فى حادث غامض مات البطل، لم ينتبه المؤلف فى البداية إلى حالة الوفاة، فقط أمام بطء الأحداث وتوقف زمن القص والسكون التام الذى سيطر على القصة، راجع المؤلف ما كتبه، فاصطدم أثناء المراجعة فجأة بجثة ملقاة على الأرض، لم تكن مغطاة أو مدفونة مما يؤكد أن الجانى لا يريد إخفاء جريمته، ولم يكن سلاح الجريمة ظاهرا أو موجودا مما ينفى فرضية الانتحار من البداية.. الدماء التى تركت الجثة كانت تغطى مساحة ليست بالصغيرة من القصة، حتى أن يد المؤلف كانت تقطر دما حين رفعها عن الورقة.
وقف المؤلف مذهولا فى بداية الأمر، لكنه وكمؤلف ملتزم بكل خصائص السرد الواقعى وقواعده، اضطر إلى استعمال التليفون والاتصال بالشرطة للإبلاغ عن الجريمة والجثة، سارعت الشرطة بالحضور، وأيضا كشرطة تعرف دورها وتعمل على حفظ الأمن ومنع الجريمة حتى داخل قصة قصيرة، بدأت فحص القصة من بدايتها.. كان العنوان مريبا لكن الأحداث تبدو عادية من الوهلة الأولى.. موظف صغير متزوج من سيدة لا تعمل، لم يهتم المؤلف بها فلم يرسم لها صورة أو يظهرها فى قصته حتى ولو ككمبارس صامت، يسكن شقة من حجرتين وصالة، ترك الزمن بصماته القاتمة على كل ما بها.. جدران، سقف، أثاث.. حتى بلاط الأرضية لم يسلم من ضربات الزمن التى حطمت بعضه وتركت على ما بقى منه علامات سوداء..
لم يكن هناك أعداء واضحون فى السرد رغم أنه يبدو – بقراءة ما بين السطور – أن المؤلف منذ البداية لا يحبه، فقد حبسه فى سجن العادات والتقاليد.. صلاة الجمعة فى المسجد القريب من بيته الروتين والفرض الذى يجب أن يتم، العودة والجلوس أمام التلفاز لمشاهدة الشيخ الشعراوى والتثاؤب المستمر، تناول الغذاء فى موعد مبكر – لم تظهر القصة من أعده ولا من يتناوله معه استمرارا لحالة التهميش – عن المعتاد فهذا يوم الإجازة، ثم العودة للتلفاز وأكواب الشاى السوداء المتعددة – هنا أيضا لم تظهر من أعدت وجهزت وأحضرت- والتثاؤب حتى ميعاد النوم، الذهاب إلى العمل طوال أيام الأسبوع حيث يتحرك الملل والكأبة والضغائن الصغيرة فى شكل أوراق وأشخاص..
كان انسانا عاديا، يتلبسه الفقر منذ اليوم السابع بعد قبض المرتب، لا يملك ما يجعل منه محلا للحسد أو الحقد، ولا يحتل منصبا يجعله مطمعا للأخرين أو خصما لهم يستحق القتل.. لم يمارس أى نشاط يثير الشك أو يخلق العداء - للأمن وحراسه- تأكد من هذا ضابط الشرطة.
لم يفهم الضابط الذى يقوم بالتحريات.. لماذا وأنا أملك القدرة على الخلق لا أحقق طموحى الذاتى؟!.. لماذا لا أخلق المناصب العالية والسيارات الفارهة والقصور التى تحيط بها الحدائق والأشجار والأسوار، تحرسها الكلاب - من كل نوع- من كل جانب؟!.. لماذا أخلق شخصية عادية يسعى يومه للحصول على طعام بينما يمكننى أن امد مطبخى بالخدم وأصناف الطعام التى نراها على موائد الأسياد واللئام؟!!.
توقف وكيل النيابة أمام هذه الجزئية باستغراب.. "لماذا يكون مثله بطلا لقصة؟!.. لابد أن المؤلف يخفى شيئا ما فى داخله.. ربما يكون هذا نوعا من المرض النفسى".. من هنا تحرك شك وكيل النيابة – الذى تدعمه تحريات ضابط المباحث وشكوكه- نحو المؤلف.. خاصة أنه لم يكن هناك فى الأساس أى شخصية أخرى بجانب البطل.. اختار المؤلف منذ البداية آدم دون حواء.. شخصا واحدا فى قصة عادية، وقد أحاط قصته منذ البداية بحائط - من الكلمات والنقاط- لم يجد وكيل النيابة ثغرة به يمكن لأحد آخر أن يتسلقه أو يتسلل من خلاله ليدخل القصة، ويقوم بعملية القتل مع انتفاء الهدف والسبب.. لذلك وفى نهاية يوم طويل اضطر وكيل النيابة إلى الأمر بالتحفظ على المؤلف – ذلك القرار الذى أدخل السعادة إلى قلب الضابط – وتشميع القصة بالشمع الأحمر والتحفظ عليها لحين انتهاء التحقيقات.