"ليس الكمال الأخلاقي الذي يبلغه المرء هو الذي يهمنا، بل الطريقة التي يبلغه بها"
ليو تولستوي

1- مقدمة:

إنّه لمن الغرابة بمكان أن معظم المفكرين التربويين الذين تناولوا التربية الجنسية عند كانط لم يصنفوها ضمن حقل التربية الأخلاقية، واكتفَوْا بوضعها تحت عنوان التربية العملية، وهو التصنيف الذي اعتمده رينك تلميذ كانط ومنسق كتابه "تأملات في التربية ". ولكننا، على خلاف ذلك، نرى أن التربية الجنسية تقع في صميم التربية الأخلاقية، ولا يمكنها أن تكون خارجة عنها. ومن المعروف أن التربية الجنسية هي من أكثر مظاهر الحياة الإنسانيّة ارتباطا بالأخلاق، ولا سيّما قيم الحقّ والباطل والحلال والحرام. ويمكن القول أيضا إن هذه التربية تشكل دائما القضية المحورية التي اهتمّت بها الشرائع الأرضية والأديان السماوية جميعها. وربما لا نبالغ في القول أيضا إنّ العلاقة بين الجنسين تشكل أخطر مظاهر الحياة الأخلاقية وأعمق جوانبها في المجتمعات الإنسانية منذ الأزل. ومن المعروف لدى القاصي والداني أن الشرائع الدينية والمدنية شغلت بتنظيم العلاقة الجنسية بين المرأة والرجل وفق أنساق عريضة من القيم الأخلاقيّة الّتي لا يمكن تصنيفها أبدا خارج السياق الأخلاقي للعلاقة بين الإنسان والإنسان عامّة..

وبات واضحا لنا أنه لا يمكننا الخوض في فكر كانط التربوي إلا في ضوء فلسفته الأخلاقية النقدية. وعلى هذا المنوال ترتبط التربية الجنسية في أبسط تجلياتها بالأخلاق وبالروح الفلسفية النقدية لديه. وهنا تكمن صعوبة الخوض في قضية التربية الجنسية كما هو الحال في مختلف أشكال التربية الكانطية. ومن المعروف تمام المعرفة أن النظام الفكري عند كانط يتكامل ويتفاعل متّخذا هيئة نظام فكري شامل أساسه فلسفيّ متعدّد الأبعاد. وعلى هذه الصورة لا يمكن تناول آرائه في العلاقة بين الجنسين إلا في ضوء الواجب والقانون الأخلاقي الذي أقره قيمة أخلاقية عليا في الفكر والوجود.

تنبيه هام : هذا جزء مختصر من المحاور والخطوط العامة للمحاضرة الافتتاحية، ولا ندعي مطلقا أنها تغطي تفاصيل المحاضرة التي يمكن الرجوع إليها كاملة مسجلة على منصة وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة-الصفحة الرسمية.
*النماذج البيداغوجية للنهوض بمخرجات المنظومة ومعها الثروة البشرية لم تعد تشكل لدينا عقدة، وكل نموذج بيداغوجي يمكننا اعتماده من بين النماذج الدولية يحتاج لشروط عامة وخاصة متكاملة لتنزيله وتطبيقه، ولكل نظام تربية تكلفة لصيقة به "اقتصاد التربية/النموذج الاقتصادي للتربية" بما يعنيه ذلك في علاقة بالمقدرات الاقتصادية والمالية المتوفرة لكل بلد،وكذا في علاقة بالحكامة .
*سلسلة القيمة تبدأ بالمنتوج المنتظر" الطلب الاجتماعي" في صلة بفلسفة التربية ومواصفاتها المحددة، وكيفما كانت النماذج يجب أن تكون تلك المواصفات موحدة بالنسبة للدولة .
*التوجيه يجب أن يكون على قاعدة تكافؤ الفرص.
*مستقبل التعليم اليوم صار مرهونا بالرقميات التي صار تأثيرها يشمل نمط الإنتاج، والمدرسة المستقبلية بعد 20أو30سنة لن تكون هي المدرسة الحالية، كما شهدها القرن العشرين.
*ما نستفيده أيضا من التجارب الفاشلة أيضا له أهميته،سنة2012 كان الوقوف عند أسباب فشل 11دولة إفريقية حينها عن إرساء بيداغوجيا الكفايات(دراسة ج.م دوكيتيل De Ketele وم.دوفلاي(Develay
*انتظارات التعليم المدرسي من البحث التربوي :
-آخر بحث يعود إلى سنة 2010 (بفرنسا) في موضوع التوجهات الدولية في مجال البحث التربوي.
-الكلمات المفتاح ذات أهمية في البحوث :29 مجال للبحث، طريقة التدريس-التعليم الابتدائي-محصلات التعلم-النوع الاجتماعي-البيداغوجيا الجامعية-سياقات التعلم-....إلخ.
-الموضوعات التي تتكرر حسب تلك الدراسة عددها 5:
1-تكوين المدرسين ويهم كل الدول في العالم
2-الحافزيةLa Motivation (نتساءل عن قابلية تلميذ اليوم للمتابعة والانتباه عند إنجاز نشاط لمدة زمنية معينة، وكيف يمكننا تدبير زمن التعلم بطرق مبتكرة)
3-المناهج الدراسية (من حلقات المناهج التي تمتد لسنوات طويلة جدا إلى الحلقات المتوسطة والقصيرة)والسياسات المنهاجية .
4-مواكبة التكوين ومواصفات متابعة التكوين
5-الممارسات المهنية التبصّرية لكل الفاعلين التربويين (أساتذة-مفتشون-إداريون...)

الإصلاحات الأخيرة في نظام التعليم عمّقت التباينات والانقسام فيما بين أطر هيأة التدريس، والذين توحدهم نفس الأزمة في صلة بتحولات مهام مهنة الأستاذ: أزمة المعنى، وأزمة الهوية المهنية .
شكلت مهنة التعليم في العهود السابقة مرادفا للترقي الاجتماعي، غير أنها لم تعد تُغري، وتراجعت جاذبيتها، حتى أن وزارة التربية لم تستطع تغطية عدد المناصب التي عرضتها في آخر مباريات ولوج التعليم(كانت بعدد 4000منصب) أمام نقص عدد المترشحين الذين تقدموا للمباراة.
لطالما كانت مهنة التعليم تصقلها هوية قوية متماسكة، ويسندها معنى إيتيقي، غير أنها اليوم، ومع تنوع الوضعيات التي يوجد عليها أطر التدريس، تعيش تشظيا بتقاطب بارز.
فما صنف التمايزات الجديدة التي تعرفها مهنة التعليم؟ وكيف يمكن تجاوزها ؟.
توجد فعلا خلف الوحدة الظاهرة لمهنة التعليم، وصِفَة الأستاذية فئات مختلفة من الموظفين، وبتباينات واضحة : المبرزون، حاملو الشهادات، أساتذة الثانويات المسار المهني، أساتذة المدارس الابتدائية.
وكان، بالتالي، ضروريا انتظار فترة الستينات من القرن العشرين لتترسخ تلك التمايزات، بينما كانت في السابق تظهر فيما بين أستاذ مبرّز بالثانوي، وأستاذ الابتدائي، وبالمدرسة الجماعاتية، لدرجة أن تجميعهم داخل نفس الفئة يستتبع سوسيولوجيا اختلافات ضئيلة .

هل يمكن أن تتحسن المدارس إن جرى إعادة تصميم مناهجها، وطرق التدريس داخل فصولها، بما يتوافق مع معطيات علم الوراثة؟ وكيف يمكن للجينات أن تحفز التفكير خارج الإطار التقليدي، بالنسبة لطفل لا يتعلم بالطريقة الاعتيادية؟

لا تسمح المسافة بين التعليم وعلم الوراثة بالتكهن، أو توقع حلول للإكراهات التي يواجهها التعليم المدرسي؛ غير أن التأثير الذي تمكن علماء الجينات من إحداثه في ميادين الطب، والزراعة، والقانون، والسياسة الاجتماعية، يعزز فرضية التجاوب، ولو من منظور مستقبلي، بين الدروس المستفادة من علم الوراثة وأبحاث الجينات، وبين الإشكالات التي تنتصب على نحو مستمر داخل الوسط المدرسي، وفي طليعتها: معيقات التحصيل الدراسي.

إن مهمة التعليم هي أن يُكسب الصغار مهارات التعلم البسيطة، ممثلة في القراءة، والكتابة، والحساب، بغض النظر عن معدلات ذكائهم. وهذا يعني أن السياسة التعليمية قائمة على فرض الأهداف ذاتها، دون مراعاة للاختلافات الفردية الطبيعية في القدرة والنمو. في حين يعلم الجميع أن كل طفل عند ولادته، يحمل سمات خاصة به، تعكس حالته المزاجية، واحتياجاته، وميوله. لذا يرتبط تحقق مهمة التعليم بمعرفة الطريقة التي تتفاعل بها جيناته مع الخبرات المكتسبة في المدرسة.

يكمن الحل إذن في نظام تعليم تستوعب مناهجه وطرائقه معطيات علم الوراثة، بشكل يتيح في الآن نفسه تنمية المهارات الأساسية للطفل، واحتضان مواهبه وقدراته الفردية. فمنذ اختتام مشروع الجينوم البشري سنة 2003، أصبح تحديد تسلسل الجينوم عملية ميسرة، تسمح بالتعرف على الجينات التي تؤثر على قدرات التعلم، وبالتالي تُمكّن نتائجها من إحداث فارق إيجابي.

عادة ما يلجأ صناع السياسات العامة إلى الخبراء، حين يتعلق الأمر بتصميم جسر معلق، أو استخدام عقار جديد ضد الأمراض الفتاكة. أما في مواجهة القضايا التعليمية الشائكة فإن القائمين على السياسة التعليمية يميلون إلى تدعيم قراراتهم وخططهم الإصلاحية بفرضيات وتحيزات مبسطة، تستند إلى توظيف انتقائي للبحث العلمي.
وإذا كانت إحدى مهام المدرس المحورية هي تحدي التصورات القائمة في أذهان متعلميه، وحثهم على مراجعتها في ضوء الحجج المنطقية، فإن المنظومة بكاملها تفتقر إلى دليل لتفكيك الأحكام التبسيطية، والاستعمال السيء لما يصدر عن علم النفس وعلم الأعصاب من تفسيرات لا تصمد أمام الفحص الدقيق، من أجل ضمان ألا يتلقى أطفالنا تعليما رديئا.
في تصورهما العام لكتاب (تعليم رديء) يثير فيليب إيدي وجوستين ديلون دواعي التئام زمرة من الخبراء العالميين، لرصد نماذج التطبيق غير الرشيد، والادعاءات المبالغ فيها داخل النظم التعليمية. إذ ينطلق المحرران من خمسة أسباب تستدعي عودة الخبير للإمساك بزمام الأمور، ونزع غطاء العلمية الذي يتدثر به صناع السياسة التعليمية.
أول تلك الأسباب هو التفكير الحالم، أو ما يرغب التربوي في الإيمان به بغض النظر عن وجاهته العلمية.

"إن العلاقة مع المتعلمين أو الطلبة توصِلُنا إلى حدود قدرتنا، بل إنها قد تتجاوزنا، وقد ترهقنا، وتنهك قِوانا، لأنها ذات أبعاد مركّبة" عبد الجليل أميم (مدخل إلى البيداغوجيا.ج.2، 2019، ص.167).
تصاعُدُ مؤشرات الارتباك في العلاقات البيداغوجية، وتردد أنواع من التوتر الذي يأتي لينشر غيوم القلق بمناخ المؤسسات التعليمية خاصة منها بسلك الثانوي، والذي قد يتجلى في أشكال من العنف الرمزي والمادي بين مكونات المجتمع المدرسي، هل له أن يبرر دعاوى غرس قيم التعاطف والرعاية، وتحويل لحظات التوتر إلى مناسبات للتساؤل عن أسبابها الظاهرة أو المستترة، وإلى فرص لتأثيث مساحات القرب والإنصات، ومعها تأمين أهداف المؤسسة التعليمية ومشاريعها، وبخاصة منها استدامة التعلم وغاياته التكوينية؟.
يبدو أن إرساء سلطة بيداغوجية للمدرس-ة في علاقته بجماعة المتعلمين-ات، مبنية على نوع مميز من الرعاية والاحتضان بمعناه التربوي، قد صار ضرورة يجب إدماجها في قواعد اشتغال مؤسسات التربية والتعليم، بهدف تحقيق نوع من المصالحةréconciliation بين التلاميذ والمدرسة، وهو أمر أضحى ملحا في أنظمة التربية بعدد من الدول الغربية.
أكدت وثيقة في قانون الوزير "ليونيل جوسبان" سنة 1989(صدر يوم10يوليوز1989) في مذكرة موجهة لقطاع التعليم على "جعل التلميذ في مركز النظام التربوي"، وكان رد الفعل عليها واسعا لدى عدد كبير من المدرسين، ومن أصحاب القرار في مجال التعليم، بينما كانت الفكرة منذ فترات طويلة تتردد عند رواد البيداغوجيا وفي نصوص التربية الجديدة، هو ما جعلها تتقدم وتترسخ بالتدريج.

إلى الميلودي بنحليمة..ودردشات القراءة في "الزاوية".
في أحد أحياء دمشق، جلس بدرالدين بن جماعة ليخط حصيلة سنوات من التدريس والخطابة، في مدارس الشام، ومصر، وفلسطين. ويقدم بدوره ثمرة فكره التربوي في نسق موحد وكلي، تتآلف عناصره لتحدد تصورا تربويا، يهدف إلى بناء الإنسان السليم الذي تنهض على أكتافه أمة قوية.
لكن ما لفت الانتباه في كتابه" تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم" هو تخصيص فصل لما سماه ب " آلة تحصيل العلم"، أو "ما يؤنس من الجماد" كما وصفه أحد تلامذته. يحمل الفصل عنوان" في الأدب مع الكتب"، وهي إشارة دالة إلى أن الغاية ليست فقط وضع توجيهات وإرشادات، وإنما تنمية مشاعر وميول قرائية، بأسلوب يمزج الفكرة بالعاطفة، ويرتب لعلاقة إمتاع ومؤانسة بين الطرفين.
يضم الفصل أحد عشر توجيها، ما بين تحديد لأصول شراء الكتاب واستنساخه وإعارته؛ وصولا إلى ما يقتضيه متن الكتابة، من عناية بأدواتها، وتحسين الخط ليُنتفع به عند الكبَر؛ ثم تعظيم اسم الجلالة ولفظ النبوة جريا على عادة السلف. ويظل توجيهه بشأن حضور الكتاب والمكتبة في بيت المتعلم شاهدا على البعد الوجداني الذي يعد اليوم حلقة مفقودة في جل المبادرات الرامية إلى تحسين علاقة الطفل بالكتاب. يقول ابن جماعة:

    حينما تريد أن تستمع لحديث عن التربية "فلا ينبئك مثل خبير". فلحديث المربي عن التربية وقع خاص لا نلمسه عند " عالم التربية " مثلا. وانظر إذا ما كان المربّي فيلسوفا، فما عساه يكون الحديث، حينما يجتمع التأمّل الرصين بثقل التجربة؟ كثير من الفلاسفة امتهنوا التربية وكانوا فلاسفة- مدرّسين. أفلاطون ومن بعده أرسطو وغيرهما كثير كانط وهيجل وآلان... حتى بلغنا اليوم "عصر الفيلسوف الموظّف" بعبارة مارلوبنتي، الفيلسوف مدرّسا في الجامعة. وكثير من الفلاسفة أيضا من امتنع عن التدريس ( ديكارت وسبينوزا وآخرون). وإذا كان لبعض الفلاسفة، ممن اختار أن يقرن اشتغاله بالفلسفة بممارسة التدريس، شأنه العظيم كفيلسوف أكثر من شأنه مدرسا، مثل هيجل الذي لم يفهم تلاميذه دروسه جيدا فاضطر إلى كتابة "موسوعة العلوم الفلسفية" لييسّر على طلابه فهم أفكاره. وكان كانط المدرس أقلّ شأنا من كانط الفيسلوف، فإنّ لآخرين من هؤلاء الفلاسفة المدرسين من شاع صيته كمدرس وملأ الدنيا وشغل الناس بدروسه ربّما أكثر ممّا بلغته كتاباته الفلسفية على الرغم من كثرتها. ومن هؤلاء بالتأكيد الفيلسوف – المدرس أو المعلّم – الفيلسوف "إيميل شارتييه"، المعروف بكنية "آلان"، فيلسوف فرنسي ((1951-1868 تحدّث عن التربية والتعليم شأن غيره من الفلاسفة، غير أنّ لحديثه عنها مذاق خاص وأثر على النفس لا مثيل له. فبخلاف الفلاسفة الذين تحدثوا عن التربية وقدموا نظريات بشأنها، والذين قلما ربطوا هذه النظريات بتراكم خبري حصّلوه، نجد آلان لايفوّت فرصة الحديث عن مسائل التربية ومشكلاتها إلا وأحال إلى تجربته الخاصّة كمدرّس بل أحيانا كتلميذ لا رغبة في الإقناع فحسب، بل لقناعة خاصّة أدركها باشتغاله بالتدريس وانتباهه الحادّ إلى هذه الممارسة منذ كان تلميذا على مقاعد الدراسة كما يقول. نلمس هذا في أهمّ ما كتب  آلان عن التربية، أعني كتابه المميّز شكلا ومضمونا " أقوال في التربية"(1)، كتابا ربما لا يقرأ كثيرا ولا يذكر إلا لماما بيد أنّه من أهمّ ما كتب عن التربية . أقول كتابا مميزا شكلا، وأعني في طريقة كتابته، على طريقة أقوال، نصوص أو مقالات تبدو في ظاهرها منفصلة ولكنّها مترابطة تحكمها فكرة ناظمة؛ طريقة في كتابة النص الفلسفي ميزت "آلان" إلى جانب أسلوبه في الكتابة "أسلوب الإيجاز والصياغة الواضحة "، فضلا عن طرافة وفرادة في الأفكار جمعت بين العمق والوضوح.

 "إن غياب الخيال المبكر، وليس وجوده، هو الدال على المرض" د. شاكر عبد الحميد
حتى حدود القرن الثامن عشر، لم يكن الخيال يتمتع بسمعة جيدة، رغم أن أولى استخدامات المقابل اللاتيني imaginatio تعود إلى الفيلسوف أوغسطين، وكانت تشير إلى الصور المتوهمة للأشياء في العقل.
وفي القرن السابع عشر أبدى فلاسفة ك "هوبز" و"سبينوزا"، موقفا مرتابا إزاء الخيال، فتم ربطه بالهلاوس، وأحلام اليقظة. ومنهم من اعتبره نشاطا مراوغا، يسير في الاتجاه المضاد للتفكير المنطقي، أو في أحسن الأحوال وسيطا بين التفكير والإدراك الحسي. لكن كان هناك ما يشبه الإقرار بأهميته بالنسبة للبحث العلمي، من حيث صياغة الفرضيات، وتأسيس نماذج وبنى عقلية، تفتح آفاقا جديدة في مختلف فروع المعرفة الإنسانية.
يقول عالم النفس الروسي ليو فيجوتسكي: "إن الخيال هو الذي جعل منا بشرا". والمقولة تنطوي على رؤية متفائلة، تجعل من الخيال موجها لخبراتنا بالعالم وليس العكس. من هذا المنظور تصبح مظاهر وتجليات الخيال في الطفولة مدخلا لفهم وظائفه وإمكاناته، ورصد ما يعكسه العالم الخيالي للطفل من توترات، وإحباطات، ورغبات.
يربط فيجوتسكي ظهور الخيال بما يسميه الفجوة المثيرة بين رغبات الطفل والإشباعات المتحققة. لذا يلجأ إلى عالم الخيال للتنفيس عن إحباطاته. وتدريجيا يؤسس داخله بدائل تحرره من قيود الواقع. ويشكل اللعب الخيالي بموضوعاته وملحقاته، نموذجا حيا لقدرة الطفل التخيلية. وما نعنيه بالملحقات هي الأشياء التي يضفي عليها الطفل دلالة رمزية لا توجد في عالم الكبار، بحسب تعبير كاندال والتون، كالعصا التي تصبح فرسا، وقطع الأحجار الصغيرة التي يستخدمها الطفل بدائل للنقود في ألعاب البيع والشراء.

يرى العلامة ابن خلدون (1332-1406) أن الاجتماع الإنساني ضروري باعتبار الإنسان " كائناً اجتماعياً مدنياً بطبعه ". أي أنه يعيش ويقضي معظم وقته في تجمعات بشرية، يؤثر فيها ويتأثر بها، ويتحدد سلوكه الاجتماعي بناءً على الأنماط والمعايير والقيم التربوية، والثقافية، والاجتماعية، التي تلقاها في  مراحل حياته المختلفة بوصفه عضواً فاعلاً ومنفعلاً في التجمع الإنساني.

تعود الأبحاث الأولى حول علم الاجتماع التربوي إلى أواخر القرن التاسع عشر للميلاد، التي عمل على وضعها مجموعة من الفلاسفة، وعلماء الاجتماع من أشهرهم عالم الاجتماع الفرنسي اميل دوركايم (1858-1917) الذي قام بوضع مجموعة من المؤلفات حول علاقة علم الاجتماع بالتربية، حيث شكلت أعماله السوسيولوجية على مستوى المنهج والنظرية والممارسة الأكاديمية، المخاض الأول لولادة السوسيولوجية التربوية. وتعد المحاضرات الأولى التي ألقاها دوركايم في السوربون والتي بدأت عام 1902 بمثابة اللحظات الأولى التي بدأ فيها علم الاجتماع التربوي يأخذ صيغته ومنحاه. وفي سياق متصل ينظر النقاد  إلى عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر (1864-1920) بوصفه أحد رواد النظرية السوسيولوجية في مجال التربية، ومع أن فيبر لم يكرس لاجتماعيات التربية عملاً متخصصاً، إلا أنه يمكننا العثور على نسق من أفكاره التربوية في كتابه " الاقتصاد والمجتمع "، ولا سيما عندما يتعرض لمسألة العلاقة بين الأنماط المثالية للسلطة والأنماط المثالية للتربية. وفي عام 1962 صدر أول كتاب بعنوان "علم الاجتماع التربوي" للمؤلف بيير جاكارد   Pierre Jaccard يحتوي على أفكار علماء الاجتماع السابقين، وعلى مجموعة من الدراسات المستحدثة التي اعتمدت على تطوير الدراسات السابقة في مجال علم الاجتماع التربوي، والتي أدت إلى صدور العديد من الكتب والمؤلفات حول علم الاجتماع التربوي بين عامي 1971- 1974.

يعتمد التعليم بشكل شبه مطلق على اللغة من إشارات وأصوات وألفاظ، والتي يستعملها الإنسان كأداة للتواصل وإخراج ما يدور في صدره وعقله إلى الآخر. وهي مقترنة غالبا بصوت الإنسان المعبر عنه بالكلام. ولهذه الغاية ولتواصل مكتمل الأركان( المرسل، المرسل إليه، القناة) والشروط (الوضوح، الأسلوب والصياغة، الاستعداد..)، يجب أن يكون المرسل والمرسل إليه المشكلان طرفي الخطاب على دراية بها أي: محيطان برموزها وإيحاءاتها ودلالات منطوقها وبالمعاني التي تتحرك في تركيب كلماتها. وكلما اختل أحد الأركان أو نقص أحد الشروط كلما اختلت ونقصت فاعلية التواصل وفعاليته، وتذبذب المعنى، وتلقى المتلقي غير ما أرسل المرسل. وتختل بالتالي أهداف الوظيفة التواصلية الإعلامية التي تعد من بين أهم وظائف اللغة.
كما أن للغة وظائف خمسة أخرى زيادة على وظيفتها التواصلية الإعلامية السابق ذكرها، والتي حددها رومان جاكوبسون Jakobson .R. فمنها الوظيفة الكشفية التي تجعل من اللغة أداة للفهم والتحليل والتعلم والاستكشاف. ومنها أيضا الوظيفة الشعرية والجمالية. والوظيفة الرمزية والتمثلية التي تنفي الواقع القبلي وتجعله بناء شخصيا واجتماعيا، وبالتالي تجعل اللغة قادرة على صياغة التمثلات وبناء التصور وإدراك العالم. ونجد للغة دورا آخر لا يقل أهمية عما سبق، ويتجلى في وظيفتها الاجتماعية، الإدماجية والهوياتية، فاللغة تمكن من الاندماج في جماعة أو في مجموعة اجتماعية أو في مجتمع وأمة. أما الخامسة فهي الوظيفة الميتالغوية التي تتحدث فيها اللغة عن نفسها.