وماذا يعني أن يموت أحد ما؟
لا شيء..
لا شيء؟ ولكن، ثمة شخص.. شخص ما، في مكان ما، في لحظة ما، سيموت أمامه.
وعندما فكر في الحيثيات، اكتشف أن ما يعنيه في المسألة كلها، هو أنه سيكون الشخص الوحيد الموجود في لحظة القتل. القتل؟ أجل.. مشهد بسيط.. فجأة، وقد يحدث هذا في شارع مزدحم أو مقفر. عريض أو ضيق. وقد يحدث والقتيل يشعل سيجارة مثلا، أو وهو يحدق في ساقيّ امرأة جميلتين. المهم أن رجلا ما ـ أو لنقل قتيلا ما ـ ، وبصرف النظر عن أوصافه وملامحه القابلة للاستبدال في أي لحظة، سيصاب برصاصة موجهة، وربما طائشة!
الآن، لا بد للقتيل أن يصرخ، ثم يترنح ويسقط، أو يسقط دفعة واحدة مثل كيس ثقيل، والدم ينزف من الثقب المفاجئ في الرأس ـ ولا ضير في أن يكون في الصدر ـ ، ثم ينتفض تلك الانتفاضة التي لا تليق إلا بالقتلى، ثم يهمد.
وكما نرى، فإن المشهد عند هذا الحد لا يشكل هاجسا خاصا تماما. فرغم أن المهجوس سيكون هو الشخص الوحيد الموجود في لحظة القتل، إلا أنه يستطيع أن يتابع سيره من دون التفات. ويستطيع ـ إذا رغب ـ أن يلقي نظرة عابرة، ويتابع المشي.
لكن الأمور ليست دائما كما نشتهي..
وعليه، فإن أحدا، كائنا من كان، لا يستطيع أن يفسر تلك الفكرة الطارئة في ذهن المهجوس.. فكرة أن عليه أن يفعل شيئا ما!
وبعد أن قلّب الأمر طويلا، عثر في ذاكرته على صور ومشاهد تلفزيونية متفرقة.. صور لقتلى مدثرين بأوراق الصحف.
ولكن القتيل تأخر!
يمكن القول إن القتيل معذور في تأخره، وهو كذلك حقا. إلا أن الهواجس حين تجمح لا ترحم، ولا تلقي بالا إلى الأعذار والمبررات، وتصبح فكرة الإقلاع عن الهاجس هاجسا أشد ألما، كالفكرة الطارئة التي تشير إلى أن الجريمة كلها قد لا تقع أصلا. لا، لا، فطالما كان الرصاص موجودا، والقتلة متوفرين، والقتلى مستعدين، فإن الجريمة واقعة بالضرورة، وما على المهجوس إلا الانتظار في استعداد كامل، لأداء دوره التاريخي كما ينبغي!
قرر أن يتسلح بجريدتين، لئلا يتيح المجال لذبابة واحدة أن تلمس القتيل. آه.. القتيل الذي راح يسأله بعد أيام، إن كان واثقا من قدرته على القيام بدوره المحدد، ما أجج غضب المهجوس وثورته. وللحق، فإن ثورة المهجوس مبررة. فبينما هو سندان لألف مطرقة لا تكل، يأتيه القتيل باردا يسأله التفاصيل.
أي قتيل هذا الذي هو أي شخص؟ وأي قتيل هذا الذي يضحك، ويحرص على أن تُغطى جثته في إتقان؟ وأي قتيل هذا الذي يتعامل مع المهجوس كموظف رسمي؟
كان من الطبيعي أن يستقيل المهجوس من وظيفته، ويقرر الاعتزال في البيت.
استراح قليلا بادئ الأمر، لكن حسه العالي بالمسؤولية، أخرجه في اليوم التالي.
ومع الخطوات الأولى في شارع(ما) ، عاد القتيل إلى السؤال عن أدق التفاصيل.. عن قدرة المهجوس على القيام بمهمته التاريخية! فلماذا لا يختبر نفسه إذن؟ وما العيب في القيام ببعض التمرينات استعدادا للجريمة؟ ألا يقال عادة( مسرح الجريمة ) ؟ فلماذا لا يكون المهجوس ممثلا؟
لم يكن ذلك صعبا. استخدم الوسائد والكتب وبعض أدوات المطبخ. انتقل من موقع إلى آخر في البيت، ونجح تماما، وفي سرعات متفاوتة.
الآن، مسّه شعور بالارتياح. فالهاجس يحتضر. هي لحظة واحدة قادمة. صرخة مفاجئة، ودوي ناجم عن ارتطام الجثة بالأرض، وصحيفة تتساقط أوراقها في إتقان.. و.. ماذا بعد؟ انتبه فجأة إلى أنه كثيرا ما كان يسير في شارع ما، ولا أحد أمامه. وفي تلك اللحظة الصاعقة، سمع خلفه وقع خطى منتظما تماما. وتذكر أن هذا الصوت لم يكن مفاجئا. التفت إلى الخلف. وقعت عيناه على شخص (ما ) ، يسير خلفه في انتظام وثقة، وعيناه لا تحيدان عنه، وقد تأبط حزمة من الصحف، بدا حريصا عليها إلى أبعد حد!
وعليه، فإن أحدا، كائنا من كان، لا يستطيع أن يفسر تلك الفكرة الطارئة في ذهن المهجوس.. فكرة أن عليه أن يفعل شيئا ما!
وبعد أن قلّب الأمر طويلا، عثر في ذاكرته على صور ومشاهد تلفزيونية متفرقة.. صور لقتلى مدثرين بأوراق الصحف.
ولكن القتيل تأخر!
يمكن القول إن القتيل معذور في تأخره، وهو كذلك حقا. إلا أن الهواجس حين تجمح لا ترحم، ولا تلقي بالا إلى الأعذار والمبررات، وتصبح فكرة الإقلاع عن الهاجس هاجسا أشد ألما، كالفكرة الطارئة التي تشير إلى أن الجريمة كلها قد لا تقع أصلا. لا، لا، فطالما كان الرصاص موجودا، والقتلة متوفرين، والقتلى مستعدين، فإن الجريمة واقعة بالضرورة، وما على المهجوس إلا الانتظار في استعداد كامل، لأداء دوره التاريخي كما ينبغي!
قرر أن يتسلح بجريدتين، لئلا يتيح المجال لذبابة واحدة أن تلمس القتيل. آه.. القتيل الذي راح يسأله بعد أيام، إن كان واثقا من قدرته على القيام بدوره المحدد، ما أجج غضب المهجوس وثورته. وللحق، فإن ثورة المهجوس مبررة. فبينما هو سندان لألف مطرقة لا تكل، يأتيه القتيل باردا يسأله التفاصيل.
أي قتيل هذا الذي هو أي شخص؟ وأي قتيل هذا الذي يضحك، ويحرص على أن تُغطى جثته في إتقان؟ وأي قتيل هذا الذي يتعامل مع المهجوس كموظف رسمي؟
كان من الطبيعي أن يستقيل المهجوس من وظيفته، ويقرر الاعتزال في البيت.
استراح قليلا بادئ الأمر، لكن حسه العالي بالمسؤولية، أخرجه في اليوم التالي.
ومع الخطوات الأولى في شارع(ما) ، عاد القتيل إلى السؤال عن أدق التفاصيل.. عن قدرة المهجوس على القيام بمهمته التاريخية! فلماذا لا يختبر نفسه إذن؟ وما العيب في القيام ببعض التمرينات استعدادا للجريمة؟ ألا يقال عادة( مسرح الجريمة ) ؟ فلماذا لا يكون المهجوس ممثلا؟
لم يكن ذلك صعبا. استخدم الوسائد والكتب وبعض أدوات المطبخ. انتقل من موقع إلى آخر في البيت، ونجح تماما، وفي سرعات متفاوتة.
الآن، مسّه شعور بالارتياح. فالهاجس يحتضر. هي لحظة واحدة قادمة. صرخة مفاجئة، ودوي ناجم عن ارتطام الجثة بالأرض، وصحيفة تتساقط أوراقها في إتقان.. و.. ماذا بعد؟ انتبه فجأة إلى أنه كثيرا ما كان يسير في شارع ما، ولا أحد أمامه. وفي تلك اللحظة الصاعقة، سمع خلفه وقع خطى منتظما تماما. وتذكر أن هذا الصوت لم يكن مفاجئا. التفت إلى الخلف. وقعت عيناه على شخص (ما ) ، يسير خلفه في انتظام وثقة، وعيناه لا تحيدان عنه، وقد تأبط حزمة من الصحف، بدا حريصا عليها إلى أبعد حد!