وَاحْتَلَّتِ الْمَنَافِضُ الْمَقْعَدَ الْمُجَاوِرْ ،
وَالْفَرَاغْ ! الْمَقَاعِدَ الْأُخْرَى ،
الَّتِي خَصَّصَهَا لِلْغَائِبِينَ الَّذِينَ رُبَّمَا لَنْ يَصِلُوا أَبَداً :
الرَّجُلُ الَّذِي يَفْتَحُ فِي جُيُوبِ مِعْطَفِهِ حَانَةً ،
وَيَحْلُمُ أَنْ يَخِيطَ لِعُرَاهُ ، أَزْرَاراً مِنَ النُّجُومْ .
الْإِسْكَافِيَّ الْعَجُوزْ ، الَّذِي بِلَا قَدَمَيَنِ ،
وَالَّذِي لَا يَعْرِفُ كَيْفَ يَكُونُ سَعِيداً ،لِأَنَّهُ بِلَا قَدَمَينْ .
الشَّاعِرُ الْأَعْمَى الَّذِي يُكَلِّمُ الْعَالَمَ بِعُكَّازِهِ ،
وَيُجِيدُ صِيَاغَةَ الْمَلَاحِمْ .
فِي الَقاَعَةِ تَتَسَكَّعُ الْأَحْذِيَةُ وَالْأَحْلَامْ ،
لَا شَيْءَ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ أَحْيَاءَ ،
آلَاتٌ حَدْبَاءٌ وَأَعْضَاءٌ لُفِّقَتْ عَلَى عَجَلْ .
جَلَسَ إِلَى جَانِبِ الْمَقَاعِدِ الْفَارِغَةْ ،
دَخَّنَ لُفَافَاتِ أَصَابِعِهِ حَتَّى أَرْمَدَتْ ،
شَرِبَ دَمُ الْكُؤُوسْ .
تَخَلَّفَ الْمَوْتَى عَنْ مَوَاعِيدِهِمْ ،
لَا بَأْسَ! قَالْ .
" رُبُّمَا يَصِلُونَ مُتَأَخِّرِينً كَكُلِّ الْقِطَارَاتِ الذَاهِبَةِ إِلَى الْحَربْ "
بَدَتْ لَهُ الْمَقَاعِدُ تَضْحَكُ بَأَفْوَاهٍ مُغْلَقَةْ .
وَفِي الْخَارِجْ سَقَطَتْ فِي الْبِرَكِ السَّمَاءْ وَقُفَّازَاتُ الثَّلْجِ الْقُطْنِيَةْ ،
وَخَلْفَ نَافِذَةِ الْبَاْر، وَقَفَتْ شَجَرَةٌ وَحِيدَةْ ،
تَتَرَنَّحُ فِي الرِّيحْ ،
تَقَيَّأَتِ الْحَانَةُ أَشْبَاحَهَا ، وَالْمَوْتَى لَمْ يَصِلُوا .