سعى تشارلز داروين للإجابة عن سؤال: كيف انبثق الجمال الطبيعي وما الهدف منه؟ لقد رفض فكرة أن الجمال في الطبيعة مجرد أمر اعتباطي تولد من قوى مادية، آمن داروين بأن الألوان الجميلة والأنماط المتنوعة الممكن مشاهدتها في الفراشات والعث والأسماك والطيور، ومخلوقات أخرى، من المفروض أن تكون لها فائدة من جانب ما، في “نشأة الإنسان والانتقاء الجنسي” (1871)، قدّم نظرية تقول بأن الجمال هو نتيجة تراكمية للانتقاء الجنسي، دارسًا طقوس التزاوج لدى مختلف الأنواع، استنتج داروين بأن الزينة الباهرة لدى الحيوان، الاستعراض والأبّهة، لا يُعقل أن تكون عبثية، ويستحيل الشك في أن الأنثى لا تُعجب بجمال شريكها الذكر، وهذا يتناقض مع الرؤية التقليدية التي عبّر عنها إدموند بيرك (1767) بأن الجمال أنثوي والرّفعة ذكرية.
يشير كانط إلى أن البشر وحدهم القادرون على تقدير الجمال، وداروين يصر على أن نشأة هذه القابلية لإدراك الجمال (وتقديره على هذا النحو) هي ذاتها لدى الحيوان كما لدى الإنسان، غير أنه يتفق على أن مفاهيم الإنسان عن الجمال أكثر تعقيدًا عن إدراكات الحيوان، وهي تشمل القيم الثقافية والتقاليد. وباستقصائه حول الأعراف الغزلية بمختلف الثقافات، أكّد أن الجمال يلعب دورًا مركزيًا متساويًا في انتقاء الشريك، رغم الاختلاف بين الثقافات.
يتّفق سيغموند فرويد مع داروين فيما يخص أصل الجمال ودوره بحياة الإنسان. في “قلق في الحضارة” (1930) يؤكد فرويد دون شك بأن الجمال ينشأ بالدوافع الجنسية، وبأن كل أشكال المتعة مرتبطة بالحب الجنسي، وفقًا لداروين وفرويد، وظيفة الجمال كونية، أما تمظهراته المختلفة فمتعلّقة بنسبية الثقافات. تُعتبر الوشوم تعبيرًا جميلاً محبّبًا بثقافة معينة، وأمرًا محظورًا بثقافة أخرى. نساء الماكالولو يحدثن ثقبًا بشفاههن العليا ويضعن قرطًا. القرط، حتى فترات متأخرة نُظر له باعتباره مقتصرًا على أقلية بالثقافة الغربية، أما الآن فهو أمر شائع بجل المجتمع الغربي. شعر الوجه (لحية أو شارب) يُنظر له كإضافة جمالية للذكور بالثقافة الغربية، في حين أن الهنود الأمريكيين يرونه أمرًا مبتذلاً وشائنًا، هم يقدّرون الشعر الطويل عند الرجال. مهما يكن، الشغف بالجمال والاستعداد المُتعِب لتحقيقه، أمر متداول بكل الثقافات.
ناعومي وولف، ناشطة نسوية، تنفي صحة ما سبق. رافضة فكرة أن الجمال استجابة أصيلة، واحتياج كوني. الجمال، وفقًا لوولف، مجرد أسطورة اختلقها الرجال بالثورة الصناعية واستخدموها منذ ذلك الحين لاستغلال النساء لأغراضهم الخاصة. تُصرّح بأن الجمال ليس كونيًا وليس بوظيفة تطورية. استعداد النساء للمعاناة بغرض تحقيق النموذج الجمالي الزائف يُفصح عن هيمنة الرجال، ويؤكد التلاعب الاستغلالي الذكوري. وبالتالي، وفقًا لوولف، تَعَبُ المرأة لبلوغ الجمال ليس منتَجًا أصيلاً للقوى التطورية (1991). تنتقد كاميل باغليا هذا النوع من المقاربة النسوية الذي يركز على صورة الجمال بالقرن الماضي ويفشل في الإحاطة بصورة تاريخية شاملة. باغليا تضع أصل الجمال بمصر القديمة (1991).
وبتعارض مع موقف وولف، تجادل نانسي إكتوف على أن الجمال عنصر فعّال وأصيل بالحياة اليومية. تتّفق مع داروين بأن الجمال يؤثر في الاختيار الجنسي، لكنها تذهب حد قول أن تأثيره يشمل كل جوانب الحياة منذ البدايات الأولى للطفولة. الجمال ليس نتيجة تلاعب سياسي أو اقتصادي، إنما بالأحرى العكس: نظرًا لتأثيره القوي، يُستخدم الجمال كأداة لتحقيق غايات سياسية أو اقتصادية. الجمال، وفقًا لإكتوف، ليس منتَجًا لفترة معينة بالتاريخ، إنما أصيل، أكثر من ذلك، أنه يكمن في صميم الطبيعة البشرية (1999).
* Beauty and sexual selection.