الحراك الاجتماعي في التاريخ الراهن بالمغرب فترة ما بعد الاستقلال 1956-1975/ ابراهيم أيت إزي - محمد أبرقي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

" هل نعيش زمن حراكٍ يتكرّر، أو صورة معدّلة لما وقع في الأزمنة السابقة، أم نحن أمام تحولات جديدة عمّا كان في القرن التاسع عشر وما قلبه؟"

هو ليس سؤالا للتأكيد أو النفي بإطلاقية القول، ولكنه إشكال مركزي موجّه لبحث تاريخي في الزمن الراهن موضوعه الحراك الاجتماعي في مغرب ما بعد الاستقلال، ومنطلق دراسة للباحث المغربي ابراهيم أيت إزي نشرها في كتابه الموسوم بعنوان "الحَراك الاجتماعي في مغرب ما بعد الاستقلال 1956-1975".

الكتاب صدر في طبعته الأولى شهر يناير 2024 عن منشورات المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات،،ضمن سلسلة أطروحات الدكتوراه، يقع في 392 صفحة من الحجم الكبير، إلى جانب بيبليوغرافيا وفهرس العام.

 الكتاب يشمل تقديما من المؤرخ لطفي بوشنتوف تحت عنوان "في الحاجة إلى الكتابة في تاريخ الزمن المغربي" ومحتويات تتوزع ما بين ملخص تنفيذي في المدخل وثلاثة فصول، وكل فصل يتضمن مجموعة محاوربحثية، انتهاء بخلاصات وامتدادات .

الفصل الأول خصصه الباحث لتحديد الجهاز المفاهيمي ولائحة المصطلحات المستعملة في الدراسة التاريخية سواء كانت منتمية لحقل الموضوع أم مرتبطة بالذاكرة الشفوية أو منتسبة لبنية ثقافية- نظرية محددة. ومن تلك المفاهيم التي وقف عندها الباحث مفهوم "الحراك الاجتماعي" وموقعه المحوري في درس الحركات الاجتماعية والأبحاث ذات الصلة بنظرية "سيكولوجية الجماهير" منذ القرن التاسع عشر، وما عرفه من توسع في الدلالة وفي العناصر الوظيفية المكونة له منذ منتصف القرن العشرين، وكذا الشروط المؤسسة للحركة الاجتماعية ومبادئها التي تتحقق معها في المبنى والمعنى من حيث التنظيم والأهداف والقضية، مع التأكيد هنا على أننا لسنا أمام ظاهرة جديدة "بل ميزة رافقت الحياة البشرية منذ بدايتها"(ص51).

بالنسبة للمصطلحات ذات الصلة بالذاكرة الشفوية أو المرتبطة ببنية ثقافية أو نظرية معينة  تقف الدراسة عند التعريف بعدد منها وتدقيق معانيها منها : "الحرْكة"، "العِيطة"، "الهِيعة"، "السيْبة"، "الفتنة"، "الاحتجاج"، "التمرد"، "الثورة"، "العصيان"، "الانتفاضة"، "المظاهَرة".

المحور الثاني مخصص للتأصيل التاريخي المتعلق بالحراك الاجتماعي في مغرب ما قبل 1956 وفق مقاربة استرجاعية تمتح من مغرب ما قبل الاستعمار خلال القرن التاسع عشر، ومن زمن الحماية، وتناقش "حراك البادية" وسيبَته المتواترة ثم "حراك الحواضر" وما تميز به من محدودية الفعل بأمثلة من الأحداث والوقائع التاريخية ومواقف الفاعلين فيها (القبائل-النخب-المخزن..) أما من زمن الحماية فيعرض المؤرخ نماذج أحداث للحراك  ومآلاته منها أحداث بوفكران سنة1937، أحداث وادزم 1955.

أما الفصل الثاني فقد كان الهدف منه "وضع أرضية وسياقات" تساعد على فهم الحالات التي تعبر –حسب تقدير المؤرخ- عن الحركة الاجتماعية، مع التركيز هنا على سياقين رئيسيين: السياسي والاقتصادي يؤطران ويفسران ظروف وحيثيات مغرب ما بعد الاستقلال، وثقل إرث الحماية سواء في المستوى السياسي أو الاقتصادي والمجتمعي.

وقد تمثلت المحطات الكبرى لعرض ذلك في لقاءات إيكس ليبان سنة1955 وما ترتب عنها من "انفراط عقد الوفاق " ما بين مكونات الحركة الوطنية، وتغير موازين القوى فيما بين الأطراف الفاعلة خلال المرحلة، ثم محطة "فجر الاستقلال" وما تميزت به من صراع ورهان شرعية أو تجاذب مفتوح على السلطة : السلطان/المخزن-حزب الاستقلال-جيش التحرير-الاتحاد المغربي للشغل-حزب الشورى والاستقلال-الحزب الشيوعي.

المحور الثالث ضمن هذا الفصل كان لإبراز "الانزلاق السلطوي" وما رافقه من تعمق الاختلالات داخل المجتمع المغربي وبنياته منذ سنة1961 مرورا بلحظة إعلان حالة الاستثناء1965، وما أعقب قرار التخلي عن اختيارات حكومة عبد الله ابراهيم لصالح الخيار الليبرالي مع ما رافقه من ونواقص، ومصاعب، وهزات اجتماعية لم تفلح سياسات ومحاولات الإصلاح وعروض المصالحة في منعها بل ودخول جزء من بنية النظام ضمن "صانعي" الحراك الاجتماعي ولو في شكله الانقلابي العسكري (1971-1972) الذي ظل معزولا عن أي قاعدة اجتماعية، ودون سند أو مرجعية إيديولوجية واضحة.

الفصل الثالث كان لتقديم "الحالات الشاهدة"  التي اختارها المؤرخ لدراسة الحراك الاجتماعي وهي :

*حالة الريف 1958-1959

*أحداث 23 مارس 1965

*العمليات المسلحة سنتي 1971-1972 ثم حدث تمرد 3مارس 1973 .

إذ تتم دراسة كل حالة على حدة بكل حيثياتها وتطوراتها ومواقف الأطراف الفاعلة فيها وتداعياتها وحدودها، ويظل المفهوم المركزي الموجه للتحليل هو "الحراك الاجتماعي" .

الفصل الرابع جاء لحظة توليفية وتركيبية خصصا المؤرخ لثلاثة محاور أساسية هي السياق والشروط المنتِجة، ثم عشوائية الحراك وقدسية النظام، وأخيرا الكمون السريع، واستمرار النظام .

من مبررات اختيار موضوع الحراك الاجتماعي خوض البحث في قضايا التاريخ الراهن خاصة مع غياب المقاربة التاريخية له وشح الكتابة حولها، مقارنة مع حجم حضوره في الحقول المعرفية الأخرة خاصة العلوم السياسية وعلم الاجتماع، ومن جملة الأسئلة التي وجهت البحث في فصوله المختلفة نذكر: ما طبيعة المتغيرات التي مست حراك المغاربة خلال الفترة المدروسة؟ ما المطالب والغايات؟ كيف كان اشتغال ذلك الحراك؟ هل تأطر فكريا وتقنيا أم ظل عفويا كما الحال خلال القرن19؟ ماذا عن ردود الفعل من نظام الحكم؟ هل حقق الحراك لما بعد الاستقلال قطيعة عما ميز ظروف القرم19 وزمن الحماية؟ كيف كانت المآلات والمنتهى؟.

وقد اختار الباحث في معالجة تلك الأسئلة فرضية تقول باستمرارية البنية نفسها واستعادة زمن ما قبل الاستعمار بعد 1956،مع تأكيده على نسبية ما يقدمه من أجوبة وأحكام .أما عن المنهج فقد استند على منهج دراسة الحالة للكشف عن الحقائق والمواقف الاجتماعية والبحث في كنه العمليات الاجتماعية، والمتغيرات الأساسية والثانوية فيها، والبحث في العوامل المفسرة والمؤثرة لحراك المغاربة، وقد اعتمد في ذلك على مادة مصدرية متنوعة :الأرشيف الدبلوماسي الفرنسي والأمريكي، الدراسات الأكاديمية الأجنبية والوطنية، والمنشورات الرسمية المغربية وإنتاج هيئة الإنصاف والمصالحة، ثم المذكرات والشهادات الشفوية، والسّير الذاتية وما وفرته الصحافة الأجنبية والوطنية من مادة باعتبارها" المسودة الأولى للتاريخ" .

ومن بين الخلاصات الرئيسية التي توصلت إليها الدراسة من خلال نماذج الحالات :

-ارتباط عناصر الحرمان، والقهر الاقتصادي والاجتماعي، والغبن السياسي بالحراك الاجتماعي.

-غياب السند الفكري، والتباس البرامج والأهداف والقيادات والحركية ضمن البنيات التقليدية سواء في القبائل أو بالحواضر: "أطروحة البادية الممتدة" مع سيادة التهافت والعبثية والفوضى في حالة العمليات المسلحة.

- ثبات النسق السياسي المغربي وتعثر الانتقال من زمن ما قبل الحماية إلى الزمن الراهن، مع الحفاظ على النظام التقليدي ومأسسته إلى جانب أجهزة الدولة الحديثة .

- هشاشة الوضع المجتمعي الذي ينتج عنه الاحتجاج، وتجدد قاعدة التغيير داخل الاستمرار .

الكتاب تدقيق مفاهيمي لشبكة المفاهيم والمصطلحات المرتبطة بالدراسة التاريخية للحراك الاجتماعي، وخوض بحث وحفر في أحداث من "التاريخ الساخن" القريب، ومحاولة تأليفية في تتبع حراك المغاربة زمن الاستقلال وهم يسعون  لتحقيق التغيير، بهدف التقاط الثابت والمتغير، وقبل كل ذلك فهو إضافة نوعية في سجل التراكم التاريخي الخاص بالزمن الراهن وما يتصف به من امتداداته بحثية مفتوحة وقضايا  منهجية ونظرية وفكرية..

27أبريل2024 .

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟