قال الموظف للشاب الذي تقدم من مكتبه : ألم أقل لك أمس وقبل أمس بأن ملفك ناقص ... تنقصه وثائق ، تساءل الشاب : أنت لم تحدد لي الوثائق اللازمة ... وبنبرة صارخة قال الموظف : هل أنت أمي ؟ ألا تقرأ ؟ أسأل نفسك ، هذه ليست مهمتي ، أنا أتسلم الملفات كاملة ، بعد ذلك أنجز عملي لا أقل ولا أكثر ، مفهوم ؟ رجع الطالب الشاب القهقرى وهو يتساءل وبصوت مسموع : ما الذي ينقص هذا الملف ؟ لقد تأكدت أكثر من مرة من الوثائق ... تقدم منه رجل في متوسط العمر ، أمسك بيده ... جره بعيدا ... قال له : لاشك أنك لم تتمكن من دفع الملف ، أليس كذلك ؟ أجاب الشاب بحماس : نعم ... نعم كان يطمح في أن يقدم له الرجل إرشادا ... لكن صاحبنا قال : لا شك أنك لا تحسن الإدغام ... هنا رد الشاب بغضب : كيف لا أعر ف الإدغام وأنا طالب جامعي في شعبة الأدب العربي في السنة كذا ... في كلية ...
ـ انتظر يا ولدي ... أن تعرف الإدغام شيء وأن تحسنه شيء آخر ...
قال الطالب الجامعي والحيرة تملأ محياه : ما هذه الهرطقة ؟ الإدغام هو :<< إدخال الشيء بالشيء >> هكذا يقول صاحب كتاب التعريفات ... العلامة ...
أجابه الرجل : اسمع ... أنت لا تحتاج إلى كل هذه المعلومات ، الإدغام إدخال الشيء في الشيء ، الحرف في الحرف ... وقس على ذلك ... قال الشاب مبتسما : فهمتك : إدغام الراء في الراء ـ مثلا ـ وإدغام الوثائق في بعضها ... تقصد أن ترتبها في الملف ... وأنا ... ملفي يبدو أنه غير مرتب ... يا لبلادتي ... كيف لم انتبه لهذه المسألة ! على أية حال شكرا جزيلا ... لم يترك لصاحبة فرصة التوضيح وإنما هرول باتجاه الموظف العابس : تفضل سيدي ، الملف جاهز ... أمسك الموظف الملف ... تفحصه سريعا ... رماه في وجه الشاب بحيث تناثرت الوثائق في كل اتجاه ... شباب مغفلون ... لو ظللت أشرح وأوضح لهؤلاء وأولئك لضاعت مصالح المواطنين ... أنت تعطلني ... توجه الطالب الجامعي ... نحو كرسي بئيس في البلدية الملعونة ... توجه إليه صاحبه من جديد : ألم أقل لك ... إن ما تعلمته في جامعتكم شيء وما عليك أن تتعلمه من هذه البلدية شيء آخر ... ولو أنك صبرت قليلا لهانت الأمور ، قل لي : الإدغام هو أن تدخل حرفا في حرف مثله ... أليس كذلك ؟
حك الشاب رأسه ... : نعم ...
ـ هؤلاء يا صديقي ... موظفو هذه البلدية لا يعترفون بهذا النوع من الإدغام ... إدغامهم إدخال أوراق في وثائق أو لنقل : أوراق مالية في ملفات إدارية ...
وقبل أن يكمل حديثه ... أدغم الطالب ورقة مالية من فئة عشرين درهما في ملفه ... أسرع الخطى ... سلم الملف للموظف الذي بادله ابتسامة بابتسامة أوسع ودون أن يفتح الملف حتى كأنه شم رائحة ... ولسانه يقول ـ بصوت خافت ـ : شكرا ، وبصوت مسموع : عد إلى الوثيقة بعد نصف ساعة تقريبا ...