«ها زمن الغجر المرتحلين منذ أمد بعيد، قد ولّى بغير ذاكرة و بغير كتابة».
الشاعرة الغجرية Bronislawa Wajs
مصطبةُ الأسماك. أصوات المخمورين. رائحة المطر
الممزوج بأكياس التبن. رؤوس اللفت المرمي بإهمال.
نساء الساعات الأولى من الفجر. طست الخمر و غبار الحزن
يجول رماديا في الحانة /
أدخل مأخوذا بدخان السمك المقلي، و بخـَدْشِ امرأة
في عنق النادل من أثار هراش شبقي (أتخيل ملتذا
ما دار على الفـُرْشِ !)
... أطلب كأس نبيذ يومض بالبرق. تلتف الصفصافة بالجدران
المنخورة بالخز. تمد جذوعا و فروعا في المصطبة. تلتف الأوراق
على المنضدة، و تلف بطست الخمر و بالأجساد / يورق
من في الحان. تخضرُّ وجوه الرّوادِ ...
يدي تخضرُّ (غصنُ صنوبرة هذي الكفُّ !).
أصف زجاجاتَ الخمرِ و أرفع كأسي. أرفعها تلمع
في جوف الحانة مثل الرمح !
................
أسند ظهري للنافذة. و أولي وجهي للنافذة
الأخرى. أصغي لأحاديث الغجر المخمورين ... تتسع
النافذة المهجورة من خلفي (لا أسأل إن كان المشهد وَهْمًا
بصريا، إذ لا فرق هنا بين الواقع و الوهم).
... أطلب كأسا أخرى كي أدخل في الحلم.
ما أجمل أن أشرب في هذا الفجر، ما أطيب رائحة َ
اللفت، ما أجمل أن أجلس في الحانة، حيث غبار الحزن
يجول رماديا ...
ما أجمل حاناتَ الغجر. حيث لا ويسكي، و لا فودكا،
و لا شمبانيا / هنا لن تجد سوى أرخصِ أنواع الخمرِ: عَرَقَ البلحِ
و عصير النخل الممزوج ببعض شعيرٍ، و قليل من أوراق
التفاح / سيعطيه نكهة قاع البحر ...
(أنا أعرف ذلك !)
................
الغيمة تمطر في الخارج. السقف الخشبُ
يقطرُ. لا أبصر شيئا من خلف النافذة، سوى مَرْجٍ مكتظ
بالحطابين، و نساءٍ يغسلن ثيابا موحلة ً من أثر الدرب.
(مهنتنا السفر) يقول غجري يجلس قربي.
السقف الخشبُ يقطرُ / تتسع الحانة في المطر. تزداد
أعداد الغجر المتكئين على المنضدة (قليلٌ من عَرَقِ البلح
سيؤخّـرُ رحلتنا القادمة: فلنشرب و لنتلذذ بالسمك المقلي،
و نبيذ في طعم الخشبِ !)
... أصغي للغجر المخمورين. و أشرب كأسي. أحلم متكئا
أني أسبح في المَرْجِ، و أني أنبت أعشابا و حشائش
في قدم الجسر ... أحلم متكئا، و أنا أصغي للمطر المسَّاقِطِ
منذ قرون / فيوقظني النادل من حلمي...
................
لا أحدٌ في الحانة غيري / وَهْمًا كانت طاولتي . وَهْمًا
كانت مصطبة الأسماك. أصوات المخمورين. أحاديثُ الغجرِ
المتكئين على المنضدة ( معاطفهم وَهْمًا كانت و منافضهم)...
... و لكن مَهلا !
لو كانت وَهْمًا هل كنت أشمُّ دُخَانَ سجائرهم؟ هل كنت أشمُّ
اللحظة َ رائحة اللفت الطازج و السمك المقلي؟
لو كانت وَهْمًا هل كنت سأبصر خَدْشا في عُنُق النادل من
آثار هِـراشٍ شبقي؟
لو كانت وَهْمًا هل كنت أحس اللسعة َ في حلقي (طعمَ التفاح
و نكهة َ قاع البحر) ؟
................
الغابة مقفَلة في الفجر. الفاختُ نائمة ٌ
بين الأغصان. البط اللائذ بالأجمات يئن كتيما في
البرد. البوم الشيخ اِلـتفَّ الريشَ ( بقايَا الريشِ) و نام
قريرَ العين.
لا كلبٌ ينبحُ. لا ذئبٌ يعوي /
الغابة لم تستيقظ بعدُ !
سأهيئ للطير موائدها: قِشرَ الليمون، فـُـتاتَ الخبز
و بعض نبيذٍ أبيض إن وجدَ.
................
أوَّلُ رفرفةٍ بين الأغصان.
أوَّلُ زعقةِ طير. أول خشخشةٍ في الأجمات المطلية
بالأبيض من كل الألوان. أولُ صيحةِ ذئبٍ.
................
الآن أغادر مرتاح البال !!!
زياد عبد القادر
المنخورة بالخز. تمد جذوعا و فروعا في المصطبة. تلتف الأوراق
على المنضدة، و تلف بطست الخمر و بالأجساد / يورق
من في الحان. تخضرُّ وجوه الرّوادِ ...
يدي تخضرُّ (غصنُ صنوبرة هذي الكفُّ !).
أصف زجاجاتَ الخمرِ و أرفع كأسي. أرفعها تلمع
في جوف الحانة مثل الرمح !
................
أسند ظهري للنافذة. و أولي وجهي للنافذة
الأخرى. أصغي لأحاديث الغجر المخمورين ... تتسع
النافذة المهجورة من خلفي (لا أسأل إن كان المشهد وَهْمًا
بصريا، إذ لا فرق هنا بين الواقع و الوهم).
... أطلب كأسا أخرى كي أدخل في الحلم.
ما أجمل أن أشرب في هذا الفجر، ما أطيب رائحة َ
اللفت، ما أجمل أن أجلس في الحانة، حيث غبار الحزن
يجول رماديا ...
ما أجمل حاناتَ الغجر. حيث لا ويسكي، و لا فودكا،
و لا شمبانيا / هنا لن تجد سوى أرخصِ أنواع الخمرِ: عَرَقَ البلحِ
و عصير النخل الممزوج ببعض شعيرٍ، و قليل من أوراق
التفاح / سيعطيه نكهة قاع البحر ...
(أنا أعرف ذلك !)
................
الغيمة تمطر في الخارج. السقف الخشبُ
يقطرُ. لا أبصر شيئا من خلف النافذة، سوى مَرْجٍ مكتظ
بالحطابين، و نساءٍ يغسلن ثيابا موحلة ً من أثر الدرب.
(مهنتنا السفر) يقول غجري يجلس قربي.
السقف الخشبُ يقطرُ / تتسع الحانة في المطر. تزداد
أعداد الغجر المتكئين على المنضدة (قليلٌ من عَرَقِ البلح
سيؤخّـرُ رحلتنا القادمة: فلنشرب و لنتلذذ بالسمك المقلي،
و نبيذ في طعم الخشبِ !)
... أصغي للغجر المخمورين. و أشرب كأسي. أحلم متكئا
أني أسبح في المَرْجِ، و أني أنبت أعشابا و حشائش
في قدم الجسر ... أحلم متكئا، و أنا أصغي للمطر المسَّاقِطِ
منذ قرون / فيوقظني النادل من حلمي...
................
لا أحدٌ في الحانة غيري / وَهْمًا كانت طاولتي . وَهْمًا
كانت مصطبة الأسماك. أصوات المخمورين. أحاديثُ الغجرِ
المتكئين على المنضدة ( معاطفهم وَهْمًا كانت و منافضهم)...
... و لكن مَهلا !
لو كانت وَهْمًا هل كنت أشمُّ دُخَانَ سجائرهم؟ هل كنت أشمُّ
اللحظة َ رائحة اللفت الطازج و السمك المقلي؟
لو كانت وَهْمًا هل كنت سأبصر خَدْشا في عُنُق النادل من
آثار هِـراشٍ شبقي؟
لو كانت وَهْمًا هل كنت أحس اللسعة َ في حلقي (طعمَ التفاح
و نكهة َ قاع البحر) ؟
................
الغابة مقفَلة في الفجر. الفاختُ نائمة ٌ
بين الأغصان. البط اللائذ بالأجمات يئن كتيما في
البرد. البوم الشيخ اِلـتفَّ الريشَ ( بقايَا الريشِ) و نام
قريرَ العين.
لا كلبٌ ينبحُ. لا ذئبٌ يعوي /
الغابة لم تستيقظ بعدُ !
سأهيئ للطير موائدها: قِشرَ الليمون، فـُـتاتَ الخبز
و بعض نبيذٍ أبيض إن وجدَ.
................
أوَّلُ رفرفةٍ بين الأغصان.
أوَّلُ زعقةِ طير. أول خشخشةٍ في الأجمات المطلية
بالأبيض من كل الألوان. أولُ صيحةِ ذئبٍ.
................
الآن أغادر مرتاح البال !!!
زياد عبد القادر