراتها فوق أمتعتها المركونة أمامها و كأنها ذكرياتها التي كومتها في جانب مظلم من أعماقها محاولة سجنها، التفتت لتلقي نظرة أخيرة على شرفتها التي طالما احتضنت ضحكاتهما و همساتهما و كانت أيضا شاهدة على جلساتهما الحميمية غيرما مرة.. فتدحرجت فوق خدها دمعة سارعت إلي تجفيفها بظهر يدها كما لو كانت تعنفها.
حملت حقائبها و مشت و كأنها تهرب من ضعفها، من خوفها الكبير من أن يخونها شوقها فتعود أدراجها، لتمضي من جديد يومها في انتظار عودته في المساء ليرمي لها فتات عواطفه فتلتقطه و هي سعيدة بل راضية بأقل من ذلك.
أخذت تمشي فوق أشواك حيرتها التي تخدش أفكارها و تترك بها ندوبا وجراحا، يحاصرها الندم على سنوات أمضتها في إلتقاط الفتات و انتظار ابتسامة من سيدها تعكس لها رضاه فتضاء حياتها.
لم تكثرت لثقل أمتعتها فهمها كان أثقل ، خطواتها تتسارع كما لو أن أشباح ماضيها تلاحقها و أسئلة تطوف بخلدها ممزوجة بصور و أصوات.....لم تفهم و لم تستوعب كيف تحولت باسم الحب من امرأة قوية مستقلة إلى مجرد أثاث يزين منزل رجل؟ و كيف سمحت له أن يجردها من مضامينها لتصبح مجرد دمية للمتعة في حياة رجل؟ كيف ألغت ذاتها و استكانت تحت ظل جناحه؟ و كيف تحول زوجها من ذاك الرجل المحب إلى آلة حب؟ كيف نضبت منابع حنانه؟ كيف غزا الجفاف مشاعره؟
كانت في كل ليلة و هو ينثر لها فتات حبه تكذب نفسها و ما تراه عينها و تقول بأنها حالة عابرة و أنها ستستعيده، لكن هيهات، أيام من العذاب اللامتناهي، شهور وسنوات أضحت فيها واحتها الضليلة صحراء جرداء من كل مشاعر..و غدا زوجها سرابا أمضت أحلى سنوات عمرها في ملاحقته...لكنها لم تلحقه !!
فقررت الرحيل لعلها تنقذ ما بقي من روحها .. قبل أن تخسر ذاتها و كيانها..قررت الرحيل دون ندم على ما تركته وراءها .. فقد سئمت حبه المشروط ...سترحل و قد أقسمت ألا تلتفت إلى الوراء... اليوم ستحطم قيود حبه التي كبلتها لسنوات..لتبحث عن مكان لها في خريطة الحياة...