1- هذا الزمن المغربي الجريح ، كتاب مفتوح على المزيد ، من صرخات حجارة الصٌبار الجليل .
ترى من يسقي شجرة الملح ، في أزقة مدن الضياع ، سوى أهازيج صقور ، هي الآن ماضية في وضع اللمسات الأخيرة ، لشكل اللعبة و لون الخريطة المصدرة ..؟
عنقود حروفها العقيمة هي .. يبست ، و كلماته الحمراء هو .. المسافرة ، على متن صهوة بحرنا الغاضب ، لن يرعبها رصاص المرايا ..
هو .. زمن حالم ، و يئن تحت أقدام الأمكنة ..، أمكنة باتت تخدم سلطان رياح شمال ، تتشكل فصوله القديمة ، و ما بين سطوره العميقة ، من حرارة الغموض البليغ ، و القادم من هندسة البارحة ، زمن عاد يصول خاطبا ، و نزيفُ عين الأسئلة الفياضة ، هو سيد المواقف الحالية .. فطوبى لزمن رديء ، تُرك وحيداً على جسر من قصب ..
لعلها تقلبات طقس السياسة الجوفاء ، و في ساحات الشوارع المعطلة ، عادت صقور الأمس ، تلعب معنا ، نحن الحجارة الحارقة ، لعبة محارات الغميضاء ، و بداخل الغرف المثقوبة ، و المعلقة من أنوفها العليلة ، علينا تطل أحزان أشباه الرجال ، في عالم صغير ليست له رائحة ..
2- من حرارة صراخ جسد صيفنا الشهي ، إلينا تسافر خفاقةً معاني حروب الصقور . طيورنا الصديقة للبحر الهائج ، غادرت منذ عام أدغال الغابة ، مع الطلعة الأولى لفجر المدينة ..هو ليس انسحاب من ساحة لعبة التاريخ ، بل عودة جيوش زبد الجبل إلى فاكهة موجه العاتي .
أما قلب حقول التراب ، المنتشرة حدائقها الصفراء ، في رؤوس ركاب هذي السفينة، فمازال ينبض بالشمس ، ثمة شيء من نور السواعد الواشمة ، يطل باسما من أفق جبل صارخ و في حالة تأهب قصوى ..، لذا لابد من مواصلة صعود سلم علامات المدى ، لجني المزيد من حروف تشتهيك ..، و أكتبها ليلا جميلا ، يخرج من زمن الدوائر ، ليكسر العمود اللعين ، ثم يعود غانما بشرى سقوط الأبواب ..
قلعهم الشاهقة ، كأنها أبراج رمل ، داخل أنابيب الثلج احتفلت بالولادة الأخرى للبحر.
3- هو صمت آخذ في تحريك حروفه الأولى ، بإشعال أولى شرارة الرفض الآهل بدلالات أسئلة من نار حامية ، قرأتها مع أقراني ، في حضرة ظلال الأشجار الصديقة ، قرأت أمتع النصوص الحبلى ، برائحة هذه الزنزانة الدافئة و الممزوجة ، بعطر رائحة الجسد الفاضح لعوراتهم العارية ..، تلك التي اكتوت بلهيبها البهي ، مرايا الشمس قبل طلوع الفجر .. ، هي أسئلة بحر جميل و معطل خانته أمواجه اسمه الوطن .
4- أشتهيك يا وطني المحترق ، الذي يمشي شامخا ، بين عواصف الزلازل .
أشتهيك يا وطني المنفي ، وراء غابة تعلمني كيف أحرس الشجر ، و بمحارات الحجر أكسر عناصر الظلام في الزقاق الملتحي .
و تحت خيمة سماء أوثان من قصب ، يدخنها ببطء شديد هذا الزمن الجاري ، كنهر البراري ، تسقط اليوم أمطار حبلى بالثمار ، هي قربان جديدة قدمت ، في عيد السواعد لسلطان من ورق شفاف . لدماء صرخة الحجر أجنحة من نار ، و لن يستطيع الدخان محو كلمات ، تقطر دما مفحما ، سطرتها خفافيش الليالي الباردة ، هذه التي حولت الأجساد إلى صرخة من تراب.
5- هم الآن كأهرام من رمال ، يكبرون فرادى ، و يموتون غرباء ، و جباههم البراقة ، كساحات الملاعب المزهرة ، تتسع لكل دماء غاباتنا العطشى ، بها يمتدون و يتسلقون أجسادنا الواقفة ، خائفين من السقوط الجميل ، الذي نصب خيمة من وبر الجمال ، ينتظر وصولهم الأخير ... و أنت الأكبر يا وطني يا غالي .. يا رحيم .
6- لهذا المساء رائحة الأمس القريب ..
أبواقهم الكثيفة و المزروعة ، في أمكنة جسدي العليل بغليان الشمس ، و في حضرة جند الحجر المتسائل ، هناك ثمة صدأ عقيم متسلط ، يشرب الكأس تلو الأخرى غير مبال ، و في كل مساء يرقص المعنى المضاد للون الغروب ، مزينة هيئاته الأنيقة ، بتشكيلات أوسمة نجاح الليل البهيم ، في خدمة الجسد الكبير الآهل بعروض رقصات ذئاب مغارة الخفافيش .
كيف احترفت النعامة لعبة تسلق الأرقام و الانبطاح ، تحت الأقدام حتى الثمالة ، و الأحجار على أرصفة الميناء ، احترفت لعبة الاحتراق و الانتظار ، فوق منصة صمت ، يشتهيه البحر كمحطة للغيمة العادلة .؟
7- هي أبراج من قصب ، لاهثة وراء كسرة عظم ، هو طعم لها وليس إلا ،
هي رغبات مجنونة متحالفة ، مع نظام كهربائي لا يفكر إلا في تعبيد الأسلاك ، بخيط يدمي لعابا ، تنسج هويتها التافهة الخدعة ، و ببطاقة فيزا تنفث أرصدة بيضاء ، تمكنها من المرور الأسرع ، إلى جنان الضفة السفلى تحلم بالتحليق الأقدس . هي أشبال غيلم بليد، بنشوة ظاهرة ، تدخنها أحجار الطريق القادمة لا محالة ..
8- هي أنثى مركبة ، من أهازيج احتفالات أرباب الكراسي العتيقة ، و بمعاني عمامات شيوخ أحزاب القبائل المتواطئة و المسافرة ، عبر سواعد رجال متعبين ، كأظرفة الإدمان ، تمتص رحيق تراب هذا الوطن ، المسكون بجلالة الأحجار، التي اختارت شهوة السكوت ..فوق جسر ملتهب ..حتى ينطق التاريخ بعدالة عرس التيه .
9- هي أنثى ..، من فاكهة القدر المحشو بغياب آثم ، الذي أنصف الرياح الجارفة ، و لم تنصف دهشة البحار المنفية ، داخل زنزانة ، تكتب لون الرماد ، الذي يستعد للصراخ الجميل .
10- حين نقرأ بعضا ، من مشاهد تاريخ هذي الحروب الصغيرة الجارية ، في حقول مساء لم تكتمل فصوله بعد ، لن نفاجئ بسحر مهارة أصابع الأيدي ، في أعلى طبقات سحب هذه القلعة المقدسة ، التي تحرس أحجارنا ، و جراحنا الغائرة ، من غزوات الشمس الحليفة تهزأ بهم ، و بجرأة الموج تحفر عموديا في العيون .
هي ، كعادتها منذ الأمس البعيد ، و في أغلب أعياد السواعد ، تصرخ مدمرة في وجه من تشاء ، و تنبطح حتى يغمى عليها لمن تشاء ، و تغتال ، حتى آخر ذرة ، من تراه من الحروف يستحق الاغتيال . و حين يغتال الشجر بتواطؤ مزين بالقوافي ، بين الراعي و فلكه الحالم ، بالمزيد من ضوء الجراح ، فتلك علامة الساعة الجميلة ، لا ريب فيها آتية .
محمد بقوح
الدشيرة / المغرب