انعكاسات العنف على نفسية الطفل - محمد بن خالي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

تمهيد:
أصبحت ظاهرة العنف تكتسي أهمية كبرى في السنوات الأخيرة، بحيث صارت موضوعا محوريا ومركزيا في النقاشات السوسيولوجية والسيكولوجية والأنتروبولوجية وكذلك عند مختلف الفاعلين والمختصين في العلوم الإنسانية والاجتماعية، أو حتى عند عامة الناس بمختلف مستوياتهم، سواء أكان العنف الممارس عنفا أسريا أو مجتمعيا أو مدرسيا أو مؤسساتيا أو غير ذلك من انواع العنف، وكذلك بشتى أشكاله وتلاوينه سواء أكان العنف عنفا نفسيا أو جسديا أو رمزيا أو لفظيا أو جنسيا أو غير ذلك. ومن هنا نطرح التساؤل التالي، لماذا أصبح العنف موضوعا مهيمنا في جل النقاشات التربوية والتعليمية والبيداغوجية والسوسيولوجية والأنثروبولوجية فالسنوات الاخيرة؟ أليست هناك مواضيع ومشاكل أخرى تعيشها المدرسة المغربية يتوجب علينا الإلتفات إليها من قبيل الاكتظاظ، وضعف التحصيل الدراسي، وعدم ملاءمة المناهج، وتغيير البرامج والمقررات في كل مرة، وقلة الموارد البشرية المؤهلة، إلى غير ذلك من الموضوعات العديدة والمتعددة، والتي لم تنل حظها من العناية والاهتمام بالدراسة والتحليل.

  إن ظاهرة العنف تكتسي أهمية خاصة، نظرا للعلاقة المباشرة التي تربط بين ممارسة العنف وبين طريقة تشكل شخصية الإنسان بصفة عامة والطفل بصفة خاصة، سواء تم ذلك داخل المدرسة أو المجتمع أو الأسرة. إن البحث في موضوع العنف يجيب عن أسئلة عميقة شغلت بال العديد من المفكرين والباحثين التربويين والمحللين النفسانيين حول مفهوم الشخصية وطبيعة تشكلها لدى الأطفال، وبالخصوص في السنوات المبكرة، وبالضبط في المجتمعات العربية ذات البنية الذكورية المحافظة أو ما يسمى بالمجتمعات البطريكية، والتي في الغالب ترسخ سلوكات خاطئة ومدمرة عند الأطفال ذكورا كانوا أو إناثا، هذه المجتمعات التي تعلي من سلطة الذكر على حساب الأنثى، ومن سلطة الكبير على حساب الصغير، ومن سلطة الشيخ على حساب الشاب، ومن سلطة الرجل على حساب المرأة، إلى غير ذلك من التراتبيات المجتمعية، مما يولد مع هذا النوع من السلط تجاوزات وخروقات تتجلى في ممارسة أشكال من العنف المادي والرمزي.

 وتعد هذه إحدى خصوصيات البيئة العربية، رغم ما تزخر به من قيم ومبادئ إسلامية تحث على تجنب ممارسة العنف بحق الأطفال وتؤكد على إعطاء قيمة كبرى لشخصية الطفل، لكي ينضج في بيئة سليمة، كما ورد ذلك في القران الكريم، يقول تعالى: (أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون)[1]، بمعنى أن حق اللعب لدى الأطفال مهم للغاية، ومقرر بنص قرآني صريح، إذ يسهم اللعب في تطوير شخصياتهم، ويمنحهم الاتزان النفسي الضروري، وذلك بعكس من حرموا منه، وهذا ما يقره مضمون الآية القرآنية منذ آلاف السنين، قبل أن تظهر المواثق الدولية التي تحث على احترام حقوق الأطفال وبالخصوص حق اللعب، وفي المقابل لم يلتزم إخوة يوسف بهذا الإقرار الصريح منهم بحق اللعب، وقاموا بإلقاء أخيهم في البئر، وهو نوع خطير من العنف الجسدي والنفسي ارتكب بحق أخيهم الطفل يوسف وهو ما يزال صغير.

1.تأثيرات التربية العنيفة على الأطفال.

إن ممارسة العنف على الأطفال تؤدي لا محالة إلى عواقب وخيمة على نبوغهم وعلى مستقبلهم وعلى تشكل شخصياتهم، من هنا يتبين لنا مدى أهمية دراسة العنف وتحليل عواقبه على الفرد ، ومدى الخطورة التي قد تسببها ممارسته على الأطفال بالخصوص، فالحصول على أطفال معنفين من قبل أسرهم أو مجتمعهم أو في مدارسهم ، يعيق تطور ونمو شخصياتهم بشكل سلس، ويعيق كذلك تحصيلهم الدراسي وتطوير مستواهم التعليمي، فرغم كم الأبحاث والدراسات العديدة التي أنجزت حول موضوع العنف عند الأطفال، مازال البحث في الموضوع يغري الباحثين والدارسين والمختصين، لأن مقاربته تتيح لنا فهم أبعاد أخرى للشخصية الإنسانية بصفة عامة وشخصية الطفل بصفة خاصة، إن جل الأطفال المعنفين أو الذين سبق وتعرضوا للعنف بأنواعه وأشكاله لا يتمتعون في الغالب بشخصية قوية وسوية، ويفتقدون في الغالب لعامل الثقة بالنفس، وجلهم لا يتمتعون بروح معنوية عالية وثقة تامة بالذات، تمكنهم من الاندماج السريع في مجتمعاتهم وفي أوساطهم الأسرية عن طريق الانخراط في مجموعة من الأنشطة الحياتية والمجتمعية سواء العادية أو التي تتطلب استخدام ذكاء معين.

 إن ممارسة العنف بأنواعه المختلفة تقمع كيان الطفل و تحقر ذاتيته الخاصة وتشل تطوره الطبيعي والسلس في المجتمع وتكبح نبوغه، وتعيق تبلور وتشكل شخصية مبدعة ومنتجة ومنفتحة على المجتمع، فالطفل المعنف بهذا المعنى السالف الذكر يرفع من نسبة الحصول على أطفال مسالمين، اتكاليين ، خنوعين يتملكهم الخجل، وعدمي الثقة بأنفسهم، إنهم تجسيد لعلاقة القهر والرضوخ التي يعاني منها الانسان المقهور، الذي لا يجد له من مكانة في علاقة التسلط العنفي هذه، سوى الرضوخ والتبعية، سوى الوقوع في الدونية لقدر مفروض[2]، فلا مناص إذن من إعادة النظر في طرق تفكيرنا وأساليبنا التربوية والبيداغوجية للحد من انتشار هذه الآفة المجتمعية، لأن معظم الأدبيات التربوية تتفق على أن كسب رهان الجودة داخل المنظومة التربوية مرتبط بتوفر شروط بيداغوجية ملائمة وتبني مقاربة نسقية تستحضر مجمل العوامل الكفيلة بدعم نجاعة المنظومة التربوية والرفع من أدائها[3]، والتي من بينها التخلي عن الممارسات الغير تربوية في تدريس الأطفال.

ومن هذا المنطلق، صار يتوجب على المدرسة والأسرة وأفراد المجتمع بصفة عامة أن يعيدوا النظر في طريقة التفكير التي ينظرون بها للأطفال، وكذلك في تجديد أساليب تلقين القيم والمثل والمعارف، ومن ثم التركيز على تنمية جوانب من شخصية الطفل السيكولوجية والمهارية والإدراكية والسلوكية حتى يسهل عليه الاندماج في مجتمعه الأسري والمدرسي، بدل التركيز على العقاب البدني واللفظي لتطوير مستواه التعليمي، مما يؤدي إلى خلق وإنتاج شخصية منهكة ومحبطة وكارهة للمدرسة ولروح التعلم وفاقدة لكل ثقة في النفس والذات. فالعملية التعليمية التعلمية ليس الهدف منها بالضرورة هو إيصال المعارف في سن مبكرة، وحشو دماغ الطفل بالمعلومات أو إنهاء المقررات الدراسية بأي وجه كان، فالأساس وقبل كل شيء هو الحفاظ على توازن الطفل النفسي، فمع تقدم المتعلم في السنوات الدراسية اللاحقة لا شك أنه سيتمكن من اكتساب المعارف عندما ينضج وينمو ويكبر، إداك تكون المعارف المقدمة في مستوى قدراته العقلية والإدراكية، وعلى عكس اضطرابات الشخصية التي يسببها العنف والتي تبقى مستمرة معه طوال حياته، فلا مجال لتداركها إن هي أصابته في مقتل.

أما التأخر الدراسي فيمكن تداركه لاحقا، فنحن لا نريد طفلا حاقدا نفسيا وكارها للمدرسة والمجتمع، ولا نريده أن يشكل عبئا وحملا ثقيلا وإضافيا على الدولة والمجتمع مستقبلا ، حينما يصير الانتقام والتخريب والتدمير هو سلوكه الوحيد والأوحد اتجاه نفسه أولا، واتجاه الآخر ثانيا، واتجاه مرافق الدولة ثالثا، من أجل إثبات وجوده، والسبب في ذلك أننا لم ننجح في تقديم تعليم عصري حداثي يحترم كيانه وخصوصيته ورغباته، ويفهم اندفاعاته في تلك المرحلة العمرية، ونسرع إلى تعنيفه ، مما يجعله عرضة للضياع والتيه والحيرة في عالم قاس لا يفهم مكنوناته الداخلية واحتياجاته وما يعتريها من قلق ، فلا هو يفهم العالم ولا العالم يفهم ما يريد هذا الطفل المنكسر، فما نريده هو تربية أطفال يستطيعون التعبير عن احتياجاتهم المادية والعاطفية والنفسية لأسرهم ومدرسيهم وأصدقائهم ومجتمعاتهم، ولا يتحقق ذلك إلا في مدرسة عصرية حداثية منفتحة على القيم الكونية والإنسانية والدينية، تفهم احتياجات الأطفال المعنوية والنفسية، من قبيل إعطاء الأولوية للحق في اللعب كما هو ورد بنص القران الكريم.

 وقد سبق وذكرت عظمة تلك الآية القرآنية في تقديس حق اللعب عند الطفل منذ ألف وأربعمائة سنة، قبل أن يظهر الطب النفساني الحديث ليؤكد هذه الحقيقة الربانية، لكي يحصل التوازن النفسي لدى الطفل في كبره وتستوفي شخصيته اكتمالها، إلى جانب عوامل أخرى من تعليم وتربية وتهذيب، إن القمع المدرسي والمجتمعي يولد شخصية ضعيفة وهشة البنية، ليست لها الجرأة الكافية لمواجهة الآخرين والتواصل معهم بطلاقة وتعبير عن الذات. فما دام قد انغرس في نفوس الأطفال من طرف آبائهم ومدرسيهم ومحتقريهم، أنهم أدنى من غيرهم من الأقران أو من أبناء الجيران والحي أو من أبناء فلان وفلانة، وأنهم أقل شأنا من كل هؤلاء ، ونعتهم بشتى الأوصاف التي تدمر شخصياتهم تدميرا، فلا ننتظر قطف ثمار هذا الطفل مستقبلا، وإنما قطف العنف والسلبية وإعادة إنتاج العنف مستقبلا على أبنائه وزوجته ومجتمعه وأصدقائه بطرق شعورية ولاشعورية، انتقاما من نفسه المحتقرة والمهانة ومن مجتمعه الذي رسخ فيه كل أوصاف الدونية و سوء تقدير الذات، فالعادات العنيفة أو العدوانية تكتسب من خلال التقليد أو كنتيجة للسلوك المنحرف أو المدمر ، فقد تبين على سبيل المثال أن الآباء العنفين في عقابهم غالبا ينحدرون من عائلة أو سلالة فيها عنف جسدي[4].

 إذن من هنا نستنتج أن الأسر التي تحترم شخصية أطفالها وتغرس فيهم حب الذات، وتنمي فيهم الثقة بالنفس يكون أطفالها أكثر جرأة وأكثر تحررا في تعاملاتهم الاجتماعية ويشعرون بالدفيء الأسري والمجتمعي، فحب الأطفال وتحبيب المدرسة إليهم هو الكفاية المستهدفة من الحياة المدرسية والمجتمعية والأسرية، لقد حان الوقت مع انتشار العلوم والمعرفة والتكنولوجيا أن نغير سلوكيتنا وتعاملاتنا مع الأطفال ، فلا عذر لأحد من الآن أن يعيد إنتاج العنف على الأطفال، حتى يتمكنوا من العيش بكرامة وعزة، بدلا من العيش في الذل والإهانة ، فالمدرس الذي مر من نظام تعليمي تعفسي قمعي وقهري يشرعن العنف والسب والقذف والتحقير، لا ينبغي أن يعيد إنتاجه على أطفال لا ذنب لهم سوى أنهم تواجدوا في مجتمعات متخلفة، لا تحترم حقوق الأطفال وبعيدة كل البعد عن فلسفة حقوق الإنسان الكونية وحتى عن تعاليم عقيدتنا الإسلامية السمحة.

2- العنف عبر التاريخ

يجمع العارفون بظاهرة العنف من علماء الاجتماع والفلاسفة والأنثروبولوجيون، رغم الاختلافات بينهم على كون العنف ظاهرة اجتماعية وآلية من آليات الدفاع عن الذات ضد المخاطر التي تواجه الإنسان من أجل البقاء والاستمرار في الحياة ، وأن هذه الآلية الدفاعية هي إحدى الطاقات الغريزية الكامنة في الكائن الحي التي تستيقظ وتنشط في حالات دفاعية وهجومية يستوي فيها الإنسان والحيوان على حد سواء[5]، وبذلك تعد هذه الظاهرة من بين أقدم الظواهر التي رافقت الإنسان منذ ظهوره على كوكب الأرض، ويتجسد ذلك من خلال الحروب التي خاضها الإنسان البدائي من أجل تحطيم جماجم الحيوانات والمخلوقات المفترسة، درء للمخاطر المحدقة به، ولحماية نفسه من عنف الحيوانات وعنف الطبيعة كذلك، مستعملا آليات دفاعية بما فى ذلك العضلات وبعض الأسلحة على بساطتها، إلا أنه في العصر الحاضر برزت هذه الظاهرة بشكل متطور ولافت للانتباه، وأكثر تنظيما كذلك، سواء من خلال المؤسسات العسكرية أو الحكومية التي تحتكر ممارسة العنف بحسب ما ذهب إليه ماكس فيبر (Max Weber)في مسألة شرعنة العنف بواسطة جهاز الدولة.

فهي إذن ظاهرة أصبحت تستدعي اهتمام الجهات الحكومية المختلفة، والأسرة وهيئات المجتمع المدني السياسية والحقوقية من أجل مقاربتها مقاربة فاحصة، لأنها أصبحت تؤرق بال مختلف الفاعلين في الأوساط التعليمية خاصة والمجتمعية عامة. وقد ذهب روبيرت ماكافي براون (Robert McAfee brown ) إلى اعتبار العنف انتهاكا للشخصية، بمعنى أنه تعدي على الآخر أو إنكاره أو تجاهله ماديا أو غير ذلك[6]، فأي سلوك شخصي أو مؤسساتي يتسم بطابع تدميري مادي واضح ضد الآخر يعد عملا عنيفا، هناك إذن العنف الشخصي الخفي الذي يؤذي الآخر نفسيا، وهناك العنف المؤسساتي الخفي حيث تنتهك البنى الاجتماعية القائمة هوية مجموعات الأشخاص كما هو حاصل مثلا في مستويات الحياة المتدنية في الأحياء المغلقة[7]، فهي إذن حسب ماكافي براون مشكلة بنيوية[8].

وقد برز الاهتمام بهذه الظاهرة مع مطلع القرن العشرين، خاصة بعدما تطورت نظريات علم النفس المختلفة التي أخذت تفسر لنا سلوكيات الإنسان على ضوء مرحلة الطفولة المبكرة، وأهميتها في تكوين ذات الفرد وتأثيرها على حياته فيما بعد، وتأكيدها على ضرورة توفير الأجواء الحياتية الملائمة لنمو الطفل نموا جسديا ونفسيا متكاملا وسليما بعيدا عن كل أشكال الانحراف، كما ترافق الاهتمام بظاهرة العنف مع نشوء العديد من المؤسسات والحركات التي تدافع عن حقوق الإنسان، وقيام الأمم المتحدة بصياغة اتفاقيات عالمية تهتم بحقوق الطفل، إذ تنص بشكل واضح على وجوب حماية الأطفال من جميع أشكال الإساءة والعنف والاستغلال الذي قد يتعرض له الطفل. وقد اختلف الباحثون فيما إذا كان العنف فطري في الإنسان أو مكتسب، فالبعض يرى أن طبيعة الإنسان حيوانية متجدر في طبعها السلوك العنيف، وذلك حينما خاض الإنسان البدائي معارك طاحنة لكسر جماجم الحيوانات، وهذا ما ذهب إليه روبيرت أردري (Robert Ardrey) من أن البشر قتلة بطبعهم، لأن الناس الأوائل استخدموا أدوات كأسلحة من أجل تحطيم جماجم القردة[9].

 ويرد أشلي مونتاغو (Ashley Montagu)على ادعاء روبيرت أردري بلهجة حادة، إذ يقول أن أسطورة الناس كحيوانات مفترسة شرسة هي واحدة من مسوغات قصوى عند الرجل الغربي توضح أصول العدوانية الإنسانية وتتحاشى المسؤولية عنها باعتبارها فطرية[10]، وبالتالي يمكن استخدام العدوانية ضد الأخرين دون محاسبة بحسب قانون الغاب (القوي يأكل الضعيف)، وقد تؤدي مثل هذه الأفكار إلى استعمار الشعوب ونهب خياراتها دون حسيب أو رقيب، ويمكن أن نقيس على ذلك ما ذهب إليه تشارلز داروين(Charles Darwin) في نظرية التطور حينما اعتبر أصول الإنسان تنحدر من أسلاف القردة، أليس هذا أيضا ادعاء يريد صاحبه أن يبعد عن الإنسان الغربي كل مسؤولية أخلاقية وكل تكليف رباني بحمل الأمانة؟ هروبا من المسؤولية التي أمرنا الله تعالى بحملها على الأرض، والتنصل منها ومن كل ما يقيد تبعات جرائم هذا الإنسان واعتدائه على الآخرين، إذ عبر الإيمان بنظرية مزيفة لا أسس علمية تؤيدها أو تبرهن عليها يمكن للإنسان أن يرتكب جرائم، ويمكن أن يبرر لنفسه فعل ما يشاء.

3-بعض مظاهر العنف عند الأطفال

ظاهرة العنف بصفة عامة كما سبق وذكرت من الظواهر التي قد تبرز في مجتمع معين بينما تتضاءل في آخر، وذلك راجع إلى التربية والتنشئة الاجتماعية والجو الديموقراطي السائد في البلد وفي الأسرة والمجتمع. لكن رغم ذلك، فالكل يتفق على أنها ظاهرة غير أخلاقية، ظاهرة منبوذة من طرف الجميع ، تجلب العار لممارسيها ، وتحط من قدرهم ومكانتهم الاجتماعية، بل حتى ممارسي العنف أنفسهم يخجلون من فعلهم القبيح لأنهم يدركون أنه وصمة عار على جبينهم، فهي ظاهرة لا يمكن إدراجها ضمن السلوكات السوية المتحضرة، ولهذا فإننا عندما نحاول أن نقيم أي ظاهرة مثل العنف في الوسط المدرسي، فمن الخطأ بمكان عزله أو فصله عن المركبات البيئية المسببة له والمساهمة في انتشاره في كثير من مجتمعات العالم، بما في ذلك البلدان العربية الإسلامية التي كانت تمتاز بالهدوء والاستقرار والقيم الروحية الإسلامية وحسن الجوار والسلم والسلام والرفق والسكينة.

ومن تمظهرات العنف التي قد تؤثر على الأطفال، ما نشاهده يوميا على شاشات التلفاز من تفجير وتقتيل وهدر للدماء وتهديد أرواح الأبرياء في جميع أنحاء العالم عن طريق العمليات الإرهابية والأفلام العنيفة، وبعض الرسوم المتحركة التي ترسخ عقيدة العنف عند الأطفال إلى غير ذلك، مما يسبب للأطفال الكثير من المآسي النفسية والجسدية كالتوحد والانطواء والعزلة والصراخ والخوف والغضب والعض والضرب والتكسير والهياجان إلى غير ذلك من المظاهر الغير صحية التي تؤثر في نفسيات الأطفال. وتتداخل أسباب الظاهرة بينما هو اقتصادي وما هو سياسي وما هو اجتماعي وما هو سيكولوجي إلى غير ذلك من العوامل التي يبرر بها أصحابها ارتكاب أعمال العنف. وحتى التسامح الديني الذي ما فتىء بعض الزعماء الدينيين الترويج له، لم يستطع الحد من العنف والكراهية بين اتباع الديانات، مما يذهب بهم إلى الصراع والتطاحن على الرغم من سمو رسالة الأديان السماوية، بينما يرجع تطرف أتباع الأديان إلى قصور في فهم رسالة الأديان السماوية.

 إن أغلب الدراسات حول العنف عند الأطفال لم تنفذ إلى الجذور العميقة النفسية والإجتماعية والإقتصادية والتاريخية التي قد تكون وراء ارتكاب سلوكات عنيفة من قبل الأطفال، لذلك يرى بعض الباحثين الغربيين مثل  (Daniel Mc Queen) أن الأطفال الذين خضعوا لمعاملة سيئة جدا وبالخصوص لإعتداءات جسدية وعاطفية؛ يرى أن هؤلاء هم الأشخاص الذين يجدون صعوبات على مستوى تطوير علاقات الصداقة الحميمية مع الآخرين، بحيث يقومون بوصف هذه العلاقات على أنها علاقات غير مستقرة، وأنها أكثر عنفا وأكثر إهانة بالنسبة لهم[11]، ويرى نفس هؤلاء الباحثين أن الأطفال الذين تعرضوا للإساءة في مرحلة الطفولة من المحتمل جدا أن يعيدوا معاملة أطفالهم حينما يكبرون بشكل سيء أيضا وخاصة أولئك الأطفال الذين تعرضوا لإعتداءات مخجلة في طفولتهم[12]، ولأن الموضوع متشعب جدا، سأحاول التركيز على الأسباب التي تجعل الأطفال يمارسون العنف أو التي تجعل العنف يمارس عليهم..

4-الجذور العميقة لنشوء السلوك العنيف وأثر التنشئة الاجتماعية في تعزيزه عند الأطفال.

لا شك أن طرق وأساليب تربية الأبناء تساهم في تنشئتهم تنشئة إما حسنة أو تنشئة سيئة، وذلك بحسب معطيات متعددة، إذ أكدت الدراسات أن أغلب الأطفال الذين يتسمون بسلوك عنيف و ينفعلون لأتفه الأسباب، من الممكن أن يكونوا قد تعرضوا لتربية تسلطية عنيفة في طفولتهم، ذلك أن الكثير من الآباء والأمهات يبالغون في محاصرة أطفالهم حصارا يفقد معه الأطفال استقلاليتهم، مما ينتج عنه تمردا عنيفا في مرحلة الكبر، وكذلك قد يؤدي فرض الآراء على الطفل ترغيبا أو ترهيبا إلى الرفض وعدم القبول والمشاكسة، وقد أكدت دراسات بعض الباحثين أن بروز السلوك العنيف عند الطفل، مرتبط بعدة عوامل تسهم في تغذيته وتعزيزه، نذكر مثلا دراسة قام بها القرشي عبد الفتاح (1986) عن المجتمع الكويتي حول اتجاهات الآباء والأمهات الكويتيين في تنشئة الأبناء، بحيث اعتمدت الدراسة بعض المقاييس لمعرفة اتجاهات الآباء والأمهات الكويتيين في تنشئة أبنائهم، وحددت الدراسة بعض المتغيرات عند الآباء والأمهات مثل الجنس والعمر والمستوى التعليمي وعدد الأبناء، وشملت العينة المستهدفة حوالي 500 فرد من الآباء والأمهات، حيث تم اعتماد مقاييس فرعية دقيقة عن التنشئة الوالدية، مثل التسلط والإهمال والتدليل والحماية الزائدة والقسوة والتفرقة والألم النفسي والتذبذب والسواء[13].

وخلصت الدراسة إلى نتائج مهمة، أهمها ميل الآباء إلى التسلط أو الحماية الزائدة أو التفرقة، بينما تميل الأمهات إلى عامل السواء، هذا من ناحية الجنس، اما من ناحية المستوى التعليمي، فقد أظهرت الدراسة أن الآباء والأمهات الأقل تعليما يميلون للتسلط، والإهمال والقسوة وأحيانا الحماية الزائدة، كما أظهرت الدراسة ميل الآباء الأقل تعليما إلى عامل التدليل والتفرقة بين الأبناء، بينما تميل الأمهات الأقل تعليما إلى إثارة الألم النفسي لدى الأبناء. إن هذه المقاييس تظهر لنا أنه كلما نقص الاهتمام والرعاية والتوجيه للأطفال، وكلما كان سلوك الوالدين لا يقوم بتشجيع الطفل على السلوك الحسن، أو محاسبته على السلوك السيئ، كلما كانت النتيجة سلبية وتمادى الطفل في سلوكه اللامسؤول، ويمكن أن نؤكد كذلك أن بعض هذه العوامل التي تمارس من قبل الوالدين تسبب اضطرابات كثيرة للأطفال.

فمثلا عامل القسوة الذي يلجأ إليه الآباء والمربين، حينما يتم استخدامه على شكل عقاب بدني وتهديد وحرمان وسب وشتم، قد يؤدي إلى تكوين شخصية انطوائية أو عديمة الثقة بالنفس أو عنيفة، وكذلك عامل التفرقة، إذ أن تفضيل أحد الأبناء على الآخر بناء على الجنس، كتفضيل الذكر على الأنثى أو ترتيب ميلاد الأبناء أو الصفات الشخصية كاللون او القامة او الوزن، أو أي اعتبار آخر ، يولد ويفجر شحنات غضبية واضطرابات وعقد نفسية تؤدي إلى إثارة الألم النفسي لدى الأطفال بصفة خاصة والأبناء بصفة عامة، ونستخلص من هذه المعطيات، أن الطفل يمكن أن ينشأ نشأة سوية، إذا ما حاولنا تربيته على ضوء الاحترام والتقدير، وأن يتقبل نفسه كما هو، ويلاحظ أن غالبية الآباء والأمهات الممارسين لمثل هذا السلوكات ينحدرون من أوساط متدنية المستوى التعليمي، و لا يولون أهمية كبرى لكينونة وذاتية ووجدانية الطفل، مما يسبب له شعورا بالنقص، وانعدام الثقة في نفسه واحتقار ذاته، بينما حال الأطفال الذين يتمتعون على الأقل بوضعية أسرية سوية لا يعانون من مشاكل الفقر والحرمان ، وحيث يكون المستوى التعليمي للآباء والأمهات مرتفعا، تكون معدلات الحصول على أطفال أسوياء كبيرة جدا، إذ أن هؤلاء الآباء غالبا ما يلجأون إلى عامل الحماية، والتي بدورها قد تشكل عائقا إذا ما تم الإفراط في استخدامها.

 فالعناية والحماية الزائدتان قد تؤديان إلى نتائج عكسية، فالحماية مهمة مالم تتجاوز الحدود المعقولة. وهناك أيضا عامل التدليل والذي يتجلى في تلبية رغبات الطفل ومتطلباته أيا كانت، ومنحه المزيد من الحنان والعطف، وعدم تشجيعه على تحمل المسؤولية، فهذا النوع من المعاملة قد ينتج شخصية اتكالية وخنوعة، أما فيما يخص عامل السواء والذي يتمثل في إتباع أساليب تتفق مع الأسس التربوية والنفسية في معاملة الأبناء، يلاحظ أن هذا العامل أكثر استخداما من طرف الآباء المتعلمين أكثر من غيرهم لأنه يربي الأطفال تربية ديموقراطية تميل للوسطية والاعتدال. وينبغي تنويع الأساليب التربوية لتربية الأبناء حتى يحصل التوازن النفسي وينبغي كذلك الابتعاد عن الأساليب التربوية العنيفة، فالتربية لا تعني الشدة والضرب والتأنيب، بل تعني مد يد العون للناشئ للوصول إلى أقصى ما يكمن من الكمال[14].

ومن أهم الأسباب النفسية والجسمية لعصبية الطفل العنيف هو الشعور بالعجز وكذا الشعور بالعزلة نتيجة حرمان الطفل من الدفىء العاطفي، والتفريق في المعاملة بين الإخوة، وتناقض البيئة التي يعيش فيها بما تنطوي عليه من غش وخداع ومكر تخلق له تناقضات في فهم سلوكات الناس المحيطين به، وتظهر العصبية عند الأطفال في صورة حركات لاشعورية تلقائية لا إرادية مثل قضم الأظافر أو رمش العين أو مص الأصابع الخ[15]. ولاشك أن مظاهر العصبية داخل أفراد الأسرة تؤثر في عدوانية الطفل، كتدليل الطفل وحيد والديه أو الأصغر سنا، وهناك علاقات تجعل الطفل يتمادى في سلوكه العنيف، ذلك أن مستوى تفكيره من ناحية الذكاء يفوق مستوى أقرانه مما يجعله في عصبية دائمة وتحدي، وقضية الطفل الذكي لا تقل خطورة عن الأقل ذكاء منه، فقد يستخف الطفل الذكي بأداء واجباته ويهملها معتمدا على قدراته الذهنية فيرسب ومن تم يحبط وتزداد عصبيته، وكذلك الطفل المتوسط الذكاء قد يشعر بالغيرة من الأكثر ذكاء منه فيصاب بالإحباط والغيرة والعصبية وتأنيب الضمير وربما كره الدراسة. إنها سلوكات وتصرفات مصدرها العجز وقلة الحيلة لأنه لا يمتلك القدرات اللازمة للإقناع، فلجأ إلى تقريع الذات ومحاسبتها وبالتالي وجب علينا فهم حوار الطفل الممارس لهذا السلوك قصد التقاط الرسالة التي يزودنا بها قصد بناء حوار إنساني إيجابي معه.

ومن الأسباب التي تدفع الطفل أيضا إلى التصرف بعدوانية، التعامل معه بأسلوب خاطئ كالمغالاة في لومه من طرف الوالدين أو إنتقاذه أمام أصدقائه بعنف مما يفقده إحساسه بوجوده الاجتماعي سواء كان في أسرته أو في المدرسة أو بين أقرانه أو عندما يحس بالعجز أمام أمور لا يفهمها، وقد يكتسب الطفل العدوان من الأسرة إذا شعر أنه بدون قيمة خاصة في الحياة المنزلية التي يسودها غالبا الشجار بين الآباء والأمهات أو الأب والأبناء الكبار.     

5- الرواسب الثقافية وآثارها في تعزيز السلوك العنيف عند الأطفال

مما لاشك فيه أن البيئة التي ينشأ فيها الطفل تساهم في تحديد الشخصية التي سيكون عليها مستقبلا، فمثلا طفل تلقى تربية أسرية حداثية، بالخصوص في المجتمعات الغربية قد يكون أقل عرضة لترسيخ السلوك العنيف في ذهنيته، كون المجتمع والأسرة والمدرسة يحترمون إلى حد ما قناعات الطفل ويناقشون أفكاره بشكل ديموقراطي دون قمع أو إكراه بأسلوب في الغالب يكون ديموقراطيا يحترم كينونة الطفل، لكن في البيئة العربية أو المشرقية يلاحظ ان الثقافة المسيطرة على عقلية الطفل هي الثقافية السائدة في المجتمع بإيجابياتها وسلبيتها، لأننا نقوم بتوريثها للأطفال بالإكراه والعنف والضغط وإعادة الإنتاج، ونفرض عليهم الثقافة التقليدية السائدة، حتى ولو كانت خاطئة ومشحونة بالخرافة، والأفكار البدائية، والمعتقدات الزائفة، فإننا نحاول ترسيخها في ذهنية الأطفال بالإكراه، دون إعطاء فرصة للطفل للتعبير عن رأيه وقناعته، والأخطر من ذلك أننا نلجأ إلى ترسيخ الخرافات في ذهنه دون تفسير علمي مقبول لتلك الظواهر فقط لتطويعه لمصالحنا ومصالح الثقافة التقليدية السائدة، فالمبالغة مثلا في إكساب الطفل العادات والمعتقدات بشيء من الصرامة والقسوة وخاصة في المراحل الأولى من عمره، وتقييده بضغوط وضوابط صارمة وحرمانه من توجيه أية أسئلة لأبويه، بحيث يضطر إلى كبت مشاعره، مما يترتب عليه شعور الطفل بامتعاض شديد يلازمه طول مراحل نموه، ولا تسمح له الثقافة السائدة بأية فرصة للتنفيس عن نفسه وأفكاره بصورة مقبولة اجتماعيا، فصار الأطفال أنفسهم مجرد بيئة صالحة لتكاثر المعتقدات وتناسلها ، كما حدث في المجتمع الياباني بعد زلزال 1944[16]، وقد تلجأ الأمهات إلى ممارسة مجموعة من الطقوس الخرافية الجاهلية والمعتقدات التي لا أساس لها، فقط لمحاولة إخضاع الأطفال لسلطتهن، لأجل طاعتهن وعدم التمرد عليهن، ولو أدى ذلك لإصابة الأطفال بأمراض نفسية أو عاهات سيكولوجية، فمثلا تهديد الأطفال بوجود الغول أو الجن أو الأرواح الشريرة والعفاريت في مكان ما، وذلك حتى يمتنع الأطفال عن الذهاب إليه أو لكي يمتنعوا عن الخروج من المنزل ، أمر له عواقب وخيمة على نفسياتهم ، فقد يؤدي ذلك لإصابة الأطفال بالخوف الشديد والقلق والتخيلات والاضطرابات النفسية بصفة عامة والتي قد تلازمهم مدى الحياة إن لم يتم علاجها في الوقت المناسب.

6-ظاهرة الأطفال الانفجاريون.

هو مصطلح حديث في علم النفس الإكلينيكي، اهتم به كثيرا عالم النفس الإكلينيكي روس غرين (Ross Greene)، والذي يصف به نوعية من الأطفال الذين يغلب عليهم الطابع الانفجاري، وهو مرض تم تشخيصه إكلينيكيا لدى هذه الفئة من الأطفال والذين يتسمون بالغضب لأتفه الأسباب، خاصة حينما يطلب منهم فعل بعض الأشياء أو الواجبات، أو عندما لا تسير الأمور كما يريدون ويرغبون، حيث يفقدون السيطرة تماما على ذواتهم ويصبحون عدوانيين وعدائيين وعنيدين؛ مستخدمين ألفاظا عدوانية أو حركات جسدية عنيفة، مثل الصراخ والعويل والعض والضرب والقضم. ويؤكد روس غرين، أن ما يجعلهم يتصرفون بتلك الطريقة الغريبة ليس هو محاولتهم جذب الانتباه لهم أو تلبية رغباتهم وشهواتهم، فهذا خطأ في اعتقاد روس غرين، إن ما يجعلهم يتصرفون على ذلك النحو حسب روس غرين كما أورد في مدخل كتابه[17] عن الأطفال الانفجاريين هو افتقادهم إلى بعض المهارات الأساسية المهمة التي قد تساعدهم على التخلي عن تلك التصرفات، والتي أيضا برأيه قد تنظم الإحباط الذي يشعرون به لأنهم مختلفين عن الأطفال العاديين، ولذلك يحتاجون إلى مقاربة مختلفة، ويذهب دنيال كولمان إلى القول أن الأطفال الانفجاريون يعانون مما اصطلح عليه الأمية العاطفية التي تجعلهم يجدون صعوبة كبيرة بخصوص التفاعلات الاجتماعية، إذ تصير التفاعلات مع الأخرين محبطة بالنسبة لهم، و تساهم في رفع المستوى العام للإحباط عندهم ، وبالتالي تؤدي إلى نموذج مزمن من الانفجارات، والتي تتجلى في شكل غضب وصراخ وبكاء والقفز ورمي الأشياء والتدحرج إلى غير ذلك من الانفجارات[18].

7- العنف والصحة النفسية للأطفال.

أكدت دراسات في علم النفس العصبي على مدى تأثير المعاملة السيئة على أدمغة الأطفال، حيث ترى أن القلق والتوتر لدى الأطفال ناتج عن سوء المعاملة في عهد الطفولة المبكرة، وهذه المعاملة السيئة قادرة على التأثير على بنية الدماغ العصبية ووظيفته[19]، هذه الدراسات وظفت الأطفال الذين عانوا من سوء المعاملة في عهد الطفولة المبكرة وخلصت إلى أن الإساءة الجسدية للطفل لها علاقة بالسلوك العدواني الذي يظهره الطفل فيما بعد، وأن قلة احترام الطفل لذاته ناتج كذلك عن المعاملة السيئة، واستنتجت الدراسة كذلك أن الإهمال العاطفي يؤدي إلى ضعف التحصيل الدراسي، ويؤدي كذلك إلى صعوبات على مستوى العلاقات الشخصية والغيرية، أي صعوبة الدخول في علاقة مع الآخر، وأكدت الدراسة كذلك أن الإساءة الجنسية للأطفال تؤدي إلى مرض الاكتئاب ومحاولة إداء النفس في مرحلة الكبر[20].

 ومن النتائج الخطيرة للعنف النفسي كذلك على صحة الأطفال نذكر الشعور بالخجل، حيث يشعر الطفل دوما بالنقص والدونية ويتسم سلوكه بالجمود والخمول في الوسط المدرسي أو البيئي عموما، وبذلك ينمو محدود الخبرات غير قادر على التكيف السوي مع نفسه أو مع الآخرين[21].

8-ظاهرة أطفال الشوارع

تعد ظاهرة أطفال الشوارع من بين الظواهر التي تؤرق بال العديد من الدول بما فيها الدول المتقدمة، غير أنها في الدول الفقيرة أكثر انتشارا وأكثر تفشيا وذلك راجع لعدة عوامل منها ما هو اقتصادي واجتماعي وسياسي كالفقر والبطالة والبؤس الاجتماعي وارتفاع الأسعار وانخفاض وضعف القدرة الشرائية للمواطنين، وكذلك كثرة حالات الطلاق والتفكك الأسري أو موت أحد الوالدين، بالإضافة إلى مشكل الانقطاع المبكر عن الدراسة والجهل والأمية وانسداد الأفق، وكذلك سوء المعاملة وضرب الأطفال وتعذيبهم وطردهم من البيت وإهمال احتياجاتهم، إنها ظاهرة يتحمل مسؤولية ظهورها واستفحالها جميع مكونات الأمة كالدولة المجتمع المدني والأسرة وقطاع التعليم والتربية والأوقاف ووسائل الإعلام المختلفة مصدقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته )[22]

لقد حاولت من خلال هذه المقالة المتواضعة تسليط الضوء على قضية مجتمعية بالغة الخطورة، شغلت ولا زالت تشغل بال العديد من المختصين في حقل التربية و الاجتماع و النفس ألا وهي ظاهرة العنف المرتبطة ارتباطا وثيقا بالسلوك الإنساني، ذلك أنه إلى حدود اليوم لازال البحث قائما لمعرفة كيف يتشكل سلوك الإنسان؟ وما علاقته بالعنف؟ وماهي طبيعة هذا السلوك؟ وكيف يمكن أن نتحكم فيه أو نضبطه؟

ورغم أن الوجود البشري قد بدأ منذ آلاف السنين وربما ملايين السنين، ورغم الميزانيات الضخمة التي رصدت لدراسة السلوك الإنساني وعلاقته بالعنف لفهم طبيعتهما، للخروج بخلاصات وحقائق علمية حولهما، إلا أنه لايزال السلوك الإنساني يستعصي عن الفهم والتحليل، إذ يعد من أعقد الظواهر التي تتطلب دراسات وأبحاث على مستوى علم النفس العصبي وكذا مختلف العلوم، من أجل إيجاد الحلول لمختلف القضايا المرتبطة به كالعنف مثلا، ومما لاشك أن بلداننا العربية الإسلامية تزخر بقيم إسلامية رفيعة يمكن استثمارها لغرس قيم المحبة والإخاء والسلم والتعاون، كما يمكن كذلك تبنيها لإظهار القدوة الحسنة لأطفالنا، وكذلك لأجل حفز نبوغهم ، واعتماد سير الأنبياء والصالحين للتوعية بأهمية إتباع السلوك الحسن والبعد عن السلوك العنيف ، فتقديم النصح للأطفال بأسلوب حسن وتوجيههم توجيها حسنا من طرف والديهم ومدرسيهم بعيدا عن الأساليب اللاتربوية أمر محمود في غاية النبل، قد يحد من انتشار هذه الظاهرة المشينة، مع تبيان دور المدرسة والأسرة في التوعية من العنف، والعمل أيضا على تقوية الوازع الديني للطفل ، وختاما لابد من استحضار دور الإعلام كذلك  في التوعية من أجل محاصرة هذه الظاهرة المشينة.

بيبليوغرافيا

  • القرآن الكريم، سورة يوسف، الآية 12.
  • مصطفى حجازي: التخلف الاجتماعي، مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور، الناشر المركز الثقافي العربي، ط9، الدار البيضاء - بيروت، 2005.
  • محرز الدريسي، العنف المدرسي تمثلات التلاميذ ومدخل الجودة التربوية، عن مجلة الإصلاح، العدد 186، تونس، يناير 2023.
  • أحمد الطاهري، ظاهرة العنف في الوسط المدرسي، دراسة في نظرياتها المعرفية، المركز الديموقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ألمانيا-برلين، 2021
  • ابراهيم الحيدري: سوسيولوجيا العنف والإرهاب: لماذا يفجر الإرهابي نفسه وهو منتش فرحا؟ دار الساقي. ط1، بيروت 2105.
  • باربرا ويتمر، الأنماط الثقافية للعنف، ترجمة ممدوح يوسف عمران، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، العدد 337، الكويت، مارس 2007.
  • القرشي عبد الفتاح، اتجاهات الآباء والأمهات الكويتيين في تنشئة الأبناء وعلاقتهما ببعض المتغيرات، جامعة الكويت، حوليات كلية الآداب والعلوم الاجتماعية، العدد 35، المجلد 7، الكويت، 1986.
  • رافدة الحريري و زهرة بن رجب، المشكلات السلوكية النفسية والتربوية لتلاميذ المرحلة الابتدائية، دار المناهج للنشر والتوزيع، عمان-الأردن، 2008م.
  • وفيق صفوت مختار، مشكلات الأطفال السلوكية، مجلة الوعي الإسلامي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، العدد 411، الكويت، فبراير- مارس 2000م.
  • كامل عبد المالك، ثقافة التنمية، دراسة في أثر الرواسب الثقافية على التنمية المستدامة، سلسلة العلوم الاجتماعية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2008
  • باسمة الحسن، الخجل هذا الجدار الإسمنتي كيف نحطمه؟، مجلة الوعي الإسلامي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، العدد 411، الكويت، فبراير- مارس 2000م.
  • عمر الرماش، ظاهرة أطفال الشوارع. مجلة الوعي الإسلامي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، العدد411، الكويت، فبراير- مارس 2000م.
  • Psychoanalytic Psychotherapy after child abuse. the treatment of adults and children who have experienced sexual abuse, violence and neglect in childhood .By Daniel MC Queen, Roger Kennedy, Valerie sinason, and Fay Maxted.
  • Child psychology and Psychiatry, frameworks for practice, By David skuse, Helen Bruce, Linda Dowdney and David Mrazek.
  • The explosive child , a new approach for understanding and parenting easily frustrated chronically inflexible children. By Ross W. Greene, PHD. P Preface.

 

[1]سورة يوسف، الآية 12.

[2]مصطفى حجازي: التخلف الاجتماعي، مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور، الناشر المركز الثقافي العربي، ط9، الدار البيضاء - بيروت، 2005، ص39.

[3]محرز الدريسي، العنف المدرسي تمثلات التلاميذ ومدخل الجودة التربوية، عن مجلة الإصلاح، العدد 186، تونس، يناير 2023، ص23

[4]أحمد الطاهري، ظاهرة العنف في الوسط المدرسي، دراسة في نظرياتها المعرفية، المركز الديموقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ألمانيا-برلين، 2021، ص29

[5]ابراهيم الحيدري: سوسيولوجيا العنف والإرهاب: لماذا يفجر الإرهابي نفسه وهو منتش فرحا؟ دار الساقي. ط1، بيروت2015 ص17.

[6]باربرا ويتمر، الأنماط الثقافية للعنف، ترجمة ممدوح يوسف عمران، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، العدد 337، الكويت، مارس 2007، ص4.

[7]باربرا ويتمر، الأنماط الثقافية للعنف، المرجع السابق، ص5.

[8]باربرا ويتمر، الأنماط الثقافية للعنف، نفسه، ص7.

[9]باربرا ويتمر، الأنماط الثقافية للعنف، نفسه، ص5.

[10]باربرا ويتمر، الأنماط الثقافية للعنف، نفسه، ص5.

[11]Psychoanalytic Psychotherapy after child abuse. the treatment of adults and children who have experienced sexual abuse, violence and neglect in childhood .By Daniel MC Queen, Roger Kennedy, Valerie sinason, and Fay Maxted .P19.

[12]Psychoanalytic Psychotherapy after child abuse, Op.Cit, p: 20.

[13]القرشي عبد الفتاح، اتجاهات الآباء والأمهات الكويتيين في تنشئة الأبناء وعلاقتهما ببعض المتغيرات، جامعة الكويت، حوليات كلية الآداب والعلوم الاجتماعية، العدد 35، المجلد 7، الكويت، 1986.

[14]رافدة الحريري و زهرة بن رجب، المشكلات السلوكية النفسية والتربوية لتلاميذ المرحلة الابتدائية، دار المناهج للنشر والتوزيع، عمان-الأردن، 2008م، ص 197.

[15]وفيق صفوت مختار، مشكلات الأطفال السلوكية، مجلة الوعي الإسلامي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، العدد 411، الكويت، فبراير- مارس 2000م, ص 80.

[16]كامل عبد المالك، ثقافة التنمية، دراسة في أثر الرواسب الثقافية على التنمية المستدامة، سلسلة العلوم الاجتماعية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2008، ص166.

[17]The explosive child , a new approach for understanding and parenting easily frustrated chronically inflexible children. By Ross W. Greene, PHD. P Preface.

[18] The explosive child, Op.Cit,46.

[19]Child psychology and Psychiatry, frameworks for practice, By David skuse, Helen Bruce, Linda Dowdney and David Mrazek. P: 121.

[20]Child psychology and Psychiatry. Op. Cit, P: 117.

[21]باسمة الحسن، الخجل هذا الجدار الإسمنتي كيف نحطمه؟، مجلة الوعي الإسلامي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، العدد 411، الكويت، فبراير- مارس 2000م, ص 79.

[22]عمر الرماش، ظاهرة أطفال الشوارع. مجلة الوعي الإسلامي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، العدد411، الكويت، فبراير- مارس 2000م، ص77.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟