أينما التف السوري رأى خراباً من حواليه.. يحزن، ولكنه في نفسه يعترف: هذا الخراب لم يكن ابن اليوم، وهذه الحرب هي نتاج نصف قرن من الزمان.. نصف قرن من الأحداث والوقائع والصراعات.. نصف قرن تم فيه الغاء الثقافة/ مسرح/ سينما/ تلفاز/ اذاعة/ صحافة/ مكتبة/ نوادي/ احزاب/ وعلاوة على هذا مُنع أي نشاط سياسي ديمقراطي، وبناء أي مؤسسة أهلية في البلاد.
نصف قرن من العيش في الشعارات المخدّرة التي علقت على واجهات المؤسسات الرسمية والمباني الحكومية، وعلى الأشجار، وفي الشوارع، وفي الإذاعة والتلفاز، وفي داخل الكتب المدرسية، وفي المهرجانات والاحتفالات والمؤتمرات.
نصف قرن زُرع الخوف في نفوس السوريين.. الصغار قبل الكبار، والرجال قبل النساء، والشيوخ قبل الأطفال. خوف من عدو خرافي غامض، يظهر وقتما يشاء، ويختفي في المكان الذي يبغيه ويشاء.. عدو كإبليس يوسوس بالخوف في صدر كل سوري: هناك من يستدرجك/ احذر / هناك من يراقبك/ احذر/ هناك من يبلّغ عنك/ احذر/ هناك من يُظهر لك غير ما يبطن من الكلام/ احذر..
نصف قرن والسوري يعيش في الرعب، ويأكل في الرعب، ويشرب في الرعب، وينام في الرعب، ويستيقظ في الرعب. نصف قرن جعلوا من السوري إنساناً يخاف من ظله أكثر من نفسه! نصف قرن جعلوه فرداً مفرداً في قطيع..