عند نقطة ما، في مسار العمر، بين الأربعين والخمسين، يطرأ على الزوجين اللصيقين تبدُّلٌ في العواطف نحو مسـتوى مختلف؛ فيحرصان على الاحتفاظ بمسافة تفصلهما، لا تقل عن ثلاثة أقدام؛ وكان اعتيادياً، وهما في الثلاثينيات، أن يسيرا وقد تماســكت يـداهمــا؛ ولا يني الرجل يقابل إمعان زوجه في مداعبته بكلمات شكر يهمهم بهـا؛ ويحدث ذلك بالرغم من احتفاظهما بالحميمية البـكر.
وها هما " بالو " و " أنجانا " تدركهما تلك الحالة، بعد زواج دام اثنين وعشرين سنة ... فذات مسـاء، بعد أن غادرهما إبناهما إلى كُـلِّـيَّتيـهمـــا، وقد انتهـت العطلة الصيفيـة، فأحسَّــا بالمنـزل وقـد خـلا إلاَّ منهمـا؛ فاقتـرحــت " أنجـانـا "، تزجيـةً للوقت، أن يعودا لقراءة الرسائل التي تبادلاهـا خـلال فترة خطبتهما الطويلة التي سبقت ارتباطهما بالزواج. وكانت الخطابات، التي تكاتباهـا في ثـلاث ســنوات، تـمــلأ ســتة صناديق من الورق المقـوَّى، خُبِّـئــت في عليَّــة المنزل. وبذل " بالو " جهداً كبيراً ، واقفاً على كرسي بلا ظهر ولا ذراعين، ليأتي بأحد هذه الصناديق، وكانت " أنجانا " تثبِّـتُ الكرسي بيديهـا. واستعان " بالو " بقطعة قماش لتنظيـف الصندوق من التراب، ولإزاحة عدد قليل من حشـــرات ( السُــميكة )، قارضة الورق، العالقة به، والتي كانت قد تمكَّـنـت من غزو العُليَّـة، بالرغم من أنها قد تمَّ رشُّــها بالمبيدات. وعرضت " أنجانا " أن يقوما بقراءة الخطابات وهما جالسين على ســلَّم البيت، وبادرت بالجلوس على ثاني درجة من الســلَّم، فجلس " بالو " على الدرجة الثالثة، على بعد يقرب من ثلاث أقدام منهـا. سحب هو أوَّلَ رسـالة.
أهذا خطُّـه على غـلاف الرســالة ؟؛ ماذا جرى له الآن، إذن، وقد سـاء وتدنَّـى، حتى صــار – كالنبـش – لا يُقـرأ ؟. ربما كانت شـدة الوجد هي دافعه لأن يجعل خطَّه واضحاً مقـروءاً، ليضـمــن أن تســـتوعب " أنجانا " كل كلمة بالخطاب.
ما إن بدأ يقرأ : " يا حبـي الوحيــد .. "، حتى توقف، وتســاءل، غير مصـدق : " أأنا من كتب هذا ؟ ".
" نعم .. وإنني لأتذكَّـر أن تلك كانت أحب الاستهلالات إليك .. واســتمع لهذه .. هل تعرف كيف بدأت رسالتي هذه لك ؟ .. ( يا بطلي الذي لا يُشــقُّ له غبــار .. ) .. ".
وضحكت ضحكة صغيرة، واستمرت تقرأ :
" م م م ... م م م ... لا أعرف كيف سينقضي هذان اليومان الباقيان على لقائي بك .. إن ذلك لهو الموت البطيئ .. "
وأسقطت هذه الرسالة في الصندوق، والتقطت أخرى من رسائله :
" لكِ قبـلاتـي الرطبــة ... تلك كانت آخر كلمات هذه الرسالة .. "
همهم " بالو " دون أن يرفع رأسـه. وعندما أخذت تتلو بعض أجزاء من الرسالة أكثر طـلاوةً، ازدادت سحنته الممتقعة امتقاعاً، من وقع ما تبدَّى من جيشـان الشباب، وتحيات حارة، ومبالغة وتضخيم للمشاعر؛ وفوق كل ذلك، حالات البوح والانتشـاء حتى الثمالة. و عند نقطة في سـياق قراءتها، اتسـعت هوَّةُ الأقدام الثـلاثة، لا إرادياً، فصارت أربعة. وتوقفت " أنجانا "، فجأةً، عن القراءة، تســأله :
" بالو .. أتراك تفكر فيما أفكر به ؟ ".
قال : " دعينـا نتخـلَّـصُ منهــا .. "
وبدت كأنها ارتاحت من هـمٍّ ثقيـل. قالت :
" أنت لمَّـاحٌ جــداً .. وأنا لســتُ بمغفَّـلــة، فإنهم لم يكونوا ليمنحوا قـلادة الجامعة الذهبية لأفضل دارس آداب لمغفَّلـة .. على أيٍّ، فكيف صنعنا هذا ؟ ".
بـادر يـردُّ :
" لا تتحدثي بصيغة الجمع .. فعن نفسي، أنا لم أفعل، فكثير من هذه الرسائل غاب عن ذاكرتي؛ وإن غيابها ليزداد تأكداً كلما تبدت فيها تلك الحماقة غير المعهودة ".
لقد ظل الزوجان، قبل هذا اليوم ولسنوات انقضت ، يظنان الرسائل مقتنيات ذات قيمة، جديرة بأن تتوارثهـا الذرية. وخُيِّــلَ لهمـا أن الجيل الحالي .. جيل البريد الإلكتروني، والأجيال التالية، التي لن تعرف إلاَّ وسائل الاتصال التكنولوجية، سيحدبون على الرسائل كرمز دالٍ على حياة حميمية طريفة، وكبرهان على أصالة المحتـد؛ غير أنها – الرسائل – تبدو الآن صلة غير مريحة بين قدرتيهما على إدراك حقيقة الأمور، وشرفاً عظيماً، ومأثرة محمودة، واستراحة بليدة بين فصول مسرحية. لقد تكونت لدي طفليهما فكرة ملتبسـة عن قصتهما، ولكن لا شـيئ يوضح الحقيقة كما تفعل الرسائل.
ســألها " بالو " :
" هل سيكون بمقدورك أن تظهري هذه الرسائل لأحفادك ؟ ".
أجابته " أنجانا "، بعد إمعان :
" لا .. لا. ليس لأننـا فعلنـا ســـوءاً، ولكن لأنهم إذا رأوها لن يكفوا عن إزعاجنا حتى الموت ".
" حقـــاً .. ليــس ثمَّـــة ما يســوء .. أنت مُحِـقَّـة؛ فقـــط لا أريد أن يتصــــوَّر أحــدٌ أنَّ ذلك هـو أنـا .. ".
قالت : " لـك حــق .. دعنـا ندمرهـا .. ".
" نعــم .. ولكن، كيـف ؟ ".
" بطبيعة الحال، لا يمكننا إلقاؤها في صندوق القمامة، إذ ستكون عُــرْضَــةً لأن تقــع بيــد أحــدٍ مــا، فيقرؤها .. ".
وافقهـا، وقال : " فما رأيك إن أحرقناهـا ؟ ".
فكرت للحظات قبل أن ترفض الفكرة :
" لا .. فإن هبت رياح بعد أن تشـتعل النار فإنها ستذرو الأوراق، فمن سيقدر على ملاحقتها ؟؛ ولن يكون بمقدورنا التحكم فيما يمكن أن تفعله الأوراق المحترقة ".
ولفَّ المكان منـاخٌ تأمُّلـي، وســــاده صمتُ كان يقطعه أحدهما، من حين لحين، فـيُبــدي اقتراحـــاً، ليتصـــدَّى له الآخـــرُ فيُـدْحضه. وبعد ساعة من الاستغراق في التفكير، سنحت فكرة لـ " أنجانا ". إنهما يبنيـان بيتـاً جديداً على مسافة أميـال قليلة من منزلهما الحالي، وهو يوشك الآن على الاكتمال؛ وثمة بئـر مفتوحة تم حفرهـا في ساحته لإمداد عمليات البناء بالماء؛ ولا بد أن الفتحة الجديدة التي كان يُعتزم حفرها للبئر قد أُنجزت الآن، على بعد أمتار قليلة من فتحتها القديمة التي يتعين إغـلاقهـا. وتذكرت " أنجانا " أن المشـرف على الإنشـاءات كان يطلب من عمال البناء، بالأمــس، إعداد الأنقاض و ( الدبش ) لردم الفتحة الأولى، وتربة دقيقة الحبيبات لتغطية الردم.
أعـدَّ " بالو " الترتيبــات لإبعادها في اليوم التالي.
كانت الصناديق الستة قد أغلقت بعناية، ورُبطـت بشـريط؛ فـنـقـلاهـا في صنـدوق سـيارتهما إلى موقع بيتهما الجديد؛ وكان مشرف الإنشاءات بانتظارهما، إذ كان على علم بـمـقــدمهـمــا. ولم يكن " بالو " ليسمح لأي إنسان بلمـس الصناديق، بالرغم من أن المشـرف قد عرض عليه أن يقوم العمال بالمهمة؛ فراح يحمل الصناديق، واحداً بعد الآخر، وقد تقطَّعـت أنفاسُـه، ويسقطها في البئر المفتوحة، حريصـاً على ألاَّ تنفتـح من جـرَّاء السـقوط. فلما انتهى من آخر صندوق، كان يتنفس بصعوبة وقد نال منه الإجهاد :
- " أوراق لعينـة .. تزن طنَّــاً ! ".
لامَـهُ المشرف لأنه لم يقبل ما عرضه عليه من مسـاعدة، وقال :
" حســناً ســيدي .. تفضَّـل بالعودة للبيت وسنكمل نحن ردم البئـر ".
" لن يكون ذلك يا رجـل .. إردم البئر الآن؛ أما نحن، فلـن نبـارح المكـان .. ".
اعترض المشرف قائـلاً :
" سيدي، قد يستغرق العمل خمـس أو سـت ساعات، فلماذا تشـــقَّا على نفسيكما ؟ ".
وبُهــت بردهمـا معــاً :
- " لا .. لن نبارح المكان .. ".
وبدا المشـرف مرتبكـاً حائراً، وهو يســتدعي العمال ويأمرهم بردم البئر.
وكان " بالو " و " أنجانا " يتخذان ســمْتَ الوقار وهما يرقبـان أكوام التراب تُهـال، واحدة بعد الأخرى، على صناديق الورق المقوَّى، إلى أن سـوِّيت فتحة البئر بسـطح الأرض. صـار الآن حاجــز منيــع بين الرسـائل والأرض؛ أو بمعنى آخر، بين الرسائل وأيِّ إنسانٍ كان.
وبينما كانا يسيران إلى سيارتهما، قالت " أنجانا " :
" قد يأتي أثري، بعد عدد من السنين، فيحفر ويكتشـف بقايا الرسائل؛ وسيكون بإمكانه أن يعلن على الملأ أن بعض الحضارات القديمة كانت تكتب رسائل عاطفية بالإنجليزية ".
وكانت عيناها تبرقان؛ وكان " بالو " يختلس ضحكة فاترة، ويقول :
- " برأيـــي أن أمهات كتب التاريخ كتبت على هذا المنـوال .. ".
= تمَّــت =
النص الأصلى منشور في :
The Hindu
Online edition of India's National Newspaper
Sunday, March 05, 2006
رابط موقع النشر
http://www.hindu.com/mag/2006/03/05/stories/2006030500330600.htm
المؤلف :
الكاتب الهنـدي : ج.هـ. برابهــات
يقيم في مدراس، وهو متخصص في علوم الحاسوب؛ ويكتب القصة، بالإضافة إلى كتابات غير قصصية؛ وقد نشرت أعماله القصصية في كبريات الصحف الهندية؛ وفي العام 2000، نشـرت له دار النشر الشهيرة East West Books روايته الأولى ( ســلاسل )، التي لقيت رواجاً ملحوظاً، وقبولاً من النقاد.
المترجم :
رجب سعد السيد
– عضو اتحاد كتَّاب مصر، ونادي القصة بالقاهرة، وجماعة الفنانين والكتَّاب ( أتيلييه الإسكندرية ) – كاتب قصة ورواية، وله مؤلفات في تبسيط العلوم، وكتب للأطفال.
ما إن بدأ يقرأ : " يا حبـي الوحيــد .. "، حتى توقف، وتســاءل، غير مصـدق : " أأنا من كتب هذا ؟ ".
" نعم .. وإنني لأتذكَّـر أن تلك كانت أحب الاستهلالات إليك .. واســتمع لهذه .. هل تعرف كيف بدأت رسالتي هذه لك ؟ .. ( يا بطلي الذي لا يُشــقُّ له غبــار .. ) .. ".
وضحكت ضحكة صغيرة، واستمرت تقرأ :
" م م م ... م م م ... لا أعرف كيف سينقضي هذان اليومان الباقيان على لقائي بك .. إن ذلك لهو الموت البطيئ .. "
وأسقطت هذه الرسالة في الصندوق، والتقطت أخرى من رسائله :
" لكِ قبـلاتـي الرطبــة ... تلك كانت آخر كلمات هذه الرسالة .. "
همهم " بالو " دون أن يرفع رأسـه. وعندما أخذت تتلو بعض أجزاء من الرسالة أكثر طـلاوةً، ازدادت سحنته الممتقعة امتقاعاً، من وقع ما تبدَّى من جيشـان الشباب، وتحيات حارة، ومبالغة وتضخيم للمشاعر؛ وفوق كل ذلك، حالات البوح والانتشـاء حتى الثمالة. و عند نقطة في سـياق قراءتها، اتسـعت هوَّةُ الأقدام الثـلاثة، لا إرادياً، فصارت أربعة. وتوقفت " أنجانا "، فجأةً، عن القراءة، تســأله :
" بالو .. أتراك تفكر فيما أفكر به ؟ ".
قال : " دعينـا نتخـلَّـصُ منهــا .. "
وبدت كأنها ارتاحت من هـمٍّ ثقيـل. قالت :
" أنت لمَّـاحٌ جــداً .. وأنا لســتُ بمغفَّـلــة، فإنهم لم يكونوا ليمنحوا قـلادة الجامعة الذهبية لأفضل دارس آداب لمغفَّلـة .. على أيٍّ، فكيف صنعنا هذا ؟ ".
بـادر يـردُّ :
" لا تتحدثي بصيغة الجمع .. فعن نفسي، أنا لم أفعل، فكثير من هذه الرسائل غاب عن ذاكرتي؛ وإن غيابها ليزداد تأكداً كلما تبدت فيها تلك الحماقة غير المعهودة ".
لقد ظل الزوجان، قبل هذا اليوم ولسنوات انقضت ، يظنان الرسائل مقتنيات ذات قيمة، جديرة بأن تتوارثهـا الذرية. وخُيِّــلَ لهمـا أن الجيل الحالي .. جيل البريد الإلكتروني، والأجيال التالية، التي لن تعرف إلاَّ وسائل الاتصال التكنولوجية، سيحدبون على الرسائل كرمز دالٍ على حياة حميمية طريفة، وكبرهان على أصالة المحتـد؛ غير أنها – الرسائل – تبدو الآن صلة غير مريحة بين قدرتيهما على إدراك حقيقة الأمور، وشرفاً عظيماً، ومأثرة محمودة، واستراحة بليدة بين فصول مسرحية. لقد تكونت لدي طفليهما فكرة ملتبسـة عن قصتهما، ولكن لا شـيئ يوضح الحقيقة كما تفعل الرسائل.
ســألها " بالو " :
" هل سيكون بمقدورك أن تظهري هذه الرسائل لأحفادك ؟ ".
أجابته " أنجانا "، بعد إمعان :
" لا .. لا. ليس لأننـا فعلنـا ســـوءاً، ولكن لأنهم إذا رأوها لن يكفوا عن إزعاجنا حتى الموت ".
" حقـــاً .. ليــس ثمَّـــة ما يســوء .. أنت مُحِـقَّـة؛ فقـــط لا أريد أن يتصــــوَّر أحــدٌ أنَّ ذلك هـو أنـا .. ".
قالت : " لـك حــق .. دعنـا ندمرهـا .. ".
" نعــم .. ولكن، كيـف ؟ ".
" بطبيعة الحال، لا يمكننا إلقاؤها في صندوق القمامة، إذ ستكون عُــرْضَــةً لأن تقــع بيــد أحــدٍ مــا، فيقرؤها .. ".
وافقهـا، وقال : " فما رأيك إن أحرقناهـا ؟ ".
فكرت للحظات قبل أن ترفض الفكرة :
" لا .. فإن هبت رياح بعد أن تشـتعل النار فإنها ستذرو الأوراق، فمن سيقدر على ملاحقتها ؟؛ ولن يكون بمقدورنا التحكم فيما يمكن أن تفعله الأوراق المحترقة ".
ولفَّ المكان منـاخٌ تأمُّلـي، وســــاده صمتُ كان يقطعه أحدهما، من حين لحين، فـيُبــدي اقتراحـــاً، ليتصـــدَّى له الآخـــرُ فيُـدْحضه. وبعد ساعة من الاستغراق في التفكير، سنحت فكرة لـ " أنجانا ". إنهما يبنيـان بيتـاً جديداً على مسافة أميـال قليلة من منزلهما الحالي، وهو يوشك الآن على الاكتمال؛ وثمة بئـر مفتوحة تم حفرهـا في ساحته لإمداد عمليات البناء بالماء؛ ولا بد أن الفتحة الجديدة التي كان يُعتزم حفرها للبئر قد أُنجزت الآن، على بعد أمتار قليلة من فتحتها القديمة التي يتعين إغـلاقهـا. وتذكرت " أنجانا " أن المشـرف على الإنشـاءات كان يطلب من عمال البناء، بالأمــس، إعداد الأنقاض و ( الدبش ) لردم الفتحة الأولى، وتربة دقيقة الحبيبات لتغطية الردم.
أعـدَّ " بالو " الترتيبــات لإبعادها في اليوم التالي.
كانت الصناديق الستة قد أغلقت بعناية، ورُبطـت بشـريط؛ فـنـقـلاهـا في صنـدوق سـيارتهما إلى موقع بيتهما الجديد؛ وكان مشرف الإنشاءات بانتظارهما، إذ كان على علم بـمـقــدمهـمــا. ولم يكن " بالو " ليسمح لأي إنسان بلمـس الصناديق، بالرغم من أن المشـرف قد عرض عليه أن يقوم العمال بالمهمة؛ فراح يحمل الصناديق، واحداً بعد الآخر، وقد تقطَّعـت أنفاسُـه، ويسقطها في البئر المفتوحة، حريصـاً على ألاَّ تنفتـح من جـرَّاء السـقوط. فلما انتهى من آخر صندوق، كان يتنفس بصعوبة وقد نال منه الإجهاد :
- " أوراق لعينـة .. تزن طنَّــاً ! ".
لامَـهُ المشرف لأنه لم يقبل ما عرضه عليه من مسـاعدة، وقال :
" حســناً ســيدي .. تفضَّـل بالعودة للبيت وسنكمل نحن ردم البئـر ".
" لن يكون ذلك يا رجـل .. إردم البئر الآن؛ أما نحن، فلـن نبـارح المكـان .. ".
اعترض المشرف قائـلاً :
" سيدي، قد يستغرق العمل خمـس أو سـت ساعات، فلماذا تشـــقَّا على نفسيكما ؟ ".
وبُهــت بردهمـا معــاً :
- " لا .. لن نبارح المكان .. ".
وبدا المشـرف مرتبكـاً حائراً، وهو يســتدعي العمال ويأمرهم بردم البئر.
وكان " بالو " و " أنجانا " يتخذان ســمْتَ الوقار وهما يرقبـان أكوام التراب تُهـال، واحدة بعد الأخرى، على صناديق الورق المقوَّى، إلى أن سـوِّيت فتحة البئر بسـطح الأرض. صـار الآن حاجــز منيــع بين الرسـائل والأرض؛ أو بمعنى آخر، بين الرسائل وأيِّ إنسانٍ كان.
وبينما كانا يسيران إلى سيارتهما، قالت " أنجانا " :
" قد يأتي أثري، بعد عدد من السنين، فيحفر ويكتشـف بقايا الرسائل؛ وسيكون بإمكانه أن يعلن على الملأ أن بعض الحضارات القديمة كانت تكتب رسائل عاطفية بالإنجليزية ".
وكانت عيناها تبرقان؛ وكان " بالو " يختلس ضحكة فاترة، ويقول :
- " برأيـــي أن أمهات كتب التاريخ كتبت على هذا المنـوال .. ".
= تمَّــت =
النص الأصلى منشور في :
The Hindu
Online edition of India's National Newspaper
Sunday, March 05, 2006
رابط موقع النشر
http://www.hindu.com/mag/2006/03/05/stories/2006030500330600.htm
المؤلف :
الكاتب الهنـدي : ج.هـ. برابهــات
يقيم في مدراس، وهو متخصص في علوم الحاسوب؛ ويكتب القصة، بالإضافة إلى كتابات غير قصصية؛ وقد نشرت أعماله القصصية في كبريات الصحف الهندية؛ وفي العام 2000، نشـرت له دار النشر الشهيرة East West Books روايته الأولى ( ســلاسل )، التي لقيت رواجاً ملحوظاً، وقبولاً من النقاد.
المترجم :
رجب سعد السيد
– عضو اتحاد كتَّاب مصر، ونادي القصة بالقاهرة، وجماعة الفنانين والكتَّاب ( أتيلييه الإسكندرية ) – كاتب قصة ورواية، وله مؤلفات في تبسيط العلوم، وكتب للأطفال.