بين أحضان السواقي ,و الصخور...
حيث يقبّل الصّنوبر خدود الأفْق البعيد,
و تشرب الفراشات من خمور المساء الحزين,
و تستحم أحزان الحلّاج بزفرات المساكين.
أعلن القمر اليتيم, بين حين و حين...
أن أباه توفي شهيدا بين أحضان السنين,
و أن أمه الحالمة, تركته وحيدا للبحث عن الحطب.
فلسعات الشتاء الغاضبة,
أعلنت أنها لن ترحم المجانين.
و أنا باق بلا حذاء,يا أبي , بلا معين...
الأشواك يا أبي, مزقت ثيابي...
فمشيت حافي القدمين...
سنين و سنين,
عاري الخدين...
جسدي نحيل أعياه الحنين...
أصرخ يا أبي فيرجع الصدى,
بأن أمي لن تعود...
و إن سجّلت وعودها بدموع مقلتيها.
تاهت الأحزان في دروبي,
و ها أنا جالس يا أبي, بلا ملل, بلا شقاء,
أنتظر عطف النجوم الصفراء,
أداعب الأحجار حتى لا تمل,
و أغازل أوراق الخريف حتى لا ترحل,
و أرقب وجه القمر اليائس,
و إن سمعت في بلاد بعيدة,
أن الجلّاد عاد من جديد...
ليحصي القتلى في عرس مجيد,
و يحتسي نخب الجرحى...
××××
إنّي يا أبي رأيت حلما, يفترس عظامي...
و الأطفال غرقى في حمم الدماء...
و كؤوس الأرق قطّعت الأوصال, يا أبي...
و مزقت العروق,
و لمحت من بعيد,
الابتسامات السوداء, تختنق فوق موكب النّخاسة ,و العبيد.
إني يا أبي رأيت الأطفال يأكلون الحجر,
و يعدُون بين الأشواك, و المطر ينهمر,
حفاة, عراة , يا أبي, مثلي...
و صوت الرصاص يشق الثّرى في ضجر,
و الظلام الخائن يأكل نهود الأمطار,
و يسرق قطرات الندى,
و يعدم الغمام الراحل...
××××
نمت يا أبي , و رأيت حلما,
مرّ عليّ ملّاح و قال :اركب,
فألقيت بنعْلي الممزّق و نمْت في المركب,
و سبعة بحور بيني و بين المغرب,
تدحرجني امتدادات الأمواج إلى المجهول,
و إن أخبرني السندباد بأسرار آلهة البحار,
فإني ضللت الطريق...
××××
إني جائع يا أبي حتى البكاء,
كأنّي طفل رماه الزّمان الخاطئ,
فلم يعره العابرون حتى الرثاءّ,
و تلقفته الأيام في ازدراء,
ها أنا يا أبي, أنام ...
في انتظار الدجى, أنام...
فاشتر لي حذاء, و إن من دموع الابرياء,
و انتظرني, و لا تطفئ الاضواء,
فإني اشم رائحة خبْز أمّي وقْت العشاء,
و أنت جالس على كرسيّك تطالع المساء,
فاللّيل يا أبي و إن طال,
فإنّ عواءه إلى زوال...